يعد قطاع النقل السوري مرتعاً خصباً
لمرور البضائع والأفراد نظراً للموقع
الجغرافي الذي تتمتع به سوريا والذي يربط
بين القارات الثلاث، متيحاً عائدات
اقتصادية وفيرة للبلد إذا ما تم استغلالها
بالشكل الأمثل، ويجرى ربط البحار الأربعة
وتعزيز العلاقة مع المرافئ العالمية
ووصلها عبر الطرق البحرية، لكن مساهمة هذا
القطاع في الناتج المحلي الإجمالي مازال
متواضعاً، ولا تزيد نسبته عن (6.5 %) وهذا
يعود إلى قدم معظم القطارات، أما السفن
البحرية فمازالت تبحث منذ عشرات السنين عن
أحواض محلية لصيانتها، ولا تجد بداً من
اللجوء لأحواض الدول المجاورة منفذاً صعباً
يكلف الملايين لكنه خيار اضطراري ونظراً
للصعوبات التي يعاني منها النقل البحري
والسككي ارتأت أبيض وأسود تسليط الضوء على
هذا النوع من النقل على أن تفرد في المرات
القادمة مكاناً للحديث عن النقل البري
والجوي.
وبالمقابل يجري الحديث عن استثمارات جديدة
في مجال النقل تطرحها وزارة النقل، حيث
تبين لها أن كلفة الاستثمارات اللازمة
لتجهيز البنية التحتية خلال الخطة الخمسية
العاشرة بلغت (4) مليارات دولار أمريكي،
نصفها بتمويل حكومي والباقي برأس مال خاص،
بينما يجب البحث عن الباقي عبر جذب رؤوس
الأموال الخاصة، مع العلم أن استثمارات
القطاع الخاص في مجال النقل وصلت لما
يقارب (547) مليون دولار.
متحف سككي بامتياز:
أكد لنا مصدّر مطلع عن المؤسسة العامة
للخط الحديدي الحجازي أن قطارات المؤسسة
لا تصلح سوى للعرض في متحف نظراً لندرتها،
مشيراً إلى أن نشاط المؤسسة يقتصر على نقل
البضائع والسياح الذي يستمتعون بركب
القطارات القديمة بين الربوة والفيجة
والزبداني، لكن القطارات بشكلها الحالي لا
تنافس أحداً فهي ذكرى جميلة وأمجاد فقط،
مُبيّناً أنه يجري الحديث عن مشروع اسمه
نقل الضواحي وتبنته المؤسسة وتبحث الآن عن
مصادر للتمويل، وهو يؤمن النقل بين دمشق
والضواحي بحيث ينطلق من محطة الحجاز أربعة
خطوط لمحطة الهامة والمعضمية والكسوة
وقطنا، ورغم أن هذه الخطوط موجودة حالياً
لكن يمكن تجديدها من خلال هذه المشروع
واستخدام قطارات حديثة، وهناك خط آخر
سيحدث وينطلق من محطة الحجاز نحو مطار
دمشق وهو خط مزدوج وكهربائي وإذا تم
إنجازه فلن يركب أحد بالسيارات إلى ذلك
الاتجاه.
فيما يؤكد وزير النقل أن السكك الحديدية
السوريّة بطول (2400) كم، والمؤسسة العامة
للخطوط الحديدية السوريّة خلال السنوات
الثلاث الماضية قطعت شوطاً كبيراً في مجال
تحقيق الريعية الاقتصادية من عملها
وارتفعت الأرباح الصافية للمؤسسة من (300)
مليون ليرة سوريّة عام (2007) إلى (500)
مليون ليرة سوريّة لعام (2008) إلى مليار
ليرة سوريّة عام (2009)، وازداد عدد ركاب
المؤسسة العامة للخطوط الحديدية من أقل من
مليوني راكب إلى (3) ملايين و(600) ألف
راكب عام (2009) فالمؤسسة في طور صاعد
بتقديم خدمات للركاب، وهي الآن تناقش لأول
مرة في سوريا عقود لنقل بضائع القطاع
الخاص كالقمح والفوسفات والفيول. وهناك
إقبال على استخدام الخطوط الحديدية في
سوريا والقطاع الخاص بدأ ينظر بجدية إليها،
لافتاً إلى أن الاستثمار عبر السكك
الحديدية سينصب على خط دمشق - الحدود
الأردنية، والذي سيبني من قبل المؤسسة
العامة للخطوط الحديدية بالاستعانة بقروض
من قبل الصندوق السعودي للتنمية، وبعد هذا
سيُتاح للقطاع الخاص أن يجلب القاطرات
والعربات ويستثمرها بالتشغيل على هذا الخط
وفق شروط يتم الاتفاق عليها.
أحواض مفقودة:
في الحديث عن الاستثمار في مجال النقل
البحري وصعوباته، أوضح رئيس غرفة الملاحة
البحرية عبد القادر صبره أن فكرة الشراكة
مع القطاع الخاص في مجال النقل البحري
تحتاج لإعادة نظر في تسعيرة الآليات في
المرافئ وقطاع الإرشاد في السفن ما يزيد
من الإنتاج ويحسّن العمل في المرافئ.
وكانت غرفة الملاحة البحرية رفعت مذكرة
إلى الحكومة بيّنت فيها أن هناك أكثر من
(500) سفينة مملوكة للسوريين، (50) منها
فقط ترفع العلم السوري والبقية ترفع أعلام
دول عربية وأجنبية، حمولاتها تتراوح بين
(1000) طن و(35000) طن وبمجموع إجمالي (3)
ملايين طن تشغل مالا يقل عن (10000) بحار
فني و(5000) إداري في شركات التشغيل، وقد
انخفضت قيمة الأسطول من نحو مليار دولار
إلى نحو (400) مليون دولار وتدنت حركة
النقل، كما أن نحو (70 %) من الأسطول
متوقف عن العمل في عدة مرافئ سورية وفي
بلدان مجاورة. وبالنسبة لسفن القطاع العام
فمعظمها قديمة ومن هنا فإن وضع النقل
البحري في سوريا صار صعباً، ويحتاج لكادر
فني متخصّص ومؤهّل للإشراف عليه وتحديثه
وتطويره ليرتقي إلى المنافسة مع الأساطيل
العالمية الأخرى. فالشكاوى مستمرة من عدم
توسيع المرافئ وعدم تطوّر الأسطول التجاري
البحري السوري، إذ إن معظم البواخر
السوريّة قديمة وبحاجة إلى تجديد، عبر
إيجاد أحواض إصلاح على الشاطئ السوري، وقد
تم اقتراح موقع شمال بانياس في منطقة عرب
الملك، ولكن تنفيذه يتطلب إشادة مكسر
رئيسي بطول (1.5) كيلو متر ومكسر ثانوي
بطول (500) متر، لينتج حوض مسطح مائي
بمساحة (250) ألف متر مربع وساحات بـ(280)
ألف متر مربع. وعدم وجود أحواض في سوريا
لصيانة البواخر السوريّة والأجنبية يدفع
البواخر إلى إجراء الصيانة في الدول
الأوروبية أو الدول المجاورة علماً أن
تكلفة الحوض تصل مابين (30) إلى (40)
مليون دولار وإيراداته السنوية تتجاوز
(10) ملايين دولار.
أهمية النقل البحري:
يشدد رئيس غرفة الملاحة البحرية على أهمية
النقل البحري بالقول: (الشحن البحري ركن
هام من الأركان الأساسية في التجارة
العالمية وحركة البضائع المصدرة
والمستوردة، إذ تبلغ نسبة مساهمته أكثر من
«90 %» من عملية نقل البضائع عالمياً بفضل
أكثر من «50» ألف سفينة تجارية ترفع أعلام
أكثر من «150» دولة استناداً إلى هيئة
التخطيط الدولية، مؤكداً أن التجارة
العربية بلغت اليوم مرحلة من التطور
والانفتاح بحيث صارت الدولة الواحدة عاجزة
عن الاكتفاء الذاتي دون التعامل مع بقية
الدول، والشحن البحري هو أفضل الخيارات
المتاحة لحركة البضائع في التجارة
العالمية نظراً لانخفاض التكاليف مقارنة
بوسائل النقل الأخرى وحفاظه على البيئة من
ناحية حرق الوقود، وتوفيره أكثر من مليون
فرصة عمل للبحارة من مختلف الجنسيات من
دول العالم حسب إحصائيات منظمة النقل
البحري).
وعن مساهمة قطاع النقل في سوريا في الناتج
المحلي الإجمالي قال صبره: (وصلت مساهمة
قطاع النقل بأشكاله «البرية والبحرية
والجوية والسككية» إلى «6.5 %» من مجمل
الناتج المحلي الإجمالي لعام «2007»،
وتبلغ نسبة مساهمة قطاع النقل البحري
لوحده «5.6 %» وهي نسبة متدنية نوعاً ما،
أما مساهمة النقل السككي فتصل إلى «2.7
%»، وهذه الأرقام - كما يرى - تحتاج
لتصحيح إذا ما أخذنا بالاعتبار الموقع
الجغرافي المهم الذي تقع فيه سوريا، كما
بلغ مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي
الإجمالي بمجال النقل «88 %»).
بيروقراطية وعبثية:
ينوه رئيس غرفة الملاحة البحرية إلى وجود
توجه عام دولي لإشراك القطاع الخاص في
استثمار وإدارة المرافئ بعد أن أثبت هذا
النمط من التشاركية نجاحه، وهناك أنواع
متعددة للمشاركة لكن استناداً إلى الخبرة
العالمية فإن النموذج المختلط (LAND LORD
PORT) هو نموذج الإدارة المفضلة للمرافئ
لأنه الأقدر على الجمع بين الكفاءة
التشغيلية وتحقيق ريعية جيدة عبر شراكة
القطاعين العام والخاص.
وأشار إلى امتلاك سوريا الآليات التي تعمل
في عمليات نقل البضائع شحناً وتفريغاً في
المرافئ السوريّة بينما تفتقد الصيانة
اللازمة للآليات والمعدات المستخدمة
بالإضافة إلى البيروقراطية وانعدام
المرونة والتأخر في إصدار القوانين
والعبثية في تحديد الرواتب والأجور. فيما
يؤكد وزير النقل يعرب بدر أن الوزارة حققت
قصتي نجاح في مجال النقل البحري، الأولى
تتعلق بإدارة محطة حاويات مرفأ طرطوس حيث
رسا العقد فيها على شركة (icdsi)
الفليبينية التي التزمت بضخ (40) مليون
دولار أمريكي بدءاً من (2007) لتزيد
الطاقة الاستيعابية لمحطة حاويات مرفأ
طرطوس من (50) ألف حاوية نمطية في السنة
حينما بدأت عملها عام (2007) إلى نصف
مليون حاوية نمطية في العام خلال فترة
الاستثمار البالغة (10) سنوات قابلة
للتمديد (5) سنوات.
وقصة النجاح الأخرى تتمثل بإدارة حاويات
محطة مرفأ اللاذقية حيث تم التوصل إلى عقد
إدارة مع شركتي (cma cgm terminal link)
وشركة (سوريا القابضة) مع تقاسم الأرباح
لمدة عشر سنوات قابلة للتمديد خمس سنوات،
وبناءً عليه جرى ضخ حوالي (45) مليون
دولار أمريكي لتطوير محطة الحاويات في
مرفأ اللاذقية وزيادة عددها من (500) ألف
حاوية نمطية في العام وهو المحقق حالياً
إلى مليون حاوية نمطية خلال (3) سنوات من
بدء التشغيل وتستمر خلال (10) سنوات من
الاستثمار.
(156) مليون دولار لصيانة السفن:
أوضح مدير الدراسات في وزارة النقل خلدون
كراز لـ(أبيض وأسود) أن وزارة النقل تحاول
الاستفادة من الموقع الاستراتيجي لسوريا
في مجال النقل عبر طرحها (10) مشاريع كبرى
على مبدأ التشاركية مع القطاع الخاص (ppp)
وهي: مشروع الطريقين المحوريين السريعين
للربط بين تركيا والأردن بطول (500) كم
والربط بين الساحل السوري والحدود
العراقية بطول (370) كم بتكلفة (1.8)
مليار دولار، ومشروع تحويلة دمشق الكبرى
التي تحيط بمدينة دمشق وتربط بين كافة
محاور الطرق الدولية وبتكلفة (400) مليون
دولار، ومشروع المحطة اللوجستية في
المنطقة الوسطى بوقوعها على مقربة من
تقاطع محوري الطريقين السريعين وفي
المدينة الصناعية في منطقة حسياء وتلعب
دوراً في تقديم الخدمات اللوجستية للسوق
المحلية والأسواق الخارجية وتأمين الخدمات
اللازمة للنقل، ومشروع الخط الحديدي بين
محطة الحجاز ومطار دمشق الدولي بتكلفة
(112) مليون دولار، ومشروع الخط الحديدي
من دمشق إلى الحدود السورية الأردنية
والذي سيكمّل هذا الخط المحوري الذي يربط
أوروبا وتركيا شمالاً بالخليج العربي
واليمن جنوباً بتكلفة (245) مليون دولار،
ومشروع ميترو دمشق بتكلفة (1.8) مليار
دولار، ومجمع محطة القابون للقطارات وهي
محطة تبادلية بين القطارات والميترو في
منطقة القابون بدمشق بتكلفة (31) مليون
دولار، ومبنى الركاب الجديد في مطار دمشق
الدولي بتكلفة (466) مليون دولار، ومشروع
تطوير وتأهيل حوض مرفأ اللاذقية القديم
بتكلفة (155) مليون دولار، ومشروع حوض
لبناء وصيانة السفن على الساحل السوري
بكلفة (156) مليون دولار والذي سيضمن خلق
تنمية متكاملة لنشاط النقل البحري و(450)
فرصة عمل جديدة.
(6) مليارات دولار للنقل:
رقم ضخم للغاية أعلن عنه وزير النقل حينما
كشف عن تخصيص نحو ستة مليارات دولار في
الخطة الخمسية الـ(11) التي بدأ العمل بها
مطلع العام الجاري بهدف تطوير البنية
التحتية في مجال الطرق والموانئ والمطارات
والسكك الحديدية مقابل ملياري دولار في
الخطة السابقة، لافتاً إلى أن الحصة
الأكبر من المبلغ ستذهب لمد خطوط حديدية
جديدة وتأهيل الحالية.
وأكد أن الوزارة ستقوم في الفترة المقبلة
بشراء القطارات والـعربات وإنجاز وصل
الـسكك الحديدية من دمشق إلى الأردن
وصولاً إلى السعودية، لافتاً إلى أن هذه
الوصلة ستكون جزءاً من محور سكك حديدية
استراتيجية تـربـط أوروبـا بالخليج
العربي، وبانتظار المشروع الذي سيفعل عمل
المرافئ البحرية ويهيئ لبناء أحواض محلية
تعيد القطع الأجنبي الذي يدفع لصيانة
السفن المحلية في الخارج إلى سوريا ويوفر
الملايين على البلد والمستثمرين معاً. |