"مسؤول
عربي كبير زار بيروت ودمشق أخيراً أبلغ
جهات أوروبية رسمية أن السعودية ترفض أن
تؤدي الجهود التي تبذلها لتحقيق المصالحة
العربية الى تأمين تغطية لاستخدام العنف
والسلاح لتسوية الخلافات السياسية في هذا
البلد أو ذاك أو لمعالجة النزاعات بين
الأفرقاء والدول، بل تتحرك على أساس أن
وضع حد نهائي لمنهج الاغتيالات السياسية
يجب أن يكون جزءاً أساسياً من أي مصالحة،
سواء في بلد ما أو بين دولتين شقيقتين أو
على الصعيد العربي - العربي. وهذا ينطبق
على الأوضاع في لبنان وفلسطين والعراق
وساحات أخرى. وأوضح المسؤول العربي أن هذا
الموقف الذي يتمسك به الملك عبدالله بن
عبدالعزيز الراعي الأول للمصالحة العربية
يلقى دعماً عربياً واسعاً، إذ ليس ممكناً
التوفيق بين منطق العنف والاغتيالات ومنطق
التفاهم على معالجة الخلافات القائمة
بطريقة صحيحة وسليمة سواء داخل البلد
الواحد أو على الصعيد العربي. وبالنسبة
الى الوضع في لبنان تحديداً فإن السعودية
تتمسك مع الغالبية العظمى من الدول
العربية بأن تكون الدولة اللبنانية أقوى
من أي تنظيم مسلح أو من أي فريق من
الأفرقاء، إذ ان هذه هي القاعدة الأساسية
التي استند إليها اتفاق الطائف ثم اتفاق
الدوحة. وستقف السعودية ومعها الكثير من
الدول العربية ضد أي فريق لبناني يخرق هذه
القاعدة الأساسية التي تعزز وحدها السلم
الأهلي والوحدة الوطنية ووجود الدولة
القوية".
هذا ما أدلت به مصادر ديبلوماسية أوروبية
وثيقة الاطلاع في باريس وقالت "إن ثمة
تساؤلات وتحليلات كثيرة ومتناقضة عن الدور
العربي لمعالجة الأزمة اللبنانية وحقيقة
التفاهمات السعودية - السورية وانعكاساتها
على مسار الأوضاع في هذا البلد وعلى مصير
المحكمة الخاصة بلبنان المكلفة النظر في
جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه
وفي جرائم سياسية أخرى. والسؤال الكبير
هو: هل يؤمن الدور العربي الحماية لعمل
المحكمة وللأمن والاستقرار والسلم الأهلي
في لبنان في ضوء الحرب التي أعلنها "حزب
الله" على المحكمة وتأكيده رفض أي قرار
ظني يصدره المدعي العام الدولي دانيال
بلمار ويتضمن اتهام عناصر من الحزب
بالتورط في جريمة اغتيال الحريري؟".
وأوضحت المصادر استناداً الى معلومات حصلت
عليها من بيروت ودمشق والرياض وعواصم أخرى
أن الدور السعودي - العربي في لبنان يرتكز
على العناصر الأساسية الآتية:
أولا- الدور السعودي هو أساساً دور عربي،
إذ إن جهود الملك عبد الله بن عبد العزيز
تلقى دعماً أو تفهماً من الدول العربية
المعنية بمصير هذا البلد. وثمة تفاهمات
بين القيادتين السعودية والسورية على
قضايا أساسية عدة تتعلق بلبنان أبرزها
ضرورة التمسك بالاستقرار السياسي والأمني
وهو ما يشمل الحرص على التهدئة ومعالجة
الخلافات سلمياً وعبر الحوار ودعم حكومة
الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري،
والحرص كذلك على تحسين العلاقات بين
الدولتين اللبنانية والسورية وتطويرها على
أساس الاحترام المتبادل. لكن ثمة تبايناً
في وجهات النظر بين الرياض ودمشق في بعض
المسائل، منها طريقة التعامل مع المحكمة
ودور "حزب الله" ومواقفه.
ثانيا- الدور السعودي - العربي مكمل للدور
الدولي الهادف الى حماية استقلال لبنان
وسيادته وأمنه واستقراره والرافض أي هيمنة
خارجية عليه وعلى قراراته والمؤيد لضرورة
تطبيق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة لأنها
تؤمن حماية واسعة للبنانيين.
ثالثا- هدف الجهود السعودية والعربية
المبذولة حالياً ليس طمأنة "حزب الله"
والوقوف الى جانبه في معركته ضد المحكمة
بل طمأنة جميع اللبنانيين الى أن الدول
البارزة والمؤثرة ستبذل كل جهودها لمنع أي
فريق مسلح من تفجير الأوضاع في هذا البلد
و"قلب الطاولة" سواء رداً على القرار
الظني أو على أي تطور آخر.
رابعاً- السعودية تقف ومعها المجموعة
العربية الى جانب العدالة وتتمسك بضرورة
تحقيقها ولن تخذل اللبنانيين الساعين الى
وضع حد لمنهج الاغتيالات والأعمال
الإرهابية ولن تعطي شرعية لاستخدام العنف
والسلاح في الصراع السياسي الداخلي ولن
تعمل على إضعاف الدولة بالسكوت عن لجوء
هذا الفريق أو ذاك الى القوة المسلحة
لتسوية مشاكله. وترفض السعودية والكثير من
الدول العربية منطق "أن العدالة تخرب
لبنان" بل ترى أن "الإفلات من المحاسبة
والعقاب هو الذي يخرب لبنان".
خامساً- السعودية تدعم استمرار التهدئة
الأمنية والسياسية في لبنان لكنها ترى أن
ذلك يتم في ظل حكم القانون وحماية مؤسسات
الدولة وفي إطار المشاركة المتوازنة
الصحيحة في الحكم بين الأفرقاء
اللبنانيين، ولذلك ترفض المملكة، مع
الكثير من الدول العربية، أن تتحقق
التهدئة نتيجة الرضوخ لفريق مسلح أيا يكن
لأن مثل هذه التهدئة لن تستمر بل إنها
تهدد السلم الأهلي والوحدة الوطنية وتضعف
دور الدولة.
السعودية والمحكمة
وفي هذا المجال قالت لنا المصادر
الأوروبية المطلعة، استناداً الى
المعلومات التي حصلت عليها، إن الملك
عبدالله بن عبدالعزيز لم يقدم أي تعهد أو
وعد الى أي دولة أو جهة بالتحرك من أجل
منع القاضي بلمار من إصدار قراره الظني أو
من أجل تغيير مضمونه ووقف عمل المحكمة،
وذكرت أن الموقف السعودي من هذه القضية
يتلخص بالأمور الأساسية الآتية:
أولاً- السعودية دعمت منذ البداية وهي
تواصل دعم جهود لجنة التحقيق الدولية وعمل
المحكمة الى أن يتم كشف حقيقة جريمة
اغتيال الحريري ورفاقه وجرائم سياسية أخرى
مرتبطة بها ومحاسبة المتورطين فيها من أجل
تحقيق العدالة وليس من أجل تصفية حسابات
سياسية مع أي جهة. والتقارب السعودي -
السوري لم يبدل هذا الموقف الواضح. ووفقاً
لما قاله مسؤول سعودي كبير لوزير أوروبي:
"ان السعودية تريد أن تضع مع دول أخرى
قاعدة صلبة لتنظيم العمل العربي المشترك
على أسس سليمة بعيداً من منهج العنف
المسلح والاغتيالات. ولذلك تتمسك السعودية
بالمحكمة كأداة فعالة في لبنان ودول أخرى
لأن ذلك يساهم كثيراً في تحسين العلاقات
العربية - العربية ودفع جميع الأطراف الى
حل النزاعات بالوسائل السلمية".
ثانياً- ترى السعودية ودول أخرى أن
المعطيات والقرائن التي قدمها الأمين
العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله يجب
أن تكون جزءاً من العملية القضائية
الدولية بحيث يتولى بلمار مع المحققين
درسها بعناية وإجراء تحقيقات في ضوئها بما
يساعد على كشف الحقيقة ويزيل كل الشكوك.
والسعودية مستعدة لبذل جهود مختلفة للحفاظ
على الأمن والاستقرار في لبنان في ضوء
تطور عمل المحكمة لكنها تدرك تماماً أن
قدراتها محدودة في هذا المجال إذ إن
المحكمة هيئة دولية مستقلة تعمل بشفافية
في رعاية مجلس الأمن وعلى مسؤوليته. وقد
تم توضيح هذه المسألة للمسؤولين السوريين.
وأكدت لنا مصادر أوروبية مطلعة أن جهتين
طلبتا من أميركا وفرنسا إقناع بلمار
بتأجيل إصدار القرار الظني مدة ستة أشهر
لكن الدولتين رفضتا التدخل في عمل
المحكمة.
ثالثاً: ترفض السعودية ومعها الكثير من
الدول العربية الحكم على القرار الظني قبل
صدوره، وهي ستحدد موقفها منه في ضوء
مضمونه الرسمي الحقيقي وما إذا كان يتهم
أشخاصاً معينين استناداً الى أدلة
ومعلومات قوية ودامغة أم لا. وليس من
المفيد والمجدي تالياً رفض القرار قبل
صدوره لأن مثل هذا الموقف يثير الشكوك في
دوافع من يتبناه.
رابعاً- ترى السعودية أن من مصلحة
اللبنانيين والعرب العمل في ظل الشرعية
الدولية وليس الوقوف ضدها، والمحكمة جزء
من الشرعية الدولية ويجب التعامل معها على
هذا الأساس. والسعودية حريصة كل الحرص على
الأمن والاستقرار والسلم الأهلي في لبنان،
وقد سعت باستمرار الى تحقيق هذا الهدف.
لكن المملكة ترى، مع الكثير من الدول
العربية، أن ذلك ليس ممكناً تحقيقه على
حساب العدالة ومن خلال التغاضي عن جرائم
سياسية وإرهابية كجريمة اغتيال الحريري
التي هزت لبنان والمنطقة وهددت جدياً
الوحدة الوطنية لللبنانيين. وترى السعودية
أن الأفرقاء اللبنانيين يجب أن ينتظروا
صدور القرار الظني بهدوء وتجنب حملات
التهويل والتهديد والتخويف وأن يتعاملوا
مع مضمون هذا القرار ومع المحكمة بواقعية
وحكمة وحرص على تحقيق العدالة وإشاعة
الأمان في هذا البلد، لأن ذلك وحده يحمي
لبنان من الخراب.
المصالحة العربية وإيران
وقال لنا ديبلوماسي أوروبي بارز معني
مباشرة بشؤون الشرق الأوسط: "يخطئ الذين
يقومون الدور السعودي استناداً الى
الحسابات الداخلية اللبنانية وحدها أو في
ضوء التقارب السعودي - السوري ومتطلباته،
إذ انهم يرون جزءاً من الصورة. والصورة
تكتمل حين يوضع الدور السعودي في لبنان في
إطاره الإقليمي والدولي وربطه بسياسات
المملكة وحساباتها ومصالحها الحيوية
المشروعة". وأضاف: "إن الدور السعودي في
لبنان والمنطقة يستند الى المعطيات
والحقائق الآتية:
أولا- إن السعودية لم تتقارب مع سوريا من
أجل تعزيز المحور السوري - الإيراني
وحلفائه وتقوية نفوذ الجمهورية الإسلامية
وخططها التوسعية في الشرق الأوسط بل من
أجل إعادة نظام الرئيس بشار الأسد، فعلاً
وتدريجاً، الى الصف العربي مع كل ما يعنيه
ذلك، ومن أجل تطويق وإضعاف النفوذ
الإيراني الذي ترى المملكة ودول عربية عدة
انه ذو طابع هجومي وانه يهدد موازين القوى
القائمة والسلم والاستقرار في المنطقة،
كما يهدد الأمن القومي العربي والمصالح
العربية الحيوية. وترى السعودية أن حماية
مصالحها الحيوية المشروعة تتطلب العمل في
الداخل والخارج والتحرك في ساحات ساخنة
ومهمة كلبنان واتخاذ إجراءات وقائية
ودفاعية عدة في مجالات مختلفة للتصدي لأي
أعمال هجومية يقوم بها ضدها النظام
الإيراني وحلفاؤه واحباطها. وإذا كانت
جهود السعودية ودول أخرى لم تؤد حتى الآن
الى إبعاد سوريا عن إيران والى تفكيك
التحالف القائم بين هذين البلدين، إلا إن
هذه الجهود انعكست إيجاباً على الوضع
اللبناني وهي تجعل نظام الأسد يدرك تماماً
ما هو المطلوب والمتوقع منه، عربياً
ودولياً، لتعزيز أوضاعه الداخلية وتحسينها
ولتحقيق مكاسب عدة لسوريا اذا امتنع عن
المشاركة الجدية في تنفيذ خطط إيران في
المنطقة. والحوار السعودي - السوري مستمر
على هذا الأساس.
ثانيا- السعودية تدعم جهود الدول الست
الكبرى أميركا وروسيا والصين وفرنسا
وبريطانيا والمانيا لوضع حد لأي نشاطات
إيرانية لإنتاج السلاح النووي، وتؤيد
تسوية النزاع الإيراني - الدولي سلمياً من
طريق المفاوضات مع الدول الكبرى وهو ما
يتطلب من القيادة الإيرانية أن تنفذ
قرارات مجلس الأمن التي تدعوها الى وقف
عمليات تخصيب الأورانيوم في أراضيها وأن
تتعاون جدياً بشكل كامل وشفاف مع الوكالة
الدولية للطاقة الذرية وأن تتقيد بمطالبها
من أجل طمأنة المجتمع الدولي والمجموعة
العربية الى أن البرنامج النووي الإيراني
هو لأغراض سلمية مدنية وليس لأغراض عسكرية
كما يتخوف الكثير من الدول حالياً.
والموقف السعودي في هذا المجال يختلف عن
موقف النظام السوري الذي يؤيد بشكل كامل
مطالب إيران وسياساتها النووية وينتقد
الدول الكبرى لأنها تمارس ضغوطاً على
الجمهورية الإسلامية من أجل دفعها الى
التخلي عن نشاطات تمنح الإيرانيين القدرة
على إنتاج السلاح النووي.
ثالثا- الهدف الأساسي لجهود الملك عبدالله
لتوسيع نطاق المصالحة العربية كي تشمل
دولاً عدة وليس فقط سوريا، هو تأمين حماية
جدية للمصالح الحيوية العربية في وجه
الأخطار المختلفة التي تهدد المنطقة، ولن
يتحقق ذلك من خلال دعم الجهات والقوى
العربية المتشددة التي تستخدم العنف
والسلاح لفرض مطالبها وشروطها على الآخرين
وتعمل على خدمة أطراف إقليميين تتناقض
أهدافهم مع الأهداف العربية.
رابعاً- السعودية لن تعمل على تعزيز نفوذ
إيران وحلفائها في لبنان ولن تدعم مطالب
فريق يريد تنفيذ انقلاب على أفرقاء
لبنانيين آخرين، بل إن المملكة تعمل من
أجل تعزيز وتثبيت المصالحة اللبنانية -
اللبنانية وتحقيق العدالة ووضع حد لمنهج
الاغتيالات السياسية ودعم استمرار وجود
حكومة وحدة وطنية يعالج فيها أو بواسطتها
الأفرقاء مختلف المشاكل والنزاعات العالقة
بالوسائل السلمية وعبر الحوار وعلى أساس
احترام الدستور وإتفاقي الطائف والدوحة
ومتطلبات المشاركة الصحيحة المتوازنة في
الحكم. ولن يتحقق الإستقرار في لبنان من
خلال خضوع الغالبية من اللبنانيين لسلطة
فريق مسلح أيا يكن. |