قد تكون مقولة (دينهم دنانيرهم) هي
المقولة الأشهر في عالم التجارة والأعمال،
وهي المقولة التي يبني البعض أعماله على
أساسها، وتتجه العقود والسندات التي
يوقعونها كل يوم وفي كل لحظة لتحقيقها،
فهناك أكثر من 400 ألف شركة مرخصة في
سوريا، أي أن هناك أكثر من 100 ألف تاجر
ورجل أعمال، و بعضهم للأسف يمثل الشريحة
الأكثر تماوجاً في عالم الاحتيال التجاري
والأعمال.
فبعض رجال الأعمال فنانون في عالم
الاحتيال وفق تعبير المحامي أنس منصور،
الذي أكد أن وسائل الاحتيال واسعة ومتنوعة،
ما يجعلها تسير كالنار في الأوساط
التجارية لا يوقفها شيء بل يساعدها البطء
في عمليات التقاضي، فهذا العالم يحتاج إلى
الإسراع في عمليات التقاضي حتى يتم حفظ حق
المستثمر أو رجل الأعمال والتاجر الذي
يزمع العمل في سوريا، هي إحدى المشاكل
التي يرونها كمحامين كل يوم، فأي فترة
تقاضي لا تقل عن الست سنوات بين خصمين،
لكن بالنهاية من يضمن الحقوق.... فلا
العقود ولا السندات؟!!
وأردف المحامي منصور إن أغلب الدعاوى
الموجودة في المحاكم السورية هي دعاوى
مالية أو تجارية، فجميع الدعاوى العقارية
مالية، وهناك الدعاوى المدنية أيضاً كلها
مالية، فالنسبة الكبرى من الدعاوى المنظور
بها في المحاكم دعاوى مالية وتجارية،
والأغلب الأعظم منها قائم على الغش
والتدليس والاحتيال.
فيما يرى المحامي رفعت الزين أن الدعاوى
التجارية الاحتيالية لا تمثل إلا 0.1 % من
مجموع الدعاوي، مشيراً إلى أن الإفلاس
الاحتيالي للشركات أشهرها وهي التي تزعم
من خلالها الشركات أنها أفلست، لكنه اعتبر
أن هذا الموضوع أكاديمي وليس على أرض
الواقع ولا يوجد لدينا شركات أفلست، رغم
أن قانون العقوبات في مواده 675 وما تلاها
نص صراحة على عقوبات لهذا النوع من
الاحتيال، فاعتبر القانون في مادته 675
التاجر مفلساً محتالاً و(يعاقب بالأشغال
الشاقة المؤقتة حتى سبع سنوات كل تاجر
مفلس أخفى دفاتره واختلس أو بدد قسماً من
ماله أو اعترف مواضعة بديون غير متوجبة
عليه سواء في دفاتر أو صكوك رسمية أو
عادية أو بموازنته)، كما يعتبر في المادة
676 مفلساً مقصراً ويعاقب بالحبس من شهر
إلى سنة كل تاجر متوقف عن الدفع:
أ ـ إذا كان قد استهلك مبالغ باهظة سواء
في عمليات الحظ أو مضاربات وهمية على
النقد أو البضاعة.
ب ـ إذا أقدم بعد التوقف عن الدفع وفي
سبيل تأخير الإفلاس على شراء بضائع
ليبيعها بأقل من ثمنها، أو عقد للغاية
نفسها قروضاً أو حول سندات أو توسل بطرق
أخرى مبيدة للحصول على المال.
ج ـ إذا أقدم بعد التوقف عن الدفع على
إيفاء دائن أضراراً بكتلة الدائنين.
د ـ إذا وجدت نفقاته الشخصية أو نفقات
بيته زائدة عن الحد.
كما يمكن أن يعتبر مفلساً مقصراً ويعاقب
بالحبس المفروض أعلاه ضمن المادة 677 كل
تاجر مفلس:
أ ـ إذا عقد لمصلحة الغير دون عوض تعهدات
جسيمة بالنسبة لوضعيته عندما تعهد بها.
ب ـ إذا لم يتقيد بالقواعد المتعلقة
بتنظيم سجل التجارة.
ج ـ إذا لم يقدم في خلال عشرين يوماً من
توقفه عن الدفع التصريح اللازم بمقتضى
قانون التجارة إلى قلم المحكمة أو إذا كان
هذا التصريح لا يتضمن أسماء جميع الشركاء
المتضامنين
د ـ إذا لم يمسك دفاتر تجارية أو لم ينظم
الجردة بالضبط أو إذا كانت دفاتره أو
جردته ناقصة أو غير أصولية أو لا تبين
حقيقة ما له وما عليه ولم يكن مع ذلك ثمة
غش.
هـ ـ إذا تكرر إفلاسه ولم يتم شروط عقد
الصلح السابق.
وعند إفلاس الشركة التجارية ضمن المادة
678 يعاقب العقاب المنصوص عليه في المادة
675 عدا الشركاء في شركات الكولكتيف
والشركاء العاملين في شركات المضاربة.
أ ـ الشركاء المضاربون الذين اعتادوا
التدخل في أعمال الشركة.
ب ـ مديرو شركة المضاربة بالأسهم وشركات
المسؤولية المحددة.
ج ـ المديرون وأعضاء مجلس الإدارة
والوكلاء المفوضون وأعضاء مجالس المراقبة
ومفوضو المحاسبة وموظفو الشركات المذكورة
وشركاء المساهمة.
إذا أقدموا بنفسهم على ارتكاب عمل من
أعمال الإفلاس الاحتيالي أو سهلوا أو
أتاحوا ارتكابه عن قصد منهم أو إذا نشروا
بيانات أو موازنات غير حقيقية أو وزعوا
أنصبة وهمية.
فيما المادة 679 نصت على (إذا أفلست شركة
تجارية يعاقب بعقوبة الإفلاس التقصيري كل
من أقدم من الأشخاص المذكورين أعلاه في
إدارة الشركة أو العمل لمصلحتها على
ارتكاب جرم من الجرائم المنصوص عليها في
المادة الـ 676 (فقراتها الأولى والثانية
والثالثة)، ويمكن أن ينال هذا الشخص
العقاب نفسه إذا أقدم في إدارة الشركة أو
العمل لمصلحتها على ارتكاب جرم من الجرائم
المذكورة في المادة الـ 677 (فقراتها
الأولى حتى الرابعة). المادة 680 تستهدف
الشركة التجارية في الحالات المعينة في
المادتين 678 و679 ما نصت عليه المادتان
الـ 209 و210 من العقوبات والتدابير
الاحترازية خلا الغرامة.
كما يستحق عقوبة الإفلاس الاحتيالي ضمن
المادة 681 من أقدم لمصلحة المفلس على
اختلاس أو إخفاء، أو كتم أمواله كلها أو
بعضها الثابتة منها والمنقولة، ومن تقدم
احتيالاً باسمه أو باسم مستعار لتثبيت
ديون وهمية في طابق الإفلاس، ومن ارتكب
وهو يتعاطى التجارة باسم وهمي جريمة
الإفلاس الاحتيالي.
هذا بقطع النظر عن المسؤولية المترتبة من
أعمال التحريض أو التدخل الفرعي.
فيما نص قانون التجارة 33 لعام 2007 في
المادة584 تنظر المحكمة الجزائية في جرائم
الإفلاس التقصيري أو الاحتيالي بناء على
طلب وكلاء التفليسة أو أي شخص من الدائنين
أو النيابة العامة وتطبق في هذا الشأن
أحكام قانون العقوبات.
ويرى المحامي الزين أن الإفلاس الاحتيالي
من أهم أنواع الاحتيال المعروفة، لكن ليس
هناك قضايا مطروحة في القضاء حالياً، فمن
أربع أو خمس سنوات ظهر عدد من الأشخاص
وعليهم الإثراء السريع، متوقعاً أنه وبعد
فترة ستطفو على السطح القضايا الاحتيالية..
ويتسأل المحامي منصور: هل من المعقول ألا
تفلس أية شركة في سوريا؟! خاصة أن السبب
في إشهار الإفلاس مزيداً من الشفافية لهذا
التاجر، ومن الطبيعي أن يكون هناك تاجر
خاسر، لكن ألا يتم إشهار أي شركة إفلاس
فهنا المشكلة، حتى لا يتم ملاحقتهم باسم
المحتال، مشيراً إلى أن إحدى الشركات
العقارية قامت ببناء أربعة أو خمسة أبنية
للمستكتبين لديها، لكن وفي التدقيق على
الحسابات نجد أن هناك أكثر من 5000 مكتتب
وهذا كله دون رقابة، وتم إغراق المكتتبين
بهذه الطامة، والآن هذه الشركة تتهم
الجهات المعنية أنها لا توفر لها البنية
التحتية اللازمة، علماً أن الدولة تحاول
وبكل السبل وتسعى أن ترضي المواطن السوري.
فيما المحامي عماد الدين غصن لا يتوقف عند
الإفلاس الاحتيالي بل يرى أن للاحتيال
بشكل عام طرقاً كثيرة، معتبراً أن الموضوع
شائك ويحتاج إلى الكثير من البحث، فهناك
السندات القانونية التي لا تأخذ صبغة
الاحتيال، وسندات البيع وسندات الأمر،
والسندات التي يتهرب منها حاملها ولا يتم
اتخاذ الإجراءات اللازمة نظراً لضيق
القضاء، وأنواعها كثيرة كتأجير السندات
والشيكات وهذه ضمن الاحتيال، ويقوم بها
أفراد عاديون ولا يكونون تجاراً معترفاً
بهم ويتعاطون التجارة بعيداً عن غرف
التجارة، إضافة إلى التهرب الضريبي
المعروف والذي تحاول الدوائر المالية ضبطه.
ويعتبر المحامي أنس منصور أن الاحتيال
التجاري هو الدخول في مشاريع وضمن الأمور
النظامية، وفي لحظة من اللحظات قرر
الانسحاب، لسبب ما، أي وضع ألف طريقة
لعرقلة المشاريع، فالاحتيال القديم
المعروف هو عدم الالتزام بسند الأمانة،
مستغرباً أن يتحول الشيك من أداء وفاء إلى
أداء ضمان، وهو ما أكده المحامي غصن
معتبراً أنها مشكلة، والسبب في ذلك محاولة
في الإثراء السريع على حساب الغير، والسبب
الثاني أخلاقي نتيجة دخول عدد من الأشخاص
غير التجار وأصبح هناك عدم الثقة بهؤلاء
التجار بشكل عام..
الاستغلال دون قيود
المحور الأساسي الذي اتفق عليه المحامون
الثلاثة أن القانون السوري يحتاج إلى
إعادة القراءة مرة أخرى، فما وضعه المشرع
في الخمسينات من القرن الماضي لا يتفق
تماماًمع العقد الثاني من القرن الحالي،
فالمحامي أنس منصور يرى أن كلا القانونين
(العقوبات –المدني)، يحتاج إلى إعادة
قراءة، فكل فترة نرى تعديل 6 أو 7 مواد،
لكن هذه القوانين تحتاج إلى إعادة قراءة
كاملة، فحينما تم وضعها كان التعامل
التجاري والصناعي لا يشابه هذه المرحلة،
لكن الآن هناك الاحتيال الالكتروني،
والجريمة الالكترونية، ومازلنا لا نعرف
كيفية التعامل معها، إضافة إلى ذلك نحتاج
إلى قضاء متخصص وهذا ما يثري معلومات
القضاة ويجعلهم يفصلون الدعاوى بسرعة..
فيما يرى المحامي عماد غصن أن المحتالين
يقوموا بإتباع عدد من الطرق وقضاياهم تذهب
إلى المحاكم المدنية والقليل منها
الجزائية، وهذه الأنواع تدمر التجارة
وتشوه صورتها، وهو ما يخلق عدم الثقة
بالتجار والقانون، فنجد أن السندات على
سبيل المثال فيها 80 % احتيال والموضوع
مدني، ومن يكتب على نفسه ولا يوجد أي عقار
للحجز عليه ماذا يفعل صاحب الخصم؟!، أي
هناك حاجة فعلية للنظر في القانون مرة
أخرى.
ويلفت المحامي أنس منصور إلى أن بعض رجال
الأعمال فنانون في عمليات الاحتيال،
ويتقنون عمليات الاحتيال مهما كان مركزهم
المالي، ففي الآونة الأخيرة كثرت عمليات
الاحتيال التجارية خاصة في الفورة
الاقتصادية التي تعيشها سوريا، والسبب في
ذلك عدم وجود الرادع الجزائي أو العقوبة
من جراء ذلك، فنجد أن الأغلبية توقع على
سند أمانة ويتم الاحتيال عليه، وتحول إلى
دعاوى مدنية، وفقاً للمحامي منصور الذي
أضاف أن سند الأمانة لا يضمن الحق رغم أن
الأغلبية تتعامل به، ويعد فترة نجد الشخص
الذي تعامل بالسند يطلب رفع دعوى إساءة
أمانة وبعد تبليغه عن طريق المحكمة تحول
إلى دعوى مدنية وفي الدعوى المدنية لا
يوجد حبس، ومن في نيته الاحتيال والنصب،
فلا تجد باسمه أملاك يتم الحجز عليها، فلا
يتم الحجز على أمواله و أملاكه لعدم
وجودها، مشيراً إلى أن التساهل في إعطاء
الشيك أدى لمزيد من عمليات الاحتيال، فنجد
أن صاحب الشيك يوقع ويكتب ونجد أن هناك من
يتعامل بها، وبالنهاية ما العقوبة ؟ ثلاث
أشهر حبس لا غير!!!!..
وباستقراء المستقبل رأى المحامي منصور أن
المشكلة الكبرى إن أصبح هناك احتيال على
البنوك والذي حتى الآن لم نره في سوريا،
مشيراً إلى الاحتيال حتى الآن في دائرة
الأفراد رغم ارتقائه في بعض الحالات إلى
دائرة الشركات القائمة بذاتها على
الاحتيال..
حل......
المشكلة التي يبحث الجميع عن حلول لها، قد
تكون، وفقاً للمحامي رفعت الزين، هي إعادة
تأهيل التجار والعاملين في الحقل التجاري،
فالتاجر وحسب الزين يحتاج إلى رادع ديني
وأدبي، مضيفاً أن هناك نوعين من التجار،
الأول يقوم باستغلال ظرف معين وظروف
اقتصادية مما يؤدي إلى الجشع وحب الثراء
السريع، والثاني من الطبقة العادية ظروف
الحياة جعلت عليه متطلبات كثيرة، مما
أوجبت عليهم الحالة أن يحاولوا الاستمرار
بهذه الأوضاع مما فرض عليهم السير بالربح
السريع..
فيما رأى المحامي أنس منصور أن التحكيم
الذي أتى بالقانون رقم 4 لعام 2008 حل جيد
في الفترة الحالية، وخالفه المحامي عماد
الدين غصن بأن التحكيم وخاصة في غرف
التجارة لا يحمل الثقة للأشخاص المحكمين
إضافة إلا أنه مكلف مادياً، و إلا ما هو
مبرر تدني أو ضعف طلبات قضايا التحكيم
المعروضة على هذه الغرف مقابل الدعاوى
القضائية، طالباً أن تفُعل غرف التجارة
نفسها من خلال حجب الثقة عن التاجر
المحتال أو رجل الأعمال المزيف....
نقلا عن صحيفة الخبر |