لم يسبق ان شهدت العاصمة الأميركية مثل
هذا الارباك في التعامل مع موضوع خارجي.
الاخبار المتواترة من مصر تسيطر في شكل لا
مثيل له على نشرات الاخبار والبرامج
الحوارية الاميركية والنقاشات، علما ان
الاميركيين نادرا ما يولون الشؤون
الخارجية اهتماما مماثلا.
وبعد ان حاولت إدارة الرئيس باراك اوباما
دفع الامور باتجاه التوصل الى حوار بين
الرئيس حسني مبارك والثورة المندلعة في
وجهه، توصلت الادارة الى نتيجة مفادها بأن
«مبارك صار جزءا من التاريخ»، وهي تستعد
للتعاطي «مع مرحلة ما بعد مبارك».
إلا ان الموقف الاميركي الحالي جاء بعد
أخذ ورد أظهر واشنطن، لهنيهة، في موقف
المعادية لطموحات الشعوب العربية وحريتها،
وعلى حد تعبير وزير خارجية الاردن السابق
نائب رئيس «معهد كارنيجي» مروان المعشر،
الذي قال ان واشنطن ما زالت متأخرة عن فهم
ما يحدث، وهي تنظر الى الاحداث من زاويتين،
«الحاجة الى الاستقرار، وعملية السلام في
الشرق الاوسط».
ويضيف المعشر: «الامر لا يتعلق باسرائيل...
كنت أتمنى ان تترك الولايات المتحدة، ولو
لمرة واحدة فقط، إسرائيل خارج الموضوع،
وان تنظر إليه على حقيقته: لقد ملّ العالم
الفساد ويريدون حكومة أفضل».
المفاجأة داخل واشنطن جاءت هذه المرة من
بعض أصدقاء إسرائيل، فهؤلاء انتقدوا للمرة
الاولى، وان ضمنيا، تمسك الدولة العبرية
بمفهوم «تثبيت الحدود» و«الاستقرار» الذي
يرافق حكم الديكتاتوريات على حساب الحرية.
اليوت ابرامز، وهو أحد كبار صقور إدارة
الرئيس السابق جورج بوش، شارك في اجتماع
للخبراء في شؤون الشرق الاوسط دعا اليه
اوباما في البيت الابيض. ورغم حرصه على
مصلحة اسرائيل، لطالما عبر ابرامز عن
معارضته للدور الذي تقوم به تل ابيب في
حماية الديكتاتوريات المحاذية لها مثل
سورية ومصر.
وسبق لابرامز ان اتهم اسرائيل بفتح الباب
لسورية، في العام 2008، للخروج من عزلة
كان المجتمع الدولي فرضها عليها اثر عملية
اغتيال رئيس حكومة لبنان السابق رفيق
الحريري في فبراير 2005.
اليوم، ابرامز يتهم واشنطن بقصرها عن فهم
المشكلة التي تشوب دعم الولايات المتحدة
للديكتاتوريات العربية. ويقول ابرامز: «هل
ستتعلم حكومتنا ان الديكتاتوريات لا
يمكنها ابدا ان تكون مستقرة»؟ ويضيف: «تحت
السطح الهادئ بسبب الاجهزة الامنية،
يتزايد الضغط، الذي قد يتطور الى تطرف
وعنف خصوصا عندما تكون المناظرات الحقيقية
والتنافس السياسي ممنوعان».
لكن بغض النظر عن موقف وتفضيل اسرائيل
لبقاء مبارك لاعتقادها انه يؤمن لها حماية
حدودها الجنوبية، وبغض النظر عن التأثير
الذي تمارسه تل ابيب داخل واشنطن لمصلحة
بقاء مبارك في الحكم، فإن الاجماع
الاميركي يكاد يكتمل حول ضرورة «ذهاب
مبارك إلى منزله»، أي تنازله عن الحكم.
ويقول أحد أقطاب واشنطن رئيس «مركز
السياسات الخارجية» السفير ريتشارد هاس
انه «من المهم، عاجلا قبل آجلا، ان نرى
رئيس مصر يرحل»، حتى تبدأ «عملية الانتقال
السياسي، ويعود النظام»، إذ «لا يريد احد
ان تصل مصر الى نقطة يعتقد فيها المصريون
ان من مصلحتهم دعم أي طرف»، وقد يكون هذا
الطرف «جمعية الاخوان المسلمين».
ويضيف: «لا فكرة لدي عما يدور في ذهن
الاخوان المسلمين، بيد انه من المثير
للاهتمام ان هذه العملية، كما في تونس،
بدأت ليس مع الإسلاميين، بل مع أفراد
علمانيين من الطبقة المتوسطة معظمهم من
الشباب».
ويعتبر هاس ان «الاخوان المسلمين، كما
الاطراف الاخرى، تحاول اللحاق بالاحداث،
وهم سيحاولون استغلالها لمصلحتهم».
هاس يعبر عن الهاجس الاميركي من تكرار
سيناريو الثورة الايرانية في العام 1979،
والتي بدأها علمانيون، ثم ما لبثت ان
سيطرت عليها الحركات الاسلامية المتطرفة.
ويقول: «ما تعلمناه عبر السنين، مثلا في
ايران، ان عملية (انتقال السلطة) تأخذ بعض
الوقت وتتضمن مراحل متعددة».
ويضيف: «في المرحلة الاولى تكون المعارضة
غير منظمة ويقودها علمانيون، ولكن هذا لا
يعني ان المراحل الثانية والثالثة او
الرابعة ستستمر على النمط نفسه».
ودعا إدارة اوباما الى حض الزعماء العرب
على اقناع مبارك ان «ليس من مصلحته القضاء
على كل ما ساهم في بنائه في مصر، وانه
يمكنه ان يساعد بلاده بالتنحي».
وتابع أن تنحي مبارك يجب ان يحصل في أسرع
وقت ممكن، «فالوقت الآن هو العدو الاول»
لعودة النظام والاستقرار.
ويختم هاس: «في أماكن أخرى أكثر قمعا مثل
سورية، من الصعب ان تنتشر انتفاضات شعبية،
لكنه من المثير ان نرى رئيس سورية، بشار
الاسد، يتحدث عن الحاجة الى الاصلاحات
السياسية... إذن هو يشعر بالقليل من
الحرارة والقلق بقدر ما أرغب في رؤية
التغيير في سورية، اعتقد ان الامر مازال
بعيد المنال». |