لسنا ممّن هلّلوا يوماً للحكومة
المستقيلة، أو المقالة بحكم أمر واقع
فرضته "المعارضة" بدعم سوري مكشوف، بل
بتوجيهات مباشرة من دمشق، لان شعار "الوحدة
الوطنية" لم يخدعنا كما خدع سوانا، ولذا
لم نترحم على الحكومة التي منعت أصلاً عن
تحقيق الحد الأدنى من التزاماتها ووعودها.
ورغم ذلك ننظر بعين الخطورة الكبيرة إلى
الخديعة الثانية الجارية منذ إسقاط
الحكومة، والتي تعتبر في المستوى نفسه
للتحضيرات المكشوفة لفتنة أو تفجير، عبر
إعادة إخضاع لبنان للنفوذ السوري وإعادة
الوصاية المقنعة، ولو من دون احتلال عسكري
هذه المرة.
لا نرى في كل هذه المسرحية الخطيرة
الجارية منذ الاستقالة المفاجئة لوزراء 8
آذار وما تلاها، سوى فتح الأبواب على
مصاريعها أمام عودة النفوذ السوري إلى
لبنان، و"طرد" كل الدول الأخرى، ومنعها عن
المساهمة الحقيقية في مساعدته على تجاوز
أزمته. وإذا كان من حقيقة يجب أن تقال،
فإننا نعتقد بصراحة أن قوى 14 آذار ساهمت
في المرحلة السابقة لاستقالة الحكومة في
طمس جوانب كثيرة من هذا الواقع الخطير
الذي انتهى إليه لبنان. فالمسايرة
والمساومة والسكوت بدوافع مختلفة، كانت هي
الأخرى عوامل مشجعة لقوى 8 آذار، حملتها
على قلب الطاولة عشية صدور القرار
الاتهامي للمحكمة الدولية، وجعلت سوريا
تضرب ضربتها وتوعز لحلفائها بمباشرة
الانقلاب الدستوري تمهيداً لانقلاب أوسع
وأخطر يعيد نفوذها كاملاً الى لبنان.
ألم تحصل استقالة "وزراء المعارضة"، ومعهم
"الوزير الوديعة"، بعد زيارات ليلية سرية
لموفدين من هذه "المعارضة" إلى دمشق؟ ألم
تمنع "المعارضة" بدفع مباشر من سوريا
إجراء الاستشارات السياسية؟ ألم تضغط دمشق
مباشرة وبالواسطة على رئيس الجمهورية
لتأجيل الاستشارات النيابية تمهيداً
لمرحلة فراغ طويلة لا يكون فيها تكليف ولا
تأليف، بل تصريف أعمال بالحد الأدنى
الإداري؟ ألم تفتح أبواب الشام مجدداً
لاستقبالات على المكشوف لزعماء وسياسيين،
وحتى لقائد الجيش؟ ألم تعقد قمة في دمشق
غُيّب عنها رئيس لبنان، ثم جاء الموفدان
القطري والتركي للتبليغ؟ ألم تمنع سوريا
فرنسا عن التدخل، وقامت قيامة حلفائها في
لبنان على زيارة السفيرة الأميركية لزحلة،
واستدعى وزير خارجية 8 آذار السفيرة، فيما
التدخلات العلنية السافرة الأخرى لا تحرك
ساكناً لديه ولدى هذه القوى؟
ماذا يعني كل ذلك، فيما يبدأ التهويل
بالشارع و"الانتشار النظامي" عند الفجر
كإنذار لكل لبنان بأن ساعة الانقلاب
المسلح قد اقتربت؟
انه يعني، في نظرنا أن حلفاء سوريا ينفذون
انقلاباً على كل المرحلة التي بدأت مع
انتفاضة 14 آذار 2005 لإعادة عقارب الساعة
ستة أعوام إلى الوراء، وإعادة القديم إلى
قدمه. وسواء كان هناك قرار اتهامي أم لا،
فإن سوريا والقوى الحليفة لها كانت ستقدم
على هذا الانقلاب في أي لحظة تراها ملائمة
لها، لان دمشق لم تغير لحظة نظرتها إلى
لبنان وموقفها منه وتشبثها باعتباره "الورقة"
الاثمن لها ولمصالحها، لا تقبل فيها شراكة
مع احد، وربما حتى مع حليفتها إيران.
أما الأسوأ من ذلك فهو ان نرى لبنانيين،
بعد كل ما جرى وبعد كل ما أهرق من دماء
شهداء الاستقلال والسيادة والحرية،
مستعدين لهذا القدر من التبعية لإسقاط
لبنان مجدداً في تجربة مدمّرة جديدة.
فعسانا ألاّ نترحم على لبنان وشهدائنا في
زمن اقتراب تحقيق العدالة!. |