لعل أفظع
ما في الجريمة الجماعية التي ارتكبها
الجيش الاسرائيلي ضد مدنيين في المياه
الاقليمية الدولية والتي اسفرت عن مجزرة
قتل فيها 19 وجُرح العشرات من ناشطي
السلام المشاركين في قافلة "اسطول الحرية"
للمساعدات الانسانية وفك الحصار عن غزة،
انها نفذت عن سابق تصور وتصميم وبقرار من
الحكومة الاسرائيلية، وقد تم التحضير
لتنفيذها بتدريبات عسكرية في البحر الاحمر
الاسبوع الماضي، وبتعليمات بالقتل لا
بالاكتفاء بمنع القافلة من الوصول او
احتجاز المشاركين فيها والتحقيق معهم.
وهكذا، لم يكن رئيس وزراء تركيا رجب طيب
اردوغان مبالغا عندما وصف الجريمة بـ"ارهاب
الدولة".
وبدا واضحا ان اكثر الرسائل الاسرائيلية
قساوة من خلال الاعتداء على القافلة
الانسانية كان موجها الى تركيا باستهداف
باخرة القيادة التركية للقافلة "مافي
مرمرة"، مما ينذر بانعكاسات بدأت تلوح في
الافق على العلاقات التركية – الاسرائيلية
والمستمرة منذ اعتراف تركيا باسرائيل عام
1949. ويقال ان حجم التبادل التجاري
بينهما تجاوز في السنوات الاخيرة الملياري
دولار سنويا، عدا التعاون في مجالات اخرى
ولا سيما العسكرية منها، وقد شكل الاعتداء
الاسرائيلي على "اسطول الحرية" الحادث
الاخطر في تاريخ العلاقات التركية –
الاسرائيلية، ولا يبدو انه سيمرّ دون
تداعيات ولن يقتصر على بيان احتجاج او
"سحب السفراء".
وعلى خلفية هذا الواقع، بدأ الحديث جديا
في اوساط سياسية ورسمية لبنانية عن
تداعيات محتملة للاعتداء الاسرائيلي في
المنطقة وانعكاسات على التحركات الجارية
في شأن مساعي التسوية او "عملية السلام"
التي تضطلع تركيا بدور اساسي فيها، ولا
سيما دور الوسيط والراعي لمحادثات سورية –
اسرائيلية في مراحل سابقة غير بعيدة.
وكان من الطبيعي ان يرخي العدوان
الاسرائيلي الجديد بثقله على لقاء رئيس
الحكومة سعد الحريري في دمشق قبل يومين مع
الرئيس بشار الاسد. وقد بدا جليا في
البيان الرسمي المشترك الذي صدر على الاثر.
ومن المعروف ان اللقاء الذي جاء بعد يوم
واحد من عودة الحريري من واشنطن ونيويورك،
كان لاطلاع الاسد على اجواء لقاءاته مع
الرئيس باراك اوباما واركان الادارة
الاميركية، والتي تناولت شؤونا تتعلق
بالوضع في المنطقة، وتعني سوريا بالطبع
كما تعني لبنان.
واذا كانت اوساط الحريري تمتنع عن الدخول
في تفاصيل لقائه والاسد، وتكتفي بان "لا
شيء عندنا نضيفه على ما ورد في البيان
الرسمي" فان اللقاء الثالث بينهما شكل
خطوة الى الامام في مسار علاقتهما
المتنامية، وقد عكسها مجرد صدور بيان
مشترك عن اللقاء كان معبّرا في الشكل
والمضمون، وكذلك بدت واضحة في تصريحات
ايجابية لسياسيين لبنانيين يعكسون عادة
"الجو" السوري المرتاح على ما يبدو الى
المواقف التي عبر عنها الحريري في واشنطن،
وهذا ما من شأنه ان ينعكس ايجابا على
المشهد السياسي الداخلي اللبناني، وهدوءا
داخل الحكومة.
وكان لافتا ان اوساطا حكومية تركز في
احاديثها على الوضع في المنطقة وتدعو الى
الخروج من "الزواريب" السياسية الداخلية
والى التعامل بمسؤولية مع التطورات
الجارية والمحتملة، معتبرة ان "ما يجري
اكبر من الجميع"، ومتسائلة تكرارا عن
التداعيات المحتملة للهجوم الاسرائيلي على
القافلة الانسانية وعلى الباخرة التركية
تحديدا، وعن الخطوات التركية اللاحقة.
وعندما يقول رئيس الحكومة التركية رجب طيب
اردوغان ان اسرائيل "داست القانون الدولي"
وان هذا السلوك "يشكل تهديدا للسلام في
المنطقة" ينبغي التمعن جيدا في مواقفه،
وقراءاتها جيدا.
وسط هذه الاجواء ترى اوساط سياسية لبنانية
ان الاعتداء الاسرائيلي على القافلة
الانسانية والذي اسفر عن مجزرة حقيقية في
حق مدنيين ناشطين في العمل الانساني ومن
جنسيات مختلفة عربية واوروبية، ينبغي ان
يكون حافزا لتحرك ديبلوماسي واعلامي عربي
واسع النطاق لتسليط الضوء على "ارهاب
الدولة" الذي يمارسه الاسرائيليون تاريخيا
ومنذ ما قبل 1948، وتصحيح الصورة المشوهة
التي تمكن اللوبي الصهيوني في العالم من
رسمها و"زرعها" في اذهان الرأي العام
العالمي من خلال الاعلام على اختلاف
وسائله عن العرب والمسلمين، والعمل على
تقديم الصورة الحقيقية للارهاب، ودعوة
"العالم الحر" الى عدم المساواة بين
القاتل والضحية، وبين المعتدي والمعتدى
عليه، والتعبير بكل الوسائل عن ان من
يدافع عن نفسه باللحم الحي في مواجهة
الحديد والنار وأحدث الاسلحة الفتاكة التي
يستخدمها الجيش الاسرائيلي ضده، ليس
ارهابيا، بل قتل الاطفال والنساء والشيوخ
وحصار المدنيين هو الارهاب بعينه. فهل من
يُقدم ويلبي النداء؟ ام ان ما جرى ستنتهي
مفاعيله كالعادة بعد ايام؟
|