أكد المعارض السوري ياسين الحاج
صالح انه فوجئ بايراد اسمه بين اعضاء
المجلس الانتقالي الذي تم الاعلان عنه من
انقرة قبل ايام من دون اخذ رأيه في الامر،
واصفاً ما جرى في هذا الإطار بانه «غير
مقبول»، لافتاً الى انه لا يعرف «من هو أو
هم وراء هذه الحركة، ولا دوافعهم للتصرف
على هذا النحو»، ومشيراً الى انه «اذا
سلمنا بحسن النيات فإنه يحدو من هم وراءه
الرغبة في تشكيل مرجعية أو إطار سياسي
للانتفاضة، وهو ربما محاولة لفرض أمر واقع
على الأشخاص الذين أدرجت أسماؤهم في
القائمة، لكن هذا لا يستقيم، وما هو «مكركب»
بهذا القدر لا يمكن أن يمشي».
واعتبر ان تنحي الرئيس السوري بشار الاسد
«امر غير وارد» موضحاً «ان هذا عسير على
الاسد سيكولوجياً وسياسياً هو المرتبط
بأسرة موسعة وبطبقة من المستفيدين الذين
اعتادوا على سلطة مطلقة وحصانة مطلقة
ومواقع امتيازية تدرّ ثروات بالملايين
والمليارات»، معلناً «هذا تكوين متطرف جداً،
بل انتحاري، وهو ما يفسّر مضي النظام في
الحرب ضد المجتمع السوري المحتجّ»، هذه
المواقف أطلقها ياسين الحاج صالح في حديث
الى «الراي» في ما يأتي نصه:
- فوجئت بالمجلس وبورود اسمي بين أعضائه
من دون أخذ رأيي في الأمر. ويبدو أن آخرين
غيري أدرجت أسماؤهم من دون علمهم، وهذا
غير مقبول. نعترض على النظام لأنه ينطق
باسمنا من دون أن يستشيرنا يوماً في شأننا
العام، فكيف يفعل بعضنا الشيء نفسه؟ ولا
أعرف من هو أو هم وراء هذه الحركة، ولا ما
هي دوافعهم للتصرف على هذا النحو. وإذا
سلمنا بحسن النيات فإنه يحدو من هم وراءه
الرغبة في تشكيل مرجعية أو إطار سياسي
للانتفاضة. وهو ربما محاولة لفرض أمر واقع
على الأشخاص الذين أدرجت أسماؤهم في
القائمة. لكن هذا لا يستقيم، فهناك منطق
في الأمور، وما هو «مكركب» بهذا القدر لا
يمكن أن يمشي.
والسؤال البديهي الذي يفرض نفسه هنا: ما
وضع الجهة التي وضعت قائمة الأسماء؟ هل هي
متفانية لا تريد إلا خير الانتفاضة، أم
أنها صاحبة غرض؟ وما هو؟ الناس ذوو أغراض.
وأفضل بألف مرة عرض أغراضنا والتسوية
بينها، على الزعم الغيري ظاهريا بأن لا
أغراض لنا. من يزعمون ذلك، يتطلعون على
الأرجح إلى أن تكون أغراضهم فوق أغراض
غيرهم، وأن تحظى بالشرعية والرعاية قبل
أغراض الجميع.
• كيف تقرأ الموقف التركي الاخير الذي
اعلن عنه رئيس تركيا عبدالله غول؟
- قد يسأل البعض هل يحتمل أن تصريح غول
يمثل قطيعة مع المواقف التركية المتموجة
مع النظام؟ هذا محتمل، وإن كنت لا أعلم
بأي دلائل عليه. أخمّن أن وراء هدوء جبهة
المواقف والمبادرات خلال الأسبوعين
الأخيرين شيئاً ما يجري وراء الكواليس.
ننتظر ونرى، نحن الواقعين أمام الكواليس.
• ماذا عن حركة الانشقاقات في الجيش بعد
صدور أول بيان من «الضباط الاحرار» وهل
تمهد هذه الخطوة لحركة انشقاقات أوسع؟
- أظن ان الانشقاقات تتكاثر وحركتها تتسع،
لكنها لا تزال بعيدة عن التسبب بكسر صلب
الجيش. ويبدو أن بعض العمليات العسكرية
للجيش السوري موجهة ضد هذه الانشقاقات،
وكثير من قتلى الجيش هم رافضو أوامر
بإطلاق النار على المحتجين السلميين، أو «منشقين»،
أو قتلوا في سياق مواجهات موضعية داخل
الجيش. وأخشى أن يعمل عسكريون منشقون على
عسكرة الانتفاضة، الأمر الذي ينال من
الطابع الاجتماعي والسلمي والوطني العام
لها.
• الرئيس الأسد يعلن للمرة الرابعة عبر
المقابلة التي أجراها معه التلفزيون
السوري عن تعرض سورية لمؤامرة خارجية.
لماذا في رأيك يحيل الأسد ما يجري في سوري
الى وجود مخطط غربي؟
- من أجل تحويل ما هو مشكلة بين النظام
وقطاعات متسعة من المجتمع إلى مشكلة وطنية
عامة، ومن ثم تخوين الانتفاضة وتبرير
سحقها بالقوة. فإذا كانت الانتفاضة نتاج
مؤامرة أجنبية، يغدو الرد عليها بالعنف
واجباً وطنياً. الغرض أيضا استنفار النازع
الوطني الاستقلالي عند السوريين،
والاستفادة مما يكنّه عمومهم من شك عميق
بمقاصد القوى الغربية. وعموماً يصدر هذا
الحكم عن منطق سياسة الإجماع الوطني في
مواجهة عدو خارجي، بغرض تثبيت الأوضاع
السياسة القائمة. الانتفاضة تنتمي إلى
منطق الصراع الاجتماعي والسياسي الذي يؤسس
لوطنية جديدة متمركزة حول المواطن وحرياته
وحقوقه، وليس حول الإجماع الوطني والوحدة
الوطنية كما يريد النظام لإسكات
الاعتراضات الداخلية.
• لماذا تجنب الرئيس الأسد في المقابلة
التي اجريت معه الحديث عن الحركة
الاحتجاجية في سورية؟
- ليست موجودة في أفقه الفكري. إذا جرى
الإقرار بأن هناك حركة احتجاجية عامة، لزم
الإقرار أيضا بأن هناك اختلالات سياسية
واقتصادية واجتماعية تسببت بها، أي
الاعتراف بشرعيتها، ووجوب معالجة الظلامات
الكامنة خلفها بوسائل سياسية واقتصادية
واجتماعية، وليس باعتقال المحكومين
وتعذيبهم وقتلهم، ولا باحتلال المدن وقصف
الأحياء السكنية بالدبابات والمدافع. لا
يستطيع السيد بشار الأسد، وهو ليس رئيساً
منتخباً، أن يقرّ بشرعية الانتفاضة من دون
أن يقوّض شرعية نظامه.
• الرئيس الأسد أكد في المقابلة أن الوضع
الاقتصادي في سورية يستعيد عافيته. ما
رأيك في ذلك؟ وهل صحيح أن جزءاً من
الأموال يتم سحبها من البنوك السورية؟
- يبدو هذا الكلام أقرب إلى تطمين ذاتي
منه إلى حقيقة واقعة. هناك تراجع كبير في
المبادلات الاقتصادية مع العالم، يرجح أن
يتفاقم مع ظهور مفاعيل المقاطعة الأوروبية
للصادرات النفطية السورية. ويشكو عموم
أصحاب الأعمال في البلد من تراجع مواردهم
إلى حدود عدم قدرتهم على دفع أجور
العاملين لديهم. أما أصحاب المنشآت
السياحية فيجمعون على أن هذا أسوأ موسم
لمشاريعهم منذ اعوام طويلة. ويميل عموم
السكان إلى ضبط إنفاقهم بشدة، خشية من
أيام مقبلة أسوأ.
أما بخصوص سحب أموال من البنوك السورية،
فقد قيل شيء كهذا في وقت مبكر من
الانتفاضة. وجرى الكلام على سحب عشرين
مليار دولار من المصرف المركزي وتهريبها
من البلد لمصلحة الأسرة الحاكمة. لكن يبدو
لي ان الرقم مبالغ فيه، وقد يكون من نوع
الاشاعات التي تنتشر في أوقات الأزمة. في
كل حال من يدري؟ تجري في الواقع أحيانا
أشياء أغرب من الخيال.
• للمرة الأولى طالبت الولايات المتحدة
وأوروبا الرئيس الأسد بالتنحي. هل هو في
رأيك قادر على القيام بهذه الخطوة؟
- ليست هناك مؤشرات من أي نوع على ذلك.
ويبدو لي أن هذا عسير عليه سيكولوجياً
وسياسياً. فقد ورث سلطة وملكا، إن لم
ينمّهما ويوسعهما، فعلى الأقلّ أن يحافظ
عليهما، وهذا يجعل التنحي أمراً غير وارد.
والرجل مرتبط بأسرة موسعة وبطبقة من
المستفيدين الذين اعتادوا على سلطة مطلقة
وحصانة مطلقة ومواقع امتيازية تدرّ ثروات
بالملايين والمليارات، لا تقبل التفاوض
والمساومات والتسويات والحلول الوسط، أي
لا تقبل السياسة. هذا تكوين متطرف جداً،
بل انتحاري، وهو ما يفسّر مضي النظام في
الحرب ضد المجتمع السوري المحتجّ. قضية
النظام هي السلطة وثمراتها الذهبية، وهو
يبدو مستعداً لفعل كل شيء من أجلها. لذلك
التنحي ليس كلمة موجودة في قاموس النظام
والرئيس، فإما يبقون وإما تدمير البلد.
بعد احتلالها في مطلع رمضان، كتب الموالون
للنظام على الجدران في مدينة حماه: الأسد
أو لا أحد! هذا هو المنطق العميق للنظام.
• المعارضة السورية في الداخل والخارج
امام تحديات مختلفة بينها قيادة المرحلة
الانتقالية نحو الديموقراطية والتعددية.
هل المعارضة قادرة في هذه المرحلة وسط
الحديث عن تضارب الرؤى السياسية بين قواها
على قيادة أي فراغ سياسي محتمل؟
- سيكون الأمر صعباً جداً. المعارضة
التقليدية منقسمة ومتنافسة ومستوى الثقة
متدن بين مكوناتها. لكن كل شيء مرهون
بكيفية الوصول إلى المرحلة الانتقالية: هل
بجهود الانتفاضة وحدها أم بتدخل دولي؟ أم
بانفجار داخل النظام؟ الأسوأ طبعاً إذا
جرى تدخل دولي. لأن المعارضة ستتعرض عندئذ
لمزيد من التمزق فوق تمزقها الحالي،
وستكون الكلمة العليا للقوى المتدخلة
وللسائرين في ركابها، ويرجح غالبا أن يكون
هؤلاء من معارضي ربع الساعة الأخيرة،
المقيمون في الخارج والمتكاثرون بوتيرة
لافتة، وهم يتميزون بعلو النبرة
والعدوانية ضد المعارضة التقليدية،
ومحاولة امتطاء ظهر الانتفاضة من دون أن
يكون لهم أدنى ارتباط فعلي بها.
والاحتمال الأفضل هو تحقق التغيير بالقوى
الذاتية للانتفاضة. وهذا يُدخِل إلى
المشهد وبقوة المعارضة الجديدة المتمثلة
بالانتفاضة ذاتها، أو بالكادر الشبابي
النشط المتكون في سياقها. وفي رأيي ان
تَعاون المعارضة التقليدية والجديدة يمكن
أن يقلل من مخاطر المرحلة الانتقالية. وقد
يكون من شأن انشقاق مهم داخل النظام أن
يحول دون فراغ سلطة، وأن يستجيب في الوقت
نفسها للتغيير السياسي المطلوب. ولا أرى
أن أحدا يفكر في تحطيم أجهزة الدولة
السورية، وإن وجب حتما تفكيك أجهزة الأمن
الإرهابية، والقطع العسكرية المختصة
بوظائف أمنية موجهة نحو حماية النظام
ومتأصلة في العداء للمجتمع. الكتلة
المكونة من نشطاء الانتفاضة ومن معارضين
تقليديين، ومن «الدولة»، وكوادر من الطبقة
الوسطى، يمكن أن تغطي المرحلة الانتقالية
التالية للتغيير.
• يلاحظ بعض المتابعين للحركة الاحتجاجية
في سورية غياب الحضور المسيحي. ما رأيك في
ذلك؟ وهل صحيح أن المسيحيين يتخوفون من
سقوط النظام بسبب المشروع الاسلامي من جهة
وبسبب تخوفهم من خسارة مواقع اقتصادية
معينة؟
- المسيحيون ليسوا غائبين تماما عن
الانتفاضة اذ يشارك رجال ونساء مسيحيون في
أنشطة الانتفاضة الإعلامية والثقافية،
وحتى الميدانية. ويبقى صحيحاً للأسف مع
ذلك أن الميل المسيحي العام يراوح بين
التحفظ عن الانتفاضة وبين العداء. الأصل
الظاهر لذلك هو الخوف من حلول الإسلاميين
محل النظام، لكن وراء ذلك أشياء أهمّ.
فتاريخ العقود الماضية كان تاريخ تراجع
للمشاركة المسيحية في الحياة العامة في
سورية بعدما كانت هذه المشاركة مهمة منذ
نشوء الكيان السوري الحديث في نهاية الحرب
العالمية الأولى وحتى سبعينات القرن
العشرين. في أساس هذا التراجع شيئان:
أولهما تراجع نسبة المسيحيين بين السكان
إلى ما دون 10 في المئة أو حتى قريب من 5
في المئة كما تقول بعض المصادر، وذلك بفعل
تقلص عدد أفراد الأسرة المسيحية في وقت
أبكر من نظيرتها المسلمة (لكونها تمثل
بيسر أكبر نموذج الأسرة الخاص بالطبقة
الوسطى في الغرب والمعمم عالمياً)، وكذلك
بفعل ارتفاع نسبة الهجرة المسيحية قياساً
إلى هجرة المسلمين. وهذا التراجع يثير «قلقا
وجوديا» عميقا، خوفا من الموت والانقراض.
العامل الثاني هو صعود الإسلامية السياسية
والاجتماعية منذ ثلاثة عقود أو أربعة،
وتاليا احتداد الوعي الذاتي المسيحي
بالاختلاف، وتمركز هذا الوعي حول الانتماء
الديني. وهذا بدوره يدفع إلى تصدُّر رجال
الدين موقع القيادة في الجماعة المسيحية،
وتدني فرص ظهور قيادات سياسية وثقافية
مدنية. علماً انه منذ أكثر من جيل لم ينتج
المسيحيون السوريون قيادات فكرية وسياسية
مستقلة.
• ما الذي يمكن أن يحسم المعركة لمصلحة
الحركة الاحتجاجية في سورية على مستوى
الحركة الميدانية؟ ولماذا يبدو عمق
العاصمة دمشق بعيداً عن الحراك الجاري؟
- «دمشق القديمة»، عدا المكوّن التجاري،
ليست بعيدة عن الانتفاضة. حي الميدان هو
بؤرة احتجاج نشطة ومستمرة، وكذلك ركن
الدين. البعيد عنها هو «دمشق الجديدة»،
أحياء أبو رمانة والمالكي والروضة التي
تسكنها النخبة السياسية والثرية من مسؤولي
النظام وأبنائهم وشركائهم القدامى والجدد.
وتقديري أن المكون التجاري، المستقل نسبياً
عن النظام وعقوده وصفقاته والأكثر ارتباطاً
بالإنتاج، سيغيّر موقعه بقدر ما تتجه
الأمور إلى الانفلات من يد النظام. والطرف
الذي سيبقى مرتبطاً بالنظام حتى النهاية
هم من كوّنوا ثرواتهم في ظله، ولا يدوم
عزهم إلا ما دام عزه وذلّ عموم السوريين.
أما ما يمكن أن يحسم الأمر لمصلحة
الانتفاضة، فهو استمرارها وتوسعها جغرافياً
واجتماعياً. ومشاركة أوسع من حلب يمكنها
أن تكون حاسمة. هذا هو الشيء الأساسي. وهو
يكاد يكون مضموناً بفضل تطرف النظام
ونجاحه المستمر في ارتكاب أسوأ الأخطاء
وأكثرها دلالة على الوحشية والغرور
والأنانية المطلقة. ورغم التكلفة
الإنسانية العالية، فإن الوقت في صالح
الانتفاضة. |