يرى محللون ان سوريا تستعيد قدرة كبيرة
على الامساك باللعبة السياسية في لبنان
الذي انسحبت منه عسكريا العام 2005، وذلك
بخروج الفريق المناهض لها بزعامة سعد
الحريري من السلطة.
ويقول استاذ العلوم السياسية في الجامعة
اللبنانية الاميركية مروان رويهب ان
"سوريا حرصت خلال السنوات الست الماضية
على اعادة ترسيخ نفوذها خطوة بخطوة واليوم
تعلن للعالم انها تقبض مجددا بيد من حديد
على خيوط اللعبة السياسية في لبنان".
ويضيف لوكالة فرانس برس "لم تمنع القطيعة
مع فريق لبناني الوصاية السياسية السورية
على لبنان من ان تستعيد زخمها".
وانحسر نفوذ سوريا في لبنان العام 2005 مع
انسحاب جيشها منه بعد ثلاثين سنة من
التواجد فيه بضغط من الشارع والمجتمع
الدولي اثر اغتيال رئيس الوزراء السابق
رفيق الحريري وتوجيه اصابع الاتهام اليها
في الجريمة.
وتلت الانسحاب العسكري انتخابات جاءت بسعد
الحريري نجل رفيق الحريري على رأس اغلبية
نيابية مناهضة لدمشق الى البرلمان، فيما
بقي لسوريا موطىء قدم من خلال تحالفها مع
حزب الله وحركة امل الشيعيين اللذين انضم
اليهما في وقت لاحق التيار الوطني الحر
بزعامة النائب المسيحي ميشال عون.
وتحسنت العلاقات بين دمشق والحريري
المدعوم من الرياض بعد تسلم هذا الاخير
رئاسة الحكومة في كانون الاول/ديسمبر
2009، وفي ضوء تقارب سعودي سوري ما شكل
خطوة اضافية على طريق عودة سوريا سياسيا
الى الساحة اللبنانية.
ويقول رويهب ان "سوريا تدرك انها اللاعب
الاهم اليوم لذلك فانها تقدم على خطوات
فيها مجازفة، بعضها قد ينطوي على انتقام
ما"، في اشارة الى اسقاط حكومة الحريري
وابعاده عن رئاسة الحكومة المقبلة.
وسقطت حكومة الوحدة الوطنية في 12 كانون
الثاني/يناير نتيجة استقالة احد عشر وزيرا
بينهم عشرة يمثلون حزب الله وحلفاءه، بسبب
خلاف حول المحكمة الدولية المكلفة النظر
في اغتيال رفيق الحريري التي يتوقع حزب
الله ان توجه الاتهام اليه في الجريمة
ويطالب بالتالي بفك ارتباط لبنان بها.
ويرى مدير "معهد بروكينغز" في الدوحة
سلمان شيخ ان "سقوط حكومة الحريري يشير
الى ان لبنان دخل مجددا فترة ما قبل العام
2005، وتحديدا فترة التسعينات" حين كانت
سوريا تمارس نفوذا واسعا يشمل كل تفاصيل
الحياة السياسية، من تعيين الحكومات الى
التدخل في العمليات الانتخابية على كل
المستويات.
وقد عبر رئيس الهيئة التنفيذية لحزب
القوات اللبنانية سمير جعجع المتحالف مع
الحريري عن مخاوف داخل قوى 14 آذار
(الحريري وحلفاؤه) "على الاستقلال
الفعلي".
ونقل موقع حزب القوات عن جعجع قوله اثر
لقاء مع رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي
"عادت بي الاحداث الى ما حصل ما بين عامي
1990 و2005 ولكل الممارسات التي كانت تحصل
آنذاك، فأغلب الظن ان الاكثرية الجديدة
ستتصرف تبعا للاسلوب القديم".
وخسر الحريري بعد تكليف نجيب ميقاتي
المدعوم من حزب الله وحلفائه تشكيل حكومة،
الغالبية داخل البرلمان بعدما غير عدد من
النواب مواقعهم السياسية.
واعلنت سوريا مباركتها لتكليف ميقاتي،
ودعا وزير خارجيتها وليد المعلم "جميع
الافرقاء اللبنانيين الى المشاركة في
الحكومة" التي يتجه فريق الحريري حتى الآن
الى عدم الدخول فيها.
ويعتبر المحلل في مجموعة الازمات الدولية
بيتر هارلينغ المقيم في دمشق بيتر هارلينغ
ان "تحالف سوريا مع الشيعة والدروز وجزء
مهم من المسيحيين وبعض الشخصيات السنية
الاساسية، يمنحها حاليا اليد العليا في
لبنان".
ويتهم فريق الحريري حزب الله بالاستقواء
بسلاحه وبدعم سوريا وايران من اجل تنفيذ
ما يسميه "انقلابا" في السلطة، عبر اسقاط
الحريري ورفض عودته الى رئاسة الحكومة.
ويرى شيخ ان "سوريا تقول للعالم انه لا
يمكن حفظ استقرار لبنان من دون مساعدتها
وتاثيرها".
وكانت سوريا قامت مع السعودية قبيل سقوط
الحكومة بجهود لايجاد حل للازمة
اللبنانية، لكن المبادرة فشلت، واعلنت
الرياض انها رفعت يدها عن هذه الوساطة.
ويقول رويهب "لا شك ان الدور السعودي
تراجع امام الدور السوري".
الا ان هارلينغ المقيم في دمشق يقول ان
سوريا "تدير اليوم لعبة سياسية تاخذ
بالاعتبار وجود لاعبين آخرين، وتتصرف على
اساس (...) حسابات سياسية براغماتية".
ويوضح "بعكس التفاهم السوري السعودي الذي
حكم لبنان في التسعينات، فان (...) هناك
ادوارا اليوم لدول مثل ايران وتركيا
وفرنسا والولايات المتحدة".
ويرى خبراء ان التعامل السوري المستقبلي
مع لبنان سيتضح اكثر في ضوء فاعلية
الادوار الاقليمية والدولية الاخرى وحجم
انعكاس الدور السوري في التشكيلة الحكومية
المنتظرة وفي بيانها الوزاري.
ويقول شيخ ان "سوريا ادارت هذه الازمة على
طريقتها لتضع يديها الاثنتين على لبنان،
لكن السؤال يتمحور حول ما تعلمته دمشق من
دروس السنوات الماضية، وكيف ستطبقه على
ارض الواقع". |