ساهمت
الميكروباصات «السرافيس» لسنوات طويلة في
تأمين تنقل المواطنين بشكل مقبول نسبياً،
كما أنها ساهمت في تأمين آلاف فرص العمل
خلال هذه السنوات، ولكنها ما لبثت أن
اتهمت فجأة من جانب من أدخلها واعتمدها
بأنها غير مريحة وغير حضارية، فضلاً عن
تسببها بالازدحام والتلوث... وصدر القرار
بإيقافها أو بترحيلها!!..
وسرعان ما بدأت وزارة النقل تنفيذ مشروعها
في سحب هذه الميكروباصات من الخطوط
الرئيسة للنقل الداخلي في دمشق،
واستبدالها بباصات كبيرة تعود لشركات خاصة
راحت تملأ الشوارع، ولكن الانطباعات
الأولية السريعة لتشغيلها واحتلالها
للعديد من الخطوط الحيوية أظهرت عدم رضا
الناس عنها، لذلك فقد أضحى اليوم وبعد
مرور فترة لا بأس بها على تنفيذ هذا
القرار، وبعد أن بدأت نتائج هذا الإجراء
بالظهور، من الضروري أن نسأل: ترى في
مصلحة من صب هذا الإجراء؟
بداية لا بد من القول إن الهدف المعلن
لهذا الإجراء، هو تحقيق مصلحة المواطنين
من خلال تأمين تنقل مريح ولائق لهم،
وتخفيف الازدحام والتلوث. إلا أن جردة
حساب بسيطة تكفي للقول إن هذا الإجراء لم
يأت في مصلحة الغالبية العظمى من
المواطنين، الذين أصبحوا في معظم الأحيان
مضطرين للتنقل وقوفاً في الباصات المكتظة
ولمسافات طويلة، وبشكل مهين. ويرجع السبب
في ذلك إلى أنه ليس هناك من يحاسب أصحاب
شركات النقل الخاصة على خطة النقل، خصوصاً
أنها لا تشغل العدد الكافي من الباصات
بحيث تؤمن تنقل المواطنين بشكل مريح، بل
يعمد أصحابها إلى جني الأرباح الطائلة من
خلال حشر المواطنين في الباصات، وهكذا
يضخم هؤلاء ثرواتهم على حساب راحة وكرامة
وصحة آلاف المواطنين دون أية محاسبة أو
مراقبة، ويضاف إلى ذلك أن الباص الذي ينقل
بكمية المحروقات نفسها ثلاثة أضعاف،
وأحياناً ستة أضعاف العدد الذي ينقله
الميكروباص، يجب أن تكون تعرفة ركوبه أقل،
في حين أن الواقع جاء معاكساً لهذا
الاستنتاج البديهي، لأن التعرفة نفسها
طبقت على النقل بالباصات، بل إن تجزئة
التعرفة التي كانت مفروضة على
الميكروباصات على الخطوط نفسها لم تفرض
على الباصات الكبيرة، وهكذا يصبح واضحاً
حجم الأرباح الفاحشة التي يجنيها هؤلاء
بطريقة أقل ما يقال عنها إنها غير شرعية.
ومن جهة أخرى فإن هذا الإجراء لم يترك أي
أثر إيجابي ملموس فيما يتعلق بتخفيف
الازدحام في شوارع العاصمة، بل ربما يكون
قد تسبب في اختناقات مرورية عديدة بسبب
عدم تناسب حجم الباصات الكبير مع الشوارع
الضيقة غير المعدة لاستيعاب باصات بهذا
الحجم. وفضلاً عن ذلك، فإن نسب التلوث
العالية الناتجة عن عشرات آلاف المركبات
التي لا تلتزم بشروط السلامة البيئية،
وأولها مركبات القطاع العام، لن تتأثر
بسحب بعض الميكروباصات واستبدالها
بالباصات الكبيرة التي ستنفث سمومها
بدورها في سماء عاصمتنا.
وهكذا لم يحقق هذا الإجراء أياً من أهدافه
المعلنة، وأما نتيجته الفعلية فقد كانت
ترك العشرات من سائقي الميكروباصات على
الخطوط المستبدلة بلا أية فرصة عمل،
وإطلاق يد المستثمرين في كنز الأموال، وفي
استغلال السائقين الذين يعملون في هذه
الشركات، والذين يؤكد أغلبهم أنهم يعملون
بلا أية ضمانات، وبأجور زهيدة.
هكذا يغدو واضحاً أن كيفية تنفيذ هذا
الإجراء لم تصب إلا في مصلحة المستثمرين
وجيوبهم، أما المواطنون والسائقون ومدينة
دمشق، كلها كانت ولا تزال خارج حسابات
وزارة النقل والقائمين على هذا المشروع
الذي يمثل واحداً من أسوأ مظاهر مشاريع
الخصخصة و«الانفتاح» في البلاد، فهل هناك
من يريد إعادة النظر؟ |