يعترف المسؤولون الأتراك بأن العقوبات
التي أعلن عنها وزير الخارجية التركي أحمد
داود أوغلو لا تشكل «قفزة نوعية» في طريقة
التعامل مع سوريا، لأن معظم هذه العقوبات
غير جديد، وقد طبق بعضه بالفعل منذ نحو
شهرين أو أكثر. لكن هؤلاء يدافعون عن موقف
بلادهم بالتأكيد على أن هذه العقوبات هي «دفعة
على الحساب»، وهدفها محاولة «إقناع (الرئيس
السوري بشار) الأسد بضرورة إعادة حساباته
والعودة إلى درب التعقل»، كما قال مسؤول
تركي لـ«الشرق الأوسط» أمس.
وقد تعرض كيليتشدار أوغلو للحكومة التركية
بانتقادات لاذعة إزاء سياستها غير الحكيمة
في التعامل مع الأحداث السورية، لا سيما
بعد تحسين العلاقات الثنائية بين الطرفين
في وقت ما قبل بدء الأحداث في سوريا، على
حد تعبيره.
وأوضح إرشاد هورموزلو، كبير مستشاري
الرئيس التركي عبد الله غل، أن العقوبات
التي أعلن عنها داود أوغلو ما هي إلا «حزمة
قد تليها حزمات أخرى». هورموزلو الذي بات
يتعمد مؤخرا استعمال تعبير «الإدارة
السورية» بدلا من كلمة «النظام السوري» في
خطوة رمزية تهدف إلى إظهار الموقف التركي
بعدم الاعتراف به نظاما، بل مجرد إدارة،
قال لـ«الشرق الأوسط»: «إن هذه العقوبات
هي خطوة أولى، سنرى بعدها موقف الإدارة
السورية لعلها تعود إلى سلوك الطريق
الصحيح الذي يؤدي إلى انتقال سلمي للسلطة»،
وردا على سؤال عما سيحدث إذا لم تجد تركيا
استجابة سورية، قال: «ستكون هناك حزمات
أخرى توجع النظام حقيقة».
وقد حركت «العقوبات» النقاش الداخلي
التركي حيال سياسة الحكومة تجاه سوريا
بكلام لافت للمعارضة التركية، التي قالت
إن الحكومة «تنفذ أجندات خارجية في سوريا».
وقال رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض
كمال كيليتشدار أوغلو «إن الحكومة تنفذ
سياسات الدول الخارجية في سوريا»، مشيرا
إلى أنه لا يجوز «أن نتدخل في الشؤون
الداخلية لدولة أخرى فيما لدينا الكثير من
الشؤون الداخلية التي تحتاج إلى بحث».
وأضاف: «هل إيواء مسلحين منشقين في أرضنا
لإحداث مشاكل في دولة أخرى يفيد تركيا؟
وهل تسليح قوات للتدخل في بلد آخر أمر
صائب؟ وماذا سيكون رد فعلنا إذا قام أحد
آخر بنفس العمل معنا؟»، واتهم كيليتشدار
أوغلو الحكومة بأنها لعبة بيد الدول ذات
السيادة العالمية يتحكمون بها ويقودونها
إلى حسب مصالحهم، وأن مثل هذه الأعمال لا
يليق بتركيا.
ورد نائب رئيس الوزراء التركي بولاند أرنج
على كيليتشدار أوغلو بطريقة غير مباشرة
بالتأكيد على أن «هناك مطالب مشروعة للشعب
السوري يجب أن تؤخذ في عين الاعتبار، ونحن
لا يمكن أن نقبل أن تأتي صداقاتنا مع
الحكومات على حساب الشعوب».
وأشار أرنج في لقاء مع إعلاميين عرب حضرته
«الشرق الأوسط» إلى «أن استخدام العنف
وخطف الناس ومحاصرتهم بالدبابات والاعتقال
التعسفي هي أشياء لا يمكن القبول بها».
وإذ شدد على أن تركيا «تريد تحولا من دون
سفك دماء»، أكد أن «القتال المسلح ليس من
أعمالنا، وأن التدخلات الخارجية ليست أمرا
صحيحا، وأن احتلال بلد آخر بالقوة كما حصل
في العراق ليس كذلك»، مذكرا بموقف بلاده
الرافض آنذاك للتعاون مع القوات الأميركية
وإقفال المطارات التركية بوجه الأميركيين.
وقال: «إن تركيا لا تؤيد أي تدخل عسكري
خارجي في سوريا». لكنه أضاف: «لقد تحدثنا
معهم (السوريين) باللغة التي يفهمونها (العقوبات)،
وتبنينا قرارات الجامعة العربية وأيدناها
لأنها الخيار الصحيح والمحق، كما نحرص في
الوقت نفسه على عدم المس بالشعب السوري،
ولهذا لن تقطع نقطة ماء واحدة عن سوريا
ولا الكهرباء مهما حصل، لأن الشعب السوري
سيتضرر».
وعن المنطقة العازلة، قال أرنج: «إن بلاده
ليست في وارد القيام بهذه الخطوة»،
ليستدرك قائلا «لكن إزاء الحاجة يمكن أن
تتحرك تركيا بالتعاون مع الجامعة العربية
لتنفيذها إذا رغبت الجامعة بذلك».
أما المعارضة السورية، فقد أكد الناطق
بلسانها أحمد رمضان لـ«الشرق الأوسط» أنها
لم تطلب من تركيا قيام منطقة عازلة، مشيرا
إلى أن المعارضة عندما تتحرك للمطالبة
بهذا الشيء تذهب إلى الجامعة العربية
والأمم المتحدة. وقال: «لا نحتاج إلى تدخل
عسكري خارجي، فالسيناريو الليبي لا يصلح
في سوريا»، متمنيا لو أن الأمم المتحدة
أقرت العقوبات وفكرة إرسال مراقبين دوليين
وفرض نوع من الحماية على المدنيين عبر
قرارات بحظر الطيران وحظر انتقال القوات
إلى أماكن معينة. وأضاف: «النظام هش وضعيف
وقد ينهار بأسرع مما يتوقعه الآخرون».
وأشاد بالإجراءات التركية، معتبرا أن
التحرك التركي بالتناغم مع الجامعة
العربية والمجتمع الدولي من شأنه مساعدة
المعارضة على نزع الشرعية العربية
والإسلامية والدولية عن هذا النظام، مشيرا
إلى أن المعارضة تعمل على عزل النظام على
ثلاثة مستويات: اقتصادية وسياسية
ودبلوماسية، معتبرا أن «النظام لا يمكن أن
يتحمل العزلة، لأنه مختلف عن النظام الذي
كان قائما برئاسة حافظ الأسد والذي كان
قائما على أساس العزلة، إنما النظام
الحالي فقد شبك مصالحه مع الخارج ولا يمكن
أن يستمر في حالة العزلة».
وأشار رمضان إلى وجود ارتياح لدى المعارضة
السورية، متوقعا حصول «تطورات مهمة هذا
الشهر»، وقال: «نحن نتجه لاستكمال الحصار
حول النظام وإتمام عملية العزل مع الحفاظ
على الحراك الداخلي واستكمال البرنامج
المتكامل لتفكيك النظام».
من جهة أخرى، استغرب أرنج «التوتر
الإيراني» حيال موضوع الدرع الصاروخية
الأطلسية التي تستضيفها تركيا على أراضيها.
وقال: «هذه الدرع هي منظومة رادارات لا
منظومة أسلحة، وهي لا يمكن أن تستهدف
إيران لأننا حرصنا على أن نؤكد ذلك في
مفاوضاتنا مع الأميركيين ولا يوجد من داع
لأن تفترض إيران أن هذه الدرع تستهدفها».
وأضاف مشيرا إلى تصريحات إيرانية عن
استهداف الدرع الصاروخية في تركيا: «أحد
الجنرالات (الإيرانيين) كانت تصريحاته
خاطئة ولا مكان لها. وهذا موقف غير لائق
وإجراء خاطئ». وقال: «علاقتنا مع إيران
جيدة ولم تشهد علاقاتنا سابقا أي مشاكل،
ونحن نولي اهتماما كبيرا لمصالح إيران كما
مصالحنا ولم نعتبرها يوما دولة خطيرة».
وأضاف: «لا يمكن فهم توتر إيران ولا
التصريحات غير المسؤولة». |