دعت
مؤسسة إدارة الموارد البشرية لحضور لقاء
مفتوح مع وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل
بعنوان (قانون العمل الجديد وانعكاساته
على قطاع الأعمال في سورية) مساء الثلاثاء
25/5/2010 في قاعة (زنوبيا) بفندق (ديديمان)
دمشق، وذلك لمناقشة القانون رقم17
لعام،2010 المعني بتنظيم العمل في القطاع
الخاص. حضره عدد من رجال الأعمال، وبعض
أرباب العمل، والعاملون في مؤسسة إدارة
الموارد البشرية، إضافة إلى حشد من
المثقفين والمهتمين وممثلي العديد من
المواقع الإلكترونية وثلة من الصحفيين.
لكنَّ الوزيرة تغيّبت عن الحضور لأسباب
غير مقنعة. وأنابت عنها مدير العمل في
الوزارة، وهو أحد أعضاء اللجنة التي صاغت
مشروع القانون.
ولقد افتتح اللقاء بالقول إن القانون رقم
17 للعام 2010 قد أسدل الستار نهائياً على
القانون 91 وتعديلاته لعام 1959 الذي مضى
عليه أكثر من خمسين عاماً، والمرسوم
التشريعي رقم 49 لعام 1962 وتعديلاته. وقد
جاء القانون الجديد نتيجة مبررات وتطورات
اقتصادية واجتماعية وقانونية.
وأضاف أن هذا القانون قد اتُّهم بأنه يعمل
على مبدأ شريعة الغاب وفق مقولة (العقد
شريعة المتعاقدين)، وهذا برأي مدير العمل
غير صحيح، لأنه بالعكس من ذلك قد راعى
المصلحة العليا للدولة والمجتمع، واحترم
إرادة المتعاقدين في كثير من الجوانب
لصالح العامل.
ثم حاول في عجالة سريعة أن يبيّن مزايا
القانون الجديد كما يلي
1. عزز مبدأ تكافؤ الفرص.
2. احتفظ بحقوق العمال.
3. تعامل بموضوعية بشأن تسريح العمال دون
الضرر بهم (المادة65).
4. منع التنازل عن الحقوق المكتسبة للعمال
(إجازات، إجازات مرضية، وفاة، زواج..إلخ،
الصحة والسلامة المهنية، تشغيل الأحداث).
5. استبعد دور لجان قضايا تسريح العمال،
كلجنة ذات طابع قضائي، ونقل اختصاصاتها
إلى القضاء (محكمة البداية المدنية).
6. لا يُعتد بالاستقالات المسبقة ولا
ببراءة الذمة المسبقة.
أفرد القانون فصلاً خاصاً بالعمال غير
السوريين، لكن تعتريه بعض الصعوبات، لذا
شُكِّلت لجنة لدراسة هذا الفصل ستأخذ
بالحسبان وضع أبناء السوريات.
لا حظنا من سياق الجلسة أن وزارة الشؤون
الاجتماعية والعمل متحيّزة جداً للقانون
من جهة، ومحابية لأرباب وأصحاب العمل
باعتبارهم الحلقة الأقوى في معادلة
القانون مهما كانت مواد هذا القانون توحي
مع رأي الوزارة أنها لمصلحة العامل
بالدرجة الأولى. إذ حاول ممثل الوزيرة أن
يدافع عن المادة 65 الخاصة بالتسريح
التعسفي ويزينها بأجمل الدرر معتبراً أنها
أفضل مما كانت عليه في القانون القديم
الذي كان يعطي العامل المسرّح تعسفياً 80%
من الحد الأدنى للأجور، بينما في القانون
الجديد يُعطي أجرة شهرين عن كل سنة دفعة
واحدة لا تتجاوز 150،000 ل.س معتبراً أن
هذا المبلغ يمكن أن يحمي العامل وأسرته من
العوز والجوع، بينما 80% من الحد الأدنى
للأجر لا تكاد تطعم العامل خبزاً.
وفي باب الإجازات حصلت المرأة العاملة في
القطاع الخاص وفق القانون الجديد على نفس
حقوق المرأة العاملة في القطاع العام لجهة
إجازات الأمومة والرضاعة، شريطة أن تكون
قد تجاوزت مدة خدمتها في الشركة الخاصة
أكثر من ستة أشهر.
ولكن على أرض الواقع هل ستحصل هذه العاملة
فعلاً على هذا الحق...؟ ومن هو الناظم
لتلك الحقوق؟ إذ إن العاملة تخشى التسريح
إن هي ألحّت على نيل حقوقها في ظل وجود
المادة 65. ويستطيع صاحب العمل أن يخترع
أية مخالفة تُلغي حقها وتسمح بتسريحها
التعسفي. هناك أمر آخر جاء في المادة 124
المتعلقة بإجازة الأمومة وغيرها، فالفقرة-
أ- من هذه المادة تنص على أنه يجوز للمرأة
العاملة في المنشأة التي تستخدم أكثر من
15 عاملاً طلب الحصول على إجازة بدون أجر
لمدة لا تتجاوز سنة واحدة وذلك لرعاية
طفلها، مع احتفاظها بحقها في الرجوع إلى
عملها بعد انتهاء هذه الإجازة. ولكنها
تفقد هذا الحق إذا عملت لدى صاحب عمل آخر
خلال هذه المدة، ولا تستحق الإجازة لأكثر
من ثلاث مرات طوال مدة خدمتها.
وتوجب الفقرة- ب- على العاملة في حال
الاستفادة من الإجازة الأولى أن تسدد
الاشتراكات الواجبة عليها إلى مؤسسة
التأمينات الاجتماعية. أما بالنسبة
للإجازات الأخرى، فإنه يتعيّن عليها
التسديد إلى المؤسسة المذكورة جميع
الاشتراكات التأمينية الواجبة عليها وعلى
صاحب العمل.
من الواضح أن هاتين الفقرتين تعجيزيتين
لمصلحة صاحب العمل في تخلي العاملة عن حق
هي بأمس الحاجة إليه، لاسيما في الجزء
الثاني من الفقرة ب، أي تسديد الاشتراكات
التأمينية عنها وعن صاحب العمل، وهذا ما
يرهق كاهل العاملة مادياً ويدفعها إلى
التخلي عن حق من حقوقها بطريقة غير مباشرة
لا تُخضع صاحب العمل للمساءلة أو للغرامة
القانونية.
لقد اتضح من لقاء ممثل الوزيرة في مؤسسة
الموارد البشرية من جهة، وفي اللقاء
المفتوح في غرفة تجارة دمشق في اليوم
التالي مع الوزيرة انحياز الوزارة
للقانون. فقد قالت الوزيرة الحاج عارف
(باعتبار أن الوزارة هي التي وضعت المشروع
بالاتفاق مع طرفي الحوار، فإننا نتحيّز
لهذا المشروع، وإلاّ لا نكون الجهة
المسؤولة عنه، ولسنا متحيّزين لدرجة
التعصّب التي تقول بأن هذا المشروع قد
أصبح نصّاً قدسياً وأن له صفة الديمومة.)
إن هذا القول يحمل أكثر من تفسير، لأن
أصحاب العمل غير راضين عن بعض نصوصه
ويعتبرونها تفريطاً بحقوقهم ومكاسبهم
المادية. وبالتالي فإن ما لمسته من فوقية
في تعامل أصحاب العمل أثناء الحوار مع
ممثل الوزيرة يوضح أن تحيّز الوزارة هو
إلى جانبهم وليس إلى جانب العمال. إذ إن
هذا المشروع في كثير من مواده يُحابيهم
ويحابي مصالحهم. إضافة إلى أنه لا يوجد
ناظم لتطبيقه ضمن أخلاقيات العمل المعمول
بها من قبل القطاع الخاص حتى الآن، فقد
نشرت صحيفة (تشرين) الأسبوع الماضي خبراً
مفاده أن ما بين 30- 50% من عمال القطاع
الخاص ما زالوا غير مسجلين في التأمينات
الاجتماعية. وعلى اعتبار أن القانون أصبح
ساري المفعول من لحظة صدوره، فإلى متى
سينتظر هؤلاء العمال..؟ وإلى متى ستنتظر
الوزارة مبادرات أصحاب العمل والرأسمال
للوفاء بالتزاماتهم تجاه العمال وتجاه
الدولة التي قدّمت لهم كل التسهيلات على
حساب الاقتصاد السوري- الاجتماعي!؟
إيمان أحمد ونوس |