حين
أعلنت وزارة الإدارة المحلية عن تخصيص
(10) مليارات ليرة لتأسيس صندوق تمويل
برامج وتطوير العشوائيات ومناطق المخالفات
وعن قروض أخرى من الخارج لهذه الغاية،
طمأنت المواطن بأن تطوير العشوائيات لا
يتم بالهدم الكلي، وأن أساليب المعالجة
يمكن أن تكون بتوسيع الطرق وبناء الحدائق
وغيرها من الإجراءات غير الهدم.
يشكل الهدم هاجساً يلاحق نسبة (32 %) من
السكان الذين يقطنون في مناطق عشوائيات
تقدر مساحتها بـ(20 %) من مراكز مدن
وبلدات المحافظات، وهم يسعون كل السعي
ليثبتوا للمحافظة قدم مخالفاتهم وعودتهم
لما قبل عام (2008) وبالتالي قابليتها
للتسوية وليس الهدم مع ما رافق هذا من
معاناة اصطدامهم بالتشريعات الجديدة،
فالمخالفات في ظل التشريعين (44) لعام
(1960) و(1) لعام (2003) لا تشملها الشروط
المنصوص عليها للتسوية في المرسوم
التشريعي رقم (59) لعام (2008) من حيث
وجود ضبط مخالفة أو تصريح عنها، وشروطها
لا تشمل القسم الأكبر من المخالفات
الواقعة في ظل القوانين القديمة، ما
استدعى صدور قرار عن الإدارة المحلية حلّ
شيئاً من هذه الإشكالية عبر المطالبة
بوثائق تثبت القدم وإمكانية التسوية.
(30) عاماً لتطوير العشوائيات:
تعد وزارة الإدارة المحلية والبيئة
استراتيجية شاملة لمعالجة ظاهرة السكن
العشوائي، وتؤسس صندوقاً لتمويل برامج
تطوير العشوائيات ومناطق المخالفات
والارتقاء بها يقدر بـ(10) مليارات ليرة
ثم تطوير استراتيجية خاصة بسوريا، كما
تعمل الوزارة على تضمين خطط معالجة السكن
العشوائية في الخطة الخمسية الحادية عشرة،
وستبدأ الخطوات التنفيذية لمشاريع تطوير
العشوائيات مع بدء تطبيق الخطة الخمسية
القادمة أيضاً.
واللافت أن دراسة مشاريع تطوير العشوائيات
وتنفيذها مع وكالة التنمية الفرنسية سيمتد
لفترة زمنية تقدر بـ(30) عاماً.
وفي هذا السياق أكد مدير النظم والمخططات
في وزارة الإدارة المحلية عرفان علي
لـ(أبيض وأسود) أن سوريا بالاستعانة
بالقرض المقدم من الاتحاد الأوروبي
والبالغ (50) مليون يورو والقرض الفرنسي
والبالغ (20) مليون يورو والذي سيتم
تسديده على مدى (25) عاماً لتطوير مناطق
العشوائيات تسعى لتحسين وتجذيب المخالفات
وليس إزالتها، وخلق بيئة معمارية سليمة
ووضع برامج تنمية اقتصادية واجتماعية
وبرامج توعية، وأنه لن تحدث أية إزالة دون
أن يكون هناك تعويضات، أما الهدم فسيطال
المناطق التي بها خطورة جيولوجية فقط،
مبيناً أن التعويضات ستقدم بعد إجراء مسح
اجتماعي على السكان، وأنه سيتم وضع مخطط
ينسجم مع الواقع قدر الإمكان بحيث يكون
لكل منطقة برنامج خاص بها، وسيتم بموجب
القرض الأوروبي والفرنسي مع ما رصدته
الحكومة السورية إعادة تأهيل (40) إلى (50
%) من المناطق العشوائية وفق الخطة
الاستراتيجية التي تعدها الوزارة، كما
سيجري التصديق على تسليم فرنسا مبلغ (20)
مليون يورو للحكومة السورية في اجتماع في
فرنسا قبل تشرين الأول المقبل وسيقدم مبلغ
(400) ألف يورو على شكل دعم فني وتقني من
فرنسا وجهات أخرى للجانب السوري.
وحول إمكانية التعاون مع جهات القطاع
الخاص المحلي في عملية التطوير أكد عرفان
أن لا مانع من هذا التعاون وفق قانون
التطوير والاستثمار العقاري، لكن هذا
التعاون غير موجود حالياً، ولم يبد القطاع
الخاص استعداداً له.
وكان وزير الإدارة المحلية قد ذكر أن
(المؤتمر الأول للاستثمار العقاري الذي
ستشهده سوريا في أيلول القادم يشكل فرصة
جيدة لتبادل الآراء والأفكار والخبرات مع
القطاع الخاص في مجال تطوير العشوائيات).
أما الآن فدور هذا القطاع حسب ما حدده
قانون الاستثمار والتطوير العقاري مجمد.
عامان على جمود القانون:
الخبير في التطوير العقاري الدكتور عدنان
يوسف تساءل عن كيفية تنفيذ التطوير
العقاري على مناطق المخالفات في الوقت
الذي يراوح فيه قانون الاستثمار والتطوير
العقاري رقم (15) في مكانه ولازال حبراً
على ورق رغم أهميته لعدة أسباب، منها أن
اللجنة المسؤولة عنه مكونة من (14) عضواً
من جهات حكومية متعددة، فالوزراء
والمختصون في اللجنة لن يجتمعوا غالباً
لتضارب أوقات عملهم، فكل منهم من دائرة
ووزارة وبالتالي فالروتين قتل القانون،
ولم ينفذ منه أي شيء رغم مرور سنتين على
صدوره، أما من ناحية الأفكار النظرية
والتعليمات التنفيذية فالقانون ممتاز -
حسب اليوسف - ويحل مشكلات العشوائيات
بسوريا، لافتاً إلى وجود فشل بالتخطيط
العمراني في دمشق، حيث أن التوسع الأفقي
فاشل بنظره، والمعنيون لا يفكرون بالتوسع
الشاقولي علماً أنه يحل مشكلة كبيرة، أما
الآن فالمناطق شاسعة لكنها مجموعة خرابات.
وأكد اليوسف أن القانون يستهدف رؤوس
الأموال الكبيرة فقط لتضخ استثماراتها في
المجال العقاري ويهمل رؤوس الأموال
الصغيرة، وخاصة أن هناك جهتين فقط ممثلتان
عن القطاع الخاص فيه و(14) جهة عن القطاع
الحكومي رغم أنه موجه بالأصل للقطاع
الخاص، وتساءل عن المعايير التي حكمت
انتقاء ممثلين معينين دون غيرهما عن
القطاع الخاص وهل هم يمثلون فعلاً بقية
المستمرين ورجال الأعمال في البلد؟
وبخصوص السكن البديل لفت اليوسف إلى وجود
عدة اعتبارات لإعطاء السكن البديل أو
تعويض السكان القاطنين في مناطق يتم
اعتماده كمناطق تطوير عقاري، فالمعنيون
يقومون بمسح اجتماعي يأخذون فيه بالحسبان
مساحة الشقة التي ستهدم وموقعها وهل هي
مستأجرة أم مستملكة بموجب طابو أم بموجب
أسهم، مشيراً إلى أن القانون صنف المقاسم
الناتجة عن مناطق التطوير العقاري لعدة
فئات:
الأولى: مقاسم مخصصة للمشيدات العامة تشمل
مراكز الجهات الإدارية والمعابد والوحدات
الشرطية والمنشآت التعليمية والملاعب.
الثانية: المقاسم الخدمية: محلات تجارية
ومنشآت تعليمية ومراكز طبية خاصة
الثالثة: المقاسم السكنية: وتكون بنفس
المنطقة التي يجري فيها التطوير العقاري،
حيث تخصص (40 %) من المساحة الطابقية
الناتجة عن الاستملاك كمقاسم سكنية كل
بحسب مساحة عقاره التي تم استملاكها من
إجمالي المساحة، وباقي المساحة تبقى
للمطور العقاري وهي حصة هامشية جداً.
الأبراج بديلاً عن السكن الشاقولي:
في حديثه عن القرض الذي قدمه الاتحاد
الأوروبي وفرنسا لسوريا لتطوير مناطق
العشوائيات والمخالفات، أكد اليوسف أن
التطوير قد يفشل إن أمسكته الحكومة لأنه
سيصطدم بالروتين وسيدخل أنفاق البطء، وأن
الحكومة ليست بحاجة لقرض من الخارج لتجري
عملية التطوير، ويمكنها خلال (15) يوماً
حل مشكلة العشوائيات بكل سوريا إن عملت
بشكل جدي دون أن تصطدم بالروتين، عبر
استملاك العشوائيات وتخصيص جزء منها لبناء
أبراج يستوعب كل منها (12) طابقاً فقط،
وتستوعب كافة سكان المنطقة وبمساحة أقل،
ويمكنها تحويل باقي المساحة لمقاسم أو
حدائق عامة أو أراض ذات نفع عام، ولكن
البلد يعوزها - كما أكد - وجود تخطيط سليم
ومتابعة مستمرة وخاصة أننا نلاحظ استحداث
مخالفات في مناطق التنظيم أيضاً، منوهاً
إلى وجود مشكلة أراض بسوريا لا مشكلة
بناء، فثلاثة أرباع الأراضي استملكتها
الدولة والأخرى خاضعة لقوانين تمنع بيعها
وشراءها والتصرف بها مرة ثانية، وهذه
الأمور كلها سيصطدم بها المطور العقاري،
كما سيصطدم مع وضع قانون التطوير العقاري
قيد التنفيذ بمعوقات أخرى منها على سبيل
المثال موضوع السكان المستأجرين،
والمالكين الذين لا تعرف موجبات استملاكهم،
وهل هم مستحقون للتعويض أم لا؟ وخاصة أنه
يوجد عقارات بـ(2400) سهم ويوجد وكالات بـ(4900)
سهم وأكبر من حجم العقار بمرتين أو (3)
مرات، والسؤال هنا كما طرحه اليوسف: هل
يعتبر أصحاب الوكالات مالكين؟ وكيف يتم
تطوير استملاكاتهم؟
وأكد اليوسف أن دمشق لن تخلو من
العشوائيات إلا في حال تساوى سعر العقار
النظامي مع العشوائي، إذ سينكب الناس على
الأسعار الرخيصة، وفي حال تم تأمين السكن
البديل إضافة لضرورة تشديد المحافظة
والبلديات لإزالة العشوائيات والمخالفات
الجديدة التي تصعد تباعاً وعلى عينك يا
تاجر دون أن يردعها أحد، ويقترح العودة
لتجربة كانت سائدة أيام السبعينيات وهي
مجدية بنظره وتتمثل بإعطاء الناس الأراضي
أو بيعها لهم حتى يبنوا عليها، ولكن ضمن
قانون معين ينظم البناء، فهناك مساحات
واسعة في البلد غير مستثمرة، ولو بيعت
للأشخاص مع تخديمها بالكهرباء والماء
والصرف الصحي، لحلت إشكالية كبيرة، فمثلاً
سعر متر الأرض في عدرا لا يتجاوز القروش
على الدولة، وبإمكانها أن تبيعه للمواطن
بألف ليرة، لكن لابد من حلحلة رخص البناء
المتوقفة منذ (5) سنوات في الريف.
كما حذر من إعطاء الناس سكناً لا يليق
بآدميتهم، بحيث يكون السكن العشوائي أفضل
لهم، كما حذر من استملاك بيت المنذرين
بالهدم الذين لا يحق لهم التعويض حسب
القانون وقبض ثمن البيت البديل منهم
بملايين الليرات، إذ لا يجوز مثلاً أن
تستملك المحافظة بيت بالمزة ثمنه (25)
مليوناً وتنقل سكانه لبيت لا تتجاوز
تكاليفه على المحافظة (700) ألف، بينما
تبيعه لمنذر الهدم بمليون و(200) ألف وهذا
ما يحصل غالباً وهو غير منطقي، منوهاً إلى
وجود بيوت مستملكة من المحافظة منذ (6) أو
(7) أشهر، بينما لم يستلم الذين هدمت
بيوتهم البديل بعد وهم سائحون بالشوارع.
(30) منطقة مخالفات:
تقسم مناطق مدينة دمشق حسب ما أوضح لنا
معاون مدير التخطيط والتنظيم العمراني
لـ(3) أنواع:
الأولى: مناطق قائمة بمركز المدينة أو
بجواره مثل الصالحية وشارعي الفردوس
والحمرا والمرجة والحلبوني مع بستان
البختيار وزقاق الجن حتى الفحامة، وأيضاً
الزاهرة وبرزة وهذه المناطق بحاجة لتطوير
وإعادة تأهيل.
والنوع الثاني يشمل مناطق المخالفات
والسكن العشوائي ويبلغ عددها (30) منطقة
موزعة بين المدينة والريف وتشكل سواراً
حول مدينة دمشق مثل مزة 86 ومزة اللوان
والدحاديل ونهر عيشة والقدم والتضامن ودف
الشوك والقزاز وحي الزهور والدويلعة
والطبالة الغربية وجوبر وجزء من سفح جبل
قاسيون، إضافة إلى مخالفات تقع خلف مشفى
الرازي.
النوع الثالث يضم مناطق توسع المدينة
والمقصود بها المناطق السكنية التي أزيلت
عنها صفة المناطق الصناعية مثل توسع غرب
شارع (30) وتوسع القدم وهناك توسع في برزة
ومعربا وجوبر.
ولدى الاستفسار منه عن اليوم الذي يمكن
لنا فيه أن نعلن دمشق منطقة خالية من
العشوائيات قال: (لازلنا إلى الآن بمرحلة
التخطيط والدراسة، فتصحيح الخطأ أصعب
بكثير من إزالته، وخاصة أن المخالفات بدأت
منذ عقود، لكننا نضع الآليات لنمشي
بسرعة).
أما عن كيفية التعامل مع القاطنين في
منطقة المخالفات في حال جرى تطويرها أو
هدمها فبين أن هذه القرارات يتم اتخاذها
على مستوى حكومي عال، والمحافظة ليس لها
سوى تقديم الرؤى والاقتراحات في هذا
المجال ودفع الجهات المعنية للتعامل مع
السكان وفق القانونين رقم (26) أو (15)
اللذان يسمحان بأحقية للشاغل والمالك في
الأرض، والابتعاد عن القانون رقم (9)
والذي لا يعطيهما هذا الحق.
رد وتبرير:
لدى سؤالنا معاون مدير التخطيط والتنظيم
في محافظة دمشق عن سبب التمسك بالتخطيط
الأفقي وإهمال الشاقولي قال: التخطيط
الشاقولي ليس أفضل من الأفقي بل له
سلبياته الكثيرة مع بعض الإيجابيات،
فالكثافة السكانية لن تتغير بالتخطيط
الشاقولي وحجم السكان في المناطق المنظمة
هو (250) نسمة بالهكتار، وبمناطق
المخالفات (450) نسمة بالهكتار، كما أن
البنى التحتية لا تتحمل وجود أبراج ضخمة
فوقها، ورغم أن التخطيط الشاقولي قد يخلق
مساحات كبيرة سكنية وخضراء لكن عامة الناس
لن يكونوا قادرين على دفع الخدمات التي
يتطلبها السكن الشاقولي، وكلما ارتفع
البناء صارت الكلف أعلى.
والسؤال هل نحتاج فعلاً (30) عاماً لتأهيل
وتطوير (40) أو (50 %) من عشوائيات سوريا،
وهل من الصعب كثير على الجهات المعنية
التنبؤ بتاريخ إعلان دمشق مدينة خالية من
(30) منطقة عشوائية؟ وهل فعلاً جرى تأمين
(5000) شقة سكنية في قدسيا كسكن بديل كما
نقلت وسائل الإعلام مؤخراً، في الوقت الذي
لم يتم فيه تأمين سوى عشر الطلب على
المتقدمين للسكن الشبابي؟ وهل سوريا بحاجة
لقرض خارجي فعلاً لتطوير مناطق
العشوائيات؟ وأين دور القطاع الخاص هنا
والمصارف السورية الحكومية والخاصة
المتخمة بالودائع؟. |