جرى التعويل بمبالغة شديدة على الدور
الاقتصادي ـ الاجتماعي الذي من الممكن أن
يلعبه القطاع الخاص ورأس المال الأجنبي
المستثمر، كبديل عن الدور الذي كان يقوم
به القطاع العام، من حيث تشغيل اليد
العاملة ودعم برامج التدريب والتأهيل
والالتزام بإشراك العمال بالتأمينات
الاجتماعية، فقد أُعطي القطاع الخاص
امتيازات ومحفزات كبيرة بهذا الخصوص، ومع
ذلك لم يراع حقوق العمال، ولم يلتزم
بقانون العمل، بينما القطاع العام الذي لم
يعطَ في الفترة ذاتها إلا القليل القليل،
كان وما يزال ملتزماً بحقوق العمال، ولو
بحدودها الدنيا، بالرغم مما أصابه من وهن
وضعف بسبب النهب والفساد الواسعين، اللذين
فعلا فعلهما وأوصلاه إلى درجة أن وصفه
البعض من الاقتصاديين (بالرجل المريض الذي
يموت سريرياً) ولن ينفعه أي علاج قد يُعطى
له لإنعاشه واستعادة قواه مرة أخرى.
إن هذا الحديث قد التقى مع حسابات الفريق
الاقتصادي، والحكومة السابقة المبنية على
ما قدمته المؤسسات النقدية الدولية من
نصائح وتوجيهات، بإعادة هيكلة الاقتصاد
السوري، أي إعادة ترتيبه وتوضيبه بما
يتوافق مع السياسات والنهج الاقتصادي
الليبرالي الذي خدم بنهاية المطاف
والنتائج قوى السوق، ومكَّنها من الهيمنة
والسيطرة والقيادة للاقتصاد الوطني. لم
لا؟ فكل القوانين والمراسيم والتشريعات
التي صدرت كانت في خدمة رأس المال
المستثمر، معبدة الطريق له ليحتل مكان
الصدارة ويصبح قاطرة النمو التي ستجر
خلفها كل الأزمات المستعصية التي حفرت لها
مجرى عميقاً في المجتمع السوري كالبطالة
والفقر وارتفاع الأسعار وتدني مستوى
التعليم والصحة والنقل والسكن!!.
لقد أصبحت تلك الأزمات مكوناً رئيسياً
لحياة الفقراء في وطننا، فهم اضطروا
للتعايش معها بفعل قوة العادة اليومية كما
يتعايش الأغنياء مع آليات نهبهم وفسادهم،
الذي أصبح يشكل المشهد الأبرز والحدث
الرئيسي للشعب السوري بأغلبيته الفقيرة.
إن للنهب قوانينه الخاصة التي بدونها لا
يمكن أن يكون هناك نهب وفساد، وأهم ذلك
منع الطبقة العاملة والفقراء عموماً من
الدفاع عن حقوقهم ولقمة عيشهم وكرامتهم
التي تُهدر مع مطلع كل فجر، دون أن يكترث
أحد لتلك الحقوق التي ينادي بها العمال
وكل المواطنين الذين همهم الدفاع عن تلك
الحقوق، والتي ينظرون إليها باعتبارها
البوابة الرئيسية التي تعزز الوحدة
الوطنية وتجعلها قلعة منيعة لا يمكن خرقها
من القوى التي لها مصلحة حقيقية بإضعافها
والنفاذ منها، وإضعاف الوحدة الوطنية يكون
بعدم تحقيق مصالح الفقراء ومنهم الطبقة
العاملة، لأن ذلك يعني مزيداً من الاستياء
والتذمر، لأن الجوع كافر، وحتى يُرَدَّ
الجوع لابد من مقاومة الفقر والنهب
والفساد، والقضاء على منابعه الأساسية
التي تولده كل يوم وكل ساعة.
لقد استفادت قوى السوق كثيراً من تطور
الأحداث وتداعياتها لتوجه سهامها الحاقدة
إلى صدور الطبقة العاملة السورية في
القطاع الخاص، حيث قام أرباب العمل في
المعامل والشركات بتسريح أعداد كبيرة من
العمال تسريحاً مباشراً، أو تسريحاً
مبطناً من خلال إعطاء العمال إجازات قسرية
إلى أجل غير معلوم وعلى حساب العمال،
وبهذا يمارس أرباب العمل ضغطاً إضافياً
على المجتمع حيث يزيد بهذا العمل الاحتقان
الشعبي لدى المهمشين، فهل هذا ما يريده
تجار الأزمات؟ المتذرعين بتوقف الحياة
الاقتصادية بسبب ما هو حاصل داخلياً.
إن هذا الموقف يتطلب العمل السريع
والمجابهة الحازمة مع عمليات تسريح العمال
الجارية الآن على قدم وساق، ويتحمل هذه
المسؤولية مباشرة نقابات العمال، كونها
المدافع المفترض عن مصالح وحقوق العمال،
ومنها حقهم بالعمل وعدم تسريحهم، فالذي
يحقق الأرباح الطائلة من عمل العمال في
حالة الرخاء والسلم لابد أن يتحمل أوضاعهم
التي تزداد سوءً في حال الأزمات والأحداث،
إن الطبقة العاملة السورية وخاصة عمال
القطاع الخاص يهيبون بكل الوطنين والشرفاء
في هذه الوطن، لحماية حقوقهم وعدم
تسريحهم، فهل من مجيب؟! |