أخبار الوطناتصل بنا الرئيسية

20/01/2011

 

بشار "وسيط" في أزمة لبنانية طويلة ؟

سركيس نعوم 

 

يعرف الأميركيون المتابعون للأوضاع في لبنان بكل تطوراتها ان "حزب الله" وحلفاءه في الداخل والخارج كانوا سيصلون الى مرحلة "الحسم" أو على الأقل الى بدايته، وخصوصاً بعدما تأكدوا ومن مصادر مختلفة موثوقة ان القرار الاتهامي الدولي صار في مراحله النهائية، وبعدما رأوا بأم العين الحركة العربية – الاقليمية – الدولية لرئيس الحكومة سعد الحريري التي أسفرت عن تأييد عارم له ولمواقفه الصلبة الداعمة للمحكمة الدولية وكذلك عن تأييد كبير لهذه المحكمة. ولذلك فإنهم لم يفاجأوا بخطوة "اسقاط" الحكومة التي أقدم عليها وزراء المعارضة العشرة وأحد وزراء رئيس الجمهورية في الثاني عشر من الشهر الجاري. لكنهم الى الآن لا يزالون محتارين حيال المرحلة المقبلة القريبة منها والمتوسطة.
فهم وعلى الصعيد العملاني لا يعرفون اذا كان الحسم سيبقى سياسياً، ولا يعرفون اذا كان تعذر انجازه سيدفع "الحزب" الى تحويله حسماً بالقوة مع كل الأخطار التي يرتبها ذلك. لكنهم وبعد بدء "الحسم" انطلقوا في تحليلات عدة لما يجري في لبنان محاولين بذلك استشراف معالم المرحلة المقبلة. وقد توصل عدد كبير من هؤلاء المتابعين الى اقتناع بأن الهدف من اسقاط الحكومة كان رغبة "حزب الله" وحلفائه المتنوعين في معرفة رد فعل الحريري على مضمون القرار الاتهامي عندما يصدر رسمياً، وتالياً عندما يُعلن وتحديداً اسماء المتهمين الذين سيتضمنهم التقرير وخصوصاً اذا كانوا من اعضاء "الحزب" بل من كوادره القيادية المتوسطة او حتى العليا. وهذا يعني في اختصار ان امام الحريري و"الحزب" اما انتظار صدور القرار رسمياً، وذلك قد يتم خلال اسبوع او اثنين او خلال عشرة اسابيع، او ربما بعد اشهر اذا اعاد قاضي الاجراءات التمهيدية القرار الى المدعي العام لعدم اقتناعه به أو لعيب فيه، واما اتخاذ المواقف السلبية من المحكمة والقرار بالحسم منذ الآن.
وطبيعي ان يفضل رئيس الحكومة الانتظار اذ ربما تطرأ تطورات محلية أو خارجية تحسن موقفه وتقوي موقعه وتساعده على الاستمرار في المواجهة بدلاً من الاستسلام. وطبيعي ايضاً ان يفضل "الحزب" السرعة لأن احداً لا يعرف ما يخبئه القدر من تطورات سلبية وخصوصاً في الشارع نظراً الى الاحتقان السائد على الصعيد المذهبي كما على الصعيد السياسي. وايضاً جراء احتمال دخول "اطراف" معلومين وغير معلومين على الخط لا مصلحة لهم في التهدئة. وليس ضرورياً ان يكون هؤلاء عملاء للصهيونية والامبريالية وان كانوا يخدمون مصالحها على نحو غير مباشر.
هذا عن الحريري فماذا عن سوريا بشار الاسد والأزمة الحكومية اللبنانية الناشبة، بل الأزمة اللبنانية التي عادت الى الاشتعال، ولكن بوقود جديد هو المذهبية بعدما كانت الطائفية الدينية وقود الاشتعالات الاولى التي ادت الى حرب دامية نيفاً و15
سنة.
يقول الاميركيون المتابعون انفسهم انهم يعرفون ان الرئيس الراحل حافظ الاسد ونجله الرئيس الحالي بشار "كرها" الرئيس الشهيد رفيق الحريري وان الثاني "يكره" نجله الرئيس سعد الحريري. ويعتقدون ان ما يجري الآن هو فرصة سوريا بشار كي يتخلص من الابن وان تلقّت بسبب ذلك "طرقات" أو "ضربات" اعتراضية او احتجاجية هي خفيفة جداً على ظهرها سواء من الادارة الاميركية او من عرب الاعتدال. ويعتقدون ايضاً انه ليس في امكان الحريري الابن رفض مضمون القرار الاتهامي الدولي، وانه سيكون مدعوماً في الوقت نفسه من اميركا وغالبية العرب. وهذا يعني في اختصار ان الازمة الحكومية ستستمر وان لبنان سيبقى من دون قيادة اي من دون حكومة تمثل السلطة التنفيذية وذلك الى أجل لا يعرف أحد متى ينتهي. ويعتقدون ثالثاً ان الرئيس السوري الشاب يستطيع الآن وبعد عودة سفير اميركا الى دمشق، وفي ظل تحول الاخيرة مركزاً لكل الاجتماعات الرفيعة المستوى الهادفة الى البحث في الموضوع اللبناني حالّة بذلك مكان القاهرة والرياض وعواصم اقليمية ودولية اخرى، يعتقدون انه يستطيع الانطلاق من ذلك لممارسة دور الوسيط بين اللبنانيين وبين بعضهم والخارج، أولاً لمنع التدهور المرتقب من التحول جحيماً وثانياً ليكون عراب التسوية النهائية فيه والمستفيد الاول منها. طبعاً يستطيع الرئيس الاسد خلال هذه الفترة البحث في اسماء اخرى غير الحريري الابن لتأليف حكومة جديدة قد تكون شمالية في معظمها من بينها الرئيس عمر كرامي. وقد تُسهّل دمشق مهمة هؤلاء لأن المطلوب منهم قد يكون اسهل قليلاً من المطلوب من الحريري وهو رفض التعاون مع المحكمة الدولية ريثما يدرس القضاء اللبناني قرارها الاتهامي بدقة ويقرر الاجراءات اللازمة. هذا أمر قد يستغرق أشهراً. وبذلك تختفي هذه القضية عن واجهة الحوداث الاقليمية والعالمية، الأمر الذي يسهل التوصل الى تسوية في شأنها لاحقاً. علماً ان المتابعين الاميركيين انفسهم لا يعرفون اذا كان التكليف سيثمر تأليفاً. وجل ما يعرفونه ان الازمة قد تكون طويلة. وان بلادهم ستقدم أثناءها كل الدعم للرئيس الحريري وفريقه وانها لن تساوم ولن تسعى الى صفقة على حسابه مع اعدائه في الداخل
والخارج.
ما رأي المتابعين اللبنانيين في ذلك كله؟
يرون أولاً ان الرغبة في ابعاد المحكمة عن صدارة الاهتمام الدولي ربما تخفي رغبة ما في مساومة او صفقة. ويرون ثانياً ان اميركا لا تمانع في سوريا "وسيطاً" متفاهماً معها. ويرون ثالثاً ان الدعم الاميركي للبنان المؤيد لحكومته قبل استقالتها وبعدها حقيقي، وان اهتمام اوباما وادارته بهما جدي. لكنهم يتساءلون اذا كان لبنان لا يزال اولوية اساسية عند اميركا اوباما. ومصدر تساؤلهم معلومات دقيقة حصلوا عليها من شخصيات زارت اميركا اخيراً وكانت لها لقاءات فيها تشير كلها الى ان العراق المهم جداً لأميركا ولاعتبارات سابقة وحالية ولاحقة صار يحمل الرقم خمسة في سلم الأولويات الاميركية، والى ان مرتبة لبنان في هذا السلم تدنت كثيراً رغم الدعم الاميركي السياسي. ودعم اميركا لبنان والحريري مفهوم ومبرر لأن اميــركا لا تريـــــد خســـــارة نصف الاول وتجييـــره كله لسوريا وايران قبل التوصل معهما الى تسويـــــة جراء حوار أو حرب. كما ان مقاومـــــة هذا الدعــــم في سوريـــا وايــــران مفهومــــة ومبررة لانهما يريدانه كلياً لهما اثنــــــاء مواجهــــــة اميــركا ســــواء بالحوار أو بالحرب.

المصدر:النهار اللبنانية - أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري