اعتبرت مصادر رفيعة المستوى في
واشنطن ان «نظام الرئيس السوري بشار الأسد
لن ينجو من الثورة الثائرة ضد حكمه منذ
منتصف مارس الماضي»، وان «النظام صار
بمثابة الميت سريريا وينتظر فقط انهياره
التام». وتابعت ان «محورين، الاول بقيادة
الدوحة والثاني بقيادة انقرة، يتنافسان
على المشاركة في تحديد ملامح سورية ما بعد
الاسد».
وقالت المصادر ان واشنطن على اتصال دائم
بعواصم العالم للتنسيق في الشأن السوري،
و«لكنها لا تلعب اي ادوار قيادية، بل
تنخرط في المجهود الدولي الذي يعمل على
مساندة الشعب السوري السلمي في وجه النظام
وعنفه».
ورأت ان معظم عواصم العالم، خصوصا عواصم
المنطقة، «صارت متأكدة من حتمية انهيار
الاسد»، وان «الحديث الآن هو حول المرحلة
المقبلة لحكم الرئيس السوري».
وقال لـ «الراي» مسؤول اميركي رفيع
المستوى رفض الكشف عن اسمه: «من خلال
اجتماعاتنا المتواصلة مع مسؤولين في
حكومات المنطقة، يبدو لنا ان محورين
يستعدان، بل يتنافسان على سيناريو ما بعد
الاسد».
المحور الاول، حسب المسؤول، «تقوده قطر،
وهي كانت سباقة في استشراف الأوضاع
وتقديمها للرئيس السوري عرضا يقوم بموجبه
باصلاح عميق وحقيقي، اي بكلام آخر يقود
المرحلة الانتقالية في سورية الى
الديموقراطية».
واضاف المسؤول ان «واشنطن دعمت هذا
السيناريو، الذي اجهضه الاسد مبكرا، وقال
للقطريين ان الامور في بلاده تحت السيطرة،
وانه سيحسم الوضع في وقت قريب، محذرا من
المراهنة ضده وضد نظامه».
وتابع: «هذه الكلمات جاءت مع حلول شهر
مايو، ونحن اليوم بعد اكثر من خمسة اشهر،
ولا يبدو ان لدى النظام السوري اي افكار
للخروج من مأزقه... حتى استخدامه العنف
يأتي بعصبية وعشوائية لا تنهي الاحتجاجات
بل تورط المسؤولين السوريين في اتهامات
مستقبلية محتملة لارتكابهم جرائم ضد
الانسانية».
بيد ان «اخراج الاسد القطريين من مساعي
التسوية، زاد من عزلته، وهنا حاولت انقرة
السعي الى التوصل الى حلول باستضافتها
معارضين سوريين ومحاولتها التوصل الى
تسوية بين النظام ومجلس معارض من نوع او
من آخر».
ودعمت واشنطن كذلك المبادرات التركية، الا
ان الاسد رفضها وكاد يطرد وزير الخارجية
التركي احمد داود اوغلو من الاجتماع
الاخير بينهما، واصر الاسد، حسب المصادر
الاميركية، ان «الاحتجاجات الشعبية انتهت»،
وان «الوضع عاد للاستتباب».
انتهت المبادرة التركية مع حلول منتصف
الشهر الماضي مع خروج الرئيس باراك اوباما
علنا بمطالبته الاسد بالتنحي، واصبحت
الاحتمالات الدولية امام سورية مفتوحة على
مصراعيها، وهو ما دفع روسيا الى محاولة
استباق مشروع قرار في مجلس الأمن كانت
تعمل على تسويقه اربع دول اوروبية
والولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه ارسلت
موسكو مبعوثا تحذر فيه الاسد من نفاد
الوقت وصبر المجتمع الدولي وعدم مقدرة
روسيا على وقف الغضب الدولي ضده فترة أطول.
وسألت «الراي» مسؤولين اميركيين عن سر
الموقف الروسي المؤيد للأسد، وان كان
يتعلق بشحنات سلاح تساعد الاسد على قمع
التظاهرات، فاجابت المصادر ان «الاسد لا
يحتاج ذخيرة من النوع الذي يستخدمه لقمع
المتظاهرين فمخزونه منها كبير جدا».
واضافت: «لدى الروس عقود مع سورية حول
اسلحة استراتيجية في المدى المتوسط
والبعيد، وربما يخشى الروس خسارة هذه
العقود، وربما يعتقد الكرملين ان عليه
الحفاظ على حليف قد يطلب منه خدمات يوما
ما في المستقبل».
في هذه الاثناء، تتسابق الدوحة وانقرة
لتقديم حلول للخروج من الأزمة السورية.
وقالت المصادر الاميركية: «قطر تجزم بقرب
نهاية النظام السوري، وهي تحاول اقناع
المجموعة العربية، وربما طهران، بضرورة
التخلي عن الاسد والتواصل مع حكام سورية
المقبلين من بين أقطاب المعارضة». وسألت «الراي»
اذا كانت قطر نجحت في اقناع ايران بضرورة
التواصل مع المعارضة في ضوء تقارير حول
اجتماعات عقدها مسؤولون ايرانيون مع
معارضين للأسد، وبعد مواقف ايران مساندة
لمشروعية المطالب الشعبية والتظاهرات ضد
للأسد، فقالت المصادر انها تعتقد انه «ربما
طهران ايضا صارت ترى حتمية انهيار الاسد،
لذا، تحاول تنويع رهاناتها في سورية».
وهذا ينعكس ايضا على «حزب الله» اللبناني،
الذي صار يدرك، حسب المصادر الاميركية، ان
«احتمال انهيار الاسد صار كبيرا، وان في
حال انهياره، لا يريد ان يخسر الحزب كل
رهاناته ولا ان يستعدي الحكومة السورية
المقبلة حتى قبل ان تتسلم الحكم».
المحور الثاني، تقوده أنقرة وهي «تعمل على
بناء حركة سورية معارضة ذات مصداقية
بمقدورها ادارة سورية بعد الاسد». ويعتقد
الاميركيون ان «نفوذ تركيا لدى المعارضة
السورية خفيف نسبيا ويتركز حول علاقتها
بالاخوان المسلمين».
ويتوقع المسؤول الاميركي رؤية «تقارب من
نوع أو من آخر بين الاسد والاخوان بتشجيع
ورعاية تركية... الا ان نتائج هكذا تقارب
لن يفيد الاسد بشيء ولن ينهي الثورة
الشعبية المطالبة بانهاء حكمه».
في هذه الاثناء، تشارك العواصم الاوروبية
واشنطن اعتقادها ان نظام الاسد «مات
سريريا». كذلك، تتشارك هذه العواصم «الخوف»
من المرحلة المقبلة، وهو ما يدفعها جميعها
الى «حض المعارضين السوريين على تنظيم
صفوفهم في مجلس انتقالي، على غرار الليبي،
ينجح في ادارة سورية في مرحلة ما بعد
الاسد».
وسبق ان سربت مصادر في الادارة الاميركية،
ابان اندلاع الثورة السورية في مارس، فحوى
حديث دار بين رئيس حكومة بريطانيا ديفيد
كاميرون والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي
واوباما مفاده ان كاميرون وصف نظام الاسد
بأنه «اكبر من ان يفشل» نظرا للمخاطر
المتأتية على ذلك، يتصدرها وقوع ترسانة
صواريخه واسلحة كيميائية في ايدي «تنظيمات
ارهابية». الا ان هذا الاعتقاد «صار من
الماضي»، وفق المصادر الاميركية التي تقول:
«اليوم صار لدى أجهزة الاستخبارات الغربية
فكرة عامة حول كيفية التحسب لهذا الاحتمال
والتعامل معه يوم ينهار النظام السوري». |