(اطمئن
ولا تقلق. ستنال الجواب على إضبارتك حين
يصل دورها).. جواب لطيف مع ابتسامة يمكن
لصاحب أي معمل دواء في سوريا أن يحصل
عليهما، عند التقدم بإضبارة تصنيع مستحضر
دوائي إلى الشؤون الصيدلانية في وزارة
الصحة ولا يخفى على أحد ما تعنيه كلمة دور
التي قد تمتد من الستة أشهر لتصل إلى
السنة والسنتين، وذلك طبعاً وفق الدور
النظامي ودون أي مزاحمة.
مصنعو الأدوية أتعبهم الوضع الحالي
واشتكوا عدة مرات للجهات المعنية وطالبوا
بإيجاد حل لهذه القضية لكنهم اليوم اضطروا
ربما للتعايش مع الوضع الحالي والتأقلم
معه خاصة وأنهم ينالون استثناءات عن الدور
عند تأسيس خط جديد أو معمل جديد يتيح لهم
فرصة دراسة ثلاثة أصناف عن كل خط دون
ضرورة التقيد بالدور، وهو استثناء يمنحهم
الترخيص خلال أشهر قليلة ولا يعني أبداً
خلال أيام محددة، وهو تأخير يكلفهم، كما
يؤكد صاحب أحد المعامل الجديدة، الكثير من
المصاريف التي تذهب هدراً نظراً لاضطرارهم
إلى صرف رواتب العمال ودفع بعض التكاليف
الثابتة من كهرباء وماء في وقت تقف فيه
الآلات بانتظار الجواب وبدء التصنيع.
المشكلة في الوزارة لم ينسبها أحد إلى
تقصير العاملين فيها ولم يشككوا بالجهود
المبذولة هناك والتي تعتبر جبارة مقارنة
مع العدد القليل من الصيادلة الموجودين في
اللجنة وهو عدد يعاني صعوبة في الزيادة
لعدم رغبة أحد من خريجي الصيدلة دخول هذه
المهنة نظراً لانخفاض الرواتب وضعف
الامتيازات والتي تجعل منها صفقة غير
رابحة في حال قارنها الخريج بمردود تأجير
شهادته، مثلاً، باعتبار أن ذلك سيضمن له
مردوداً جيداً دون أي عناء، والأمر يمسي
أكثر ربحية في العمل في القطاع الخاص أو
تأسيس صيدلية خاصة..
ويرى الدكتور رامي معضعض مدير عام الشركة
العربية للصناعات الدوائية أن موضوع
الراتب والحوافز هي الأساس لجذب الصيادلة
للعمل ورفد الكادر الحكومي بأعداد جديدة
منهم مستشهداً بما يتم حالياً من
الاستعانة بكوادر من الجمارك عند القيام
بالكشف على الصيدليات للتأكد من سلامة
أدويتها وضبط المهرب باعتبار أن عدد
الصيادلة الحاليين غير كاف لمرافقة جميع
الدوريات، وأشار إلى اقتراح سبق أن طرح
لكنه لم يأخذ طريقه إلى التنفيذ، ويتمثل
بدفع رسوم من قبل أصحاب المعامل مقابل كل
اضبارة على أن تذهب هذه الرسوم لصندوق
توزع مدخراته على العاملين في مجال
الدراسات كمكافآت، وهي رسوم لن تشكل مشكلة
أمام الصناعي لما سيحقق من أرباح في حال
حصل على التسجيل في وقت سريع.
الدكتور معضعض أكد أن منتجاته لا تعاني من
الصعوبات المذكورة مقارنة مع سواها من
الصناعات الداخلية باعتبار أن معمله موجود
في المنطقة الحرة لكنه رأى أن التأخير
الحالي يفقد البلد الكثير من الأرباح
المتمثلة في طرح المنتج الجديد خلال فترة
قصيرة وإيقاف استيراده وتشغيل يد عاملة
جديدة وسواها من العوائد.
الإسراع قبل الانضمام
الدكتور زهير فضلون الأمين العام للمجلس
العلمي للصناعات الدوائية رأى أن الخسارة
ستكون أكبر من ذلك في حال بقيت وتيرة
التسجيل مستمرة بهذا البطء، خاصة وأن
سوريا مقدمة على الدخول في منظمة التجارة
العالمية، وبالطبع فإن ذلك يعني تعذر
تصنيع أي دواء جديد محلياً والاضطرار
لشرائه من معمله الأم بكل ما يحمله ذلك من
ارتفاع في أسعار الأدوية وارتفاع في
التكلفة العلاجية بالنسبة إلى المواطن.
وتابع الدكتور فضلون شرح هذه القضية
قائلاً: إن قواعد منظمة التجارة العالمية
تنص على اعتبار كل ما أنتجته الدولة
المنضمة حق لها، وفي حال الصناعات
الدوائية تعتبر منتجاتها بمثابة منتجات
نسخ (copy) تمسي حقاً مكتسباً لها
بإمكانها تصنيعها وطرحها محلياً وحتى
تصديرها، ولكن ما لم يسجل قبل الانضمام أو
ما أنتج عالمياً بعد الانضمام، فلن يكون
متاحاً للتصنيع المحلي.
ورأى الدكتور فضلون أنه لابد من التسريع
في عملية تسجيل الأدوية من أجل تأمين
الدواء الجديد في البلد والمصنع محلياً،
مشيراً إلى نصيحة قدمتها البعثة اللبنانية
في جنيف إلى وزارة الخارجية اقترحت فيها
تسجيل الأدوية السورية والتسريع في ذلك
وهي نصيحة لم يؤخذ بها حتى اليوم، رغم
أنها وصلتنا منذ نحو الأربع سنوات، ورغم
أنها في حال نفذت كانت ستوفر علينا الكثير
من الصعوبات الحالية.
الدكتور فضلون اعتبر أن التأخير الحالي
يعود لأسباب عدة، أولها قلة الكادر وغياب
المحفزات لاستقطاب صيادلة جدد، وأضاف: إن
من بين أبرز المشاكل الحالية أيضاً عدم
وجود الكوادر القيادية المسؤولة عن
التسجيل بشكل دائم، وسفرها بشكل مستمر
بحجة الكشف على المعامل وهي حجة كما أوضح
الدكتور فضلون غير مبررة باعتبار أن الكشف
لا يتطلب بالضرورة زيارة المعمل والاطلاع
عليه ويمكن دراسته من خلال الـ (CV) الخاص
به ومن خلال معلوماته النظرية ومنتجاته
وأوراقه.
تأجيل مستمر
إذاً فإن الغياب الدائم لهذا الطاقم يؤدي
إلى تأجيل مستمر لاجتماعات اللجنة التي
تعقد أصلاً بعدد غير كاف، مقارنة بالكميات
الكبيرة من الأضابير الموجودة والمتراكمة
منذ عدة سنوات، فهي اجتماعات ارتفع عددها
من اجتماع واحد إلى اجتماعين أسبوعياً،
غالباً ما يتم تأجيلهما بسبب الظروف
السابقة الذكر، ويؤكد الدكتور فضلون ضرورة
الإسراع في عقد هذه اللجان وتسجيل الأدوية
بسرعة، موضحاً أن الأزمة الحالية سببها
مرحلة الركود التي مرت بها الوزارة لمدة
سنتين ونصف تقريباً، وخلال هذه الفترة
التي امتدت من أواخر 2007 حتى بداية عام
2009 لم يدرس أي صنف، وبات عدد الأضابير
المقدمة للوزارة كبيراً ويحتاج إلى دراسة
1813 إضبارة مما شكل لاحقاً عبئاً كبيراً
على الموظفين خاصة مع استمرار تقديم
أضابير جديدة بلغ عددها 383 إضبارة في عام
2009 و428 إضبارة في عام 2008 وفي عام
2010 وصل عددها حتى اليوم إلى 500 إضبارة.
وزارة الصحة لم تنكر البطء الحاصل وعزت
الموضوع إلى ضعف الكادر وغياب الحوافز
التشجيعية، وأشارت الدكتورة رزان سلوطة من
مديرية الدراسات في وزارة الصحة السورية
إلى أن عدد الصيادلة في تناقص بسبب تقاعد
بعضهم وانتقال بعضهم الآخر إلى أماكن عمل
أخرى وتحميل الكادر المتبقي لضغط كبير
ومسؤوليات عديدة تتجاوز دراسة الأضابير.
وأضافت الدكتورة سلوطة أن المشكلة تتمثل
بظهور عوائق بسيطة تأخذ طابع الروتين
وتشكل تعقيدات مثل طلبات الشراء وأماكن
التخزين وسواها.
ورأت الدكتورة سلوطة ضرورة زيادة الرواتب
والمكافآت، موضحة أن التعويض المحصل
حالياً تحت اسم تعويض الندرة والذي ارتفع
من 3 آلاف إلى 6 آلاف ليرة لا يكفي وحده،
ولا يشكل حافزاً لقدوم كوادر جديدة..
وهكذا يبقى الوضع على حاله من ناحية وجود
النقص، يضطرون معه لتكليف شخصين بدراسة
إضبارة واحدة وللاستعانة بصيادلة من مركز
البحوث ومن الجامعة.
الجدير ذكره أن الصناعة الدوائية في سوريا
تمكنت من سد نحو 90 بالمئة من القيمة
المالية للسوق المحلية والتي تبلغ اليوم
550 مليون دولار كما تمكنت من فتح 54
سوقاً خارجياً تشكل في عدد كبير منها
الدواء رقم واحد كاليمن والعراق وغيرها،
وبلغت قيمة صادراتها 210 ملايين دولار عام
2009 مما جعلها الثانية عربياً بعد الأردن
من حيث قيمة الصادرات. |