أخبار الوطن الرئيسية

19/03/2011

 

السوريون أيضا يريدون الإصلاح

ياسر زعاترة

 

الذين خرجوا للتظاهر في سوريا على قلتهم ، بخاصة من تظاهروا أمام وزارة الداخلية ، كانوا يتّسمون بجرأة استثنائية لا يشكك فيها عاقل ، فهنا ثمة تراث من قسوة القمع يعشش في القلوب والعقول ، ولا يمكن التخلص منه بسهولة ويسر. صحيح أن أكثر الذين تظاهروا لم يكونوا من الجيل الذي شهد عواصف فترة مطلع الثمانينيات التي فرضت سطوة بوليسية غير عادية ، لكن ذلك لا يعني أنهم لم يسمعوا ولم يقرأوا عن تلك الحقبة بكل ما انطوت عليه من بؤس وجراح.

لا خلاف يذكر على أن أخطاء تلك الحقبة لم تكن من نصيب السلطة وحدها ، فالإخوان في نزاعهم المسلح مع السلطة لم يكونوا بمنأىً عن الأخطاء أيضا ، لاسيما حين لاحت لهم فرصة النأي بأنفسهم عن دوامة العنف المسلح الذي انجروا إليه بغير رغبة منهم ولا تخطيط ، لكن ذلك كله لا ينفي أن قسوة القمع كانت أكثر مما يتصوره العقل ، الأمر الذي فجّر الكثير من الأحقاد الطائفية.

الذين تظاهروا في دمشق قبل أيام لم يكونوا يستعيدون تلك الحقبة ، ليس فقط لأنهم لم يكونوا جزءا منها ، بل لأن فصولها قد تطاول عليها العمر (ثلاثة عقود) ، وإلّم تغلق جميع ملفاتها ، وفي مقدمتها ملفات المعتقلين والمنفيين.

الحقيقة أنهم تظاهروا من أجل الحرية والكرامة ، تماما كما فعل إخوانهم في تونس ومصر واليمن وليبيا وسواها من الدول التي بدأت حراكها الشعبي الرافض لنظام الحكم الشمولي أيا تكون الصورة التي يمنحها لنفسه في الإطار الخارجي.

في عموم الحالة العربية يتظاهر الناس رفضا للسياسات الداخلية والخارجية ، أعني أنهم يتظاهرون رفضا لسياسة القمع وتكميم الأفواه وهيمنة نخبة بعينها على السلطة والثروة ، كما يتظاهرون رفضا لسياسة الخضوع لإملاءات الخارج في ملفات فلسطين والعراق وسواها ، بل وربما ملفات الداخل أيضا ، أعني طرق التصرف بالثروة كما يحدث في بعض دول الخليج التي تدفع بدل نظام الحماية صفقات تسلح بعشرات المليارات.

في سوريا يختلف الأمر بعض الشيء ، فهنا لا يجد الناس الكثير مما يمكن أن يختلفوا عليه مع النظام بما يتصل بالسياسة الخارجية ، إذ أن دعمه للمقاومة ورفضه للإملاءات الخارجية كان معقولا إلى حد كبير ، الأمر الذي لن يعدم المزايدين عليه ممن لا يتوقفون عن الحديث عن جبهة الجولان الهادئة ، لكأن أحدا كان بوسعه إشعالها خلال المرحلة الماضية في ظل ميزان القوى المعروف ، مع تجاهل مقصود لدور النظام السوري في إفشال المشروع الأمريكي في العراق ، وفي هزيمة الاحتلال في لبنان ودعم المقاومة في فلسطين (قد يبررون ذلك في حال الاعتراف به بدوافع تفرغه من أي مضمون إيجابي).

الخلاف مع النظام ينحصر في السياسة الداخلية ، وهو شأن ليس هامشيا بحال من الأحوال ، ذلك أن رضا المواطن السوري عن سياسة بلاده الخارجية لا يمكن أن يكون حائلا دون رفضه للسياسة الداخلية التي تتعلق بالقمع والفساد والديكتاتورية ، والتي تتصل بدورها بالشأن الاقتصادي.

حتى الآن لم يرَ المواطن السوري ولم يسمع من نظامه ما يدفع إلى التفاؤل بإمكانية التغيير الحقيقي ، مع العلم أن أحدا هناك لا يتوقع أن تتحول سوريا إلى سويسرا بين عشية وضحاها ، لكن المؤكد أن زمن ما بعد حريق البوعزيزي مختلف إلى حد كبير ، وإذا لم يدرك النظام ذلك ، فسيرى بنفسه كيف سيأخذ الاحتجاج في التصاعد التدريجي على نحو تعجز أدوات القمع عن إسكاته ، لاسيما أن زم ثورة الاتصالات لم يعد يسمح بقتل الناس دون رقيب ولاحسيب.

ليس أمام النظام السوري تبعا لذلك سوى الاستجابة لأشواق شعبه في التغيير والإصلاح ، والمخلصون من أبناء هذه الأمة يتمنون أن يحدث ذلك ، وأن تلتقي السياسة الداخلية الراشدة مع السياسة الخارجية القوية كي تكون سوريا في رأس منظومة الأمة الجديدة التي تتصدى للعدوان الخارجي ، وفي مقدمته المشروع الصهيوني ، وتعلن انطلاقها نحو مشروع الوحدة الكبير.

المصدر :صحيفة الدستور الاردنية   -  أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري