‎لا يبدو أنّ "المجتمع الدولي" يريد تضييق الخناق على النظام السوري من أجل إسقاطه أو استبداله، ولغة التصعيد التي اعتُمدت من أكثر من طرف لم تحمل إشارة واضحة على أن هناك مَنْ يستطيع في العالمين العربي والأجنبي تحمّل تبعات "السقطة" السورية خصوصاً أن الرئيس السوري بشار الأسد لم يفتح حتى اللحظة كل الأوراق التي يملكه، والتي بالإمكان أن تُسقِط "ورقة التوت" عن أنظمة كثيرة على امتداد "الرقعة العربية" التي ستدخل في دوامة الصراع بين الأنظمة وشعوبها، هذا في الشكل، أما في المضمون، فإنّ السوريين الذين استوعبوا وعالجوا بدبلوماسية اتهامهم باغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري ما زالوا قادرين على الإمساك بزمام المبادرة وتحريك "البيادق" في أكثر من شارع عربي، كما إنّ المجتمع الدولي يدرك جيداً أن جولة الحرب الباردة التي تُمارس بحق نظام الأسد وحلفائه لن تُخلي ساحة "الممانعة" وجبهة الحرب المفتوحة مع إسرائيل مهما تكبّد هذا النظام من خسائر بل هناك مَنْ يؤكد أنّ استمرار استنزاف هذا النظام ستمتد تداعياته من "دمشق" إلى "البيت الابيض".
ولربما بحسب العارفين، فإنّ ما تمارسه الولايات المتحدة الأميركية بحق النظام السوري لا يعدو كونه مجرد محاولة للضغط على إيران ومساومة دمشق على بناء الشرق الأوسط الجديد، والأميركي على يقين تام بأنّ الميزان التي تُحدِّد فيه دمشق أولوياتها يعتمد بالدرجة الأولى على ضرورة المحافظة على ثقل الرصيد السياسي "المقاوم" الذي تملكه والذي عزّز مكانتها في الشرق الأوسط والعالم، وبناء عليه فإنّ تحالفها مع طهران وحزب الله هو تحالف استراتيجي إذا ما خرجت من دائرته فستفقد كامل منظومتها ومكانتها السياسية التي أسست لها خلال سنوات طويلة.
وفيما يراقب النظام السوري حركة الإنقلاب التي يقودها جهاز أمني عربي - أميركي- إقليمي مشترك، تزداد الأصوات الدولية المطالبة بالحوار بين النظام والشعب، ورغم تفاوت نبرة الخطاب بين الإدانة والتمنّي لا يبقى أمام النظام السوري إلا محاولة استيعاب "غض النظر الدولي" وامتصاص حركة الشارع بمعزل عن تصنيفه "معارضة او حركة انقلابية".
ورغم فشل الأميركيين والمجتمع الدولي بتطبيق عزلة على الأسد بإجماع دولي بسبب الفيتو الروسي والصيني إلا أنّ تزايد وتيرة حدة الصوت التركي "الحذِر" سيفرض على هذا النظام عزلة اقتصادية وأمنية خطيرة وسيسلب السوريين ورقة قوة أساسية اعتمد عليها الأسد في بداية مرحلة معالجة "الأزمة".
وعلى هذا يؤكد دبلوماسي في مجلس الأمن لـ"الـلواء" أنّ الولايات المتحدة الأميركية لن تذهب إلى مشروع قرار يُدين سوريا قبل أخذ موافقة نهائية من الصين وروسيا بعدم استخدام حق النقض الفيتو لإسقاط هذا القرار، مضيفا بأنّه ليس من مصلحة أميركا والدول الغربية الدفع بمشروع قرار ضد السوريين سيسقط في مجلس الأمن بسبب الرفض الروسي والصيني، ومعالجة هذا الوضع المتأزم ليس مسرحها نيويورك بل مسرحها مفاوضات تجريها واشنطن في عواصم الدول المعنية برفض المشروع الأميركي.
ولفت الدبلوماسي إلى أنّه في الكواليس تُجرى محاولات جدية مع البرازيل وجنوب افريقيا من أجل حثّهما على التصويت مع قرار إدانة سوريا لأن هذا الموقف من شأنه الضغط وتصعيب الأمور على روسيا والصين لدفعهما أقله الى عدم استخدام "الفيتو" ضد المشروع الأميركي إنّما الاكتفاء بعدم التصويت.
كما أشار الدبلوماسي المعني إلى أنّ مجلس الأمن يشهد حالة من الجمود في الوقت الحالي بانتظار موقف روسيا والصين النهائي من المشروع الأميركي، مضيفا بأنه حسب ما يتبين فإنّ هناك نوعاً من "المراوحة" في اتخاذ قرار نهائي لفرض عقوبات على سوريا وفي الظروف الحالية فإنّ المساعي مستمرة لتغيير الموقف "الروسي والصيني" دون الذهاب إلى قرار الإدانة.