|
بعقل هادئ يتحدث طيب تيزيني،
الفيلسوف السوري ابن حمص، وأحد مؤسسي «المنظمة
السورية لحقوق الانسانط (سواسية). تيزيني
شهد لأكثر من عصر في سورية، وجرى اختياره
واحدا من 100 فيلسوف في العالم للقرن
العشرين العام 1998 من جانب مؤسسة «كونكورديا»
الفلسفية الألمانية - الفرنسية.
ووضع تيزيني أكثر من 20 مؤلفا بينها: «من
ثلاثية الفساد إلى قضايا المجتمع المدني»،
«بيان في النهضة والتنوير العربي»، «حول
مشكلات الثورة والثقافة في العالم الثالث».
بطاقة التعريف عن طيب تيزيني لا تكفي مهما
كثرت صفحاتها، ويبدو أن الأزمنة الصعبة
والمتوهجة التي تمر بها سورية لم تمنعه من
التفكير بهدوء قبل الاجابة عن أي سؤال
يطرح عليه على قاعدة أن «الحياة غير
المفحوصة جيداً غير جديرة بأن تعاش أصلاً».
«الراي» اتصلت بتيزيني وسألته عن قراءته
للحركة الاحتجاجية في سورية وفي ما يأتي
وقائع الحوار:
• ما قراءتك للتحرك الفلسطيني في الجولان
في ذكرى الـ 63 للنكبة؟ وهل ثمة رسالة
يريد النظام السوري ارسالها الى المجتمع
الدولي؟
- ما حدث في الجولان في ذكرى النكبة جاء
بمثابة تكملة للحركة الثورية في العالم
العربي، والقضية الفلسطينية تشكل جوهر
القضايا العربية، وما حصل في الذكرى
الثالثة والستين يؤشر الى معطيات مهمة،
ابرزها تحرك الشعور القومي العربي الذي تمّ
اختراقه مراراً وتكراراً من قبل الأنظمة.
لاحظنا منذ فترة طويلة أن القضية
الفلسطينية يتم التواطؤ عليها، لكن الحركة
الثورية العربية ولا أعني فقط التحركات
الشعبية في ذكرى النكبة، أدخلت فلسطين في
صلب اهتماماتها، وهذه المسألة تاريخية
وشرعية، ولم تأتِ من جذور لا أساس لها في
الهم القومي العربي. لا أعتقد أن النظام
السوري يسعى الى امرار رسالة ما الى
المجتمع الدولي، وفي رأيي أن العامل
الأساسي الكامن وراء ذلك يتمثل في الوعي
أي تطور الوعي العربي الذي تحمل منذ عقود
ظلم الأنظمة، وهذه الأنظمة نفسها هي التي
ساهمت في تهميش هذا الوعي وافقاره، وبعض
هذه الأنظمة كان شريكاً في تهميش القضية
الفلسطينية.
• كيف تفسر التعاطي التركي مع الحركة
الاحتجاجية في سورية؟ وهل تتخوف انقرة من
ارتدادات أي تدهور أمني مفاجئ عليها؟
- هذا التخوف يأتي بطبيعة الحال من الحدود
الواسعة بين تركيا وسورية، ولا يمكن أي
انسان عدم ملاحظة تبادل المشكلات بين
الفريقين. التخوف التركي مشروع بالمعنى
الذي أشار اليه رئيس الوزراء التركي رجب
طيب أردوغان، حين أشار الى أن تطور
المشكلات سيؤدي الى هبوب عاصفة هوجاء
تطاول الجميع. تمنيت أن يكون رد الفعل
السوري على تركيا ايجابياً، والنظام لا
يريد من أحد أن يتدخل في شؤونه وهذا أمر
مشروع، ولكن ثمة عاملاً لا بد من أخذه في
الاعتبار، بمعنى أن ما يحدث في سورية قد
ينتقل الى تركيا.
• ماذا عن المبادرة التي أطلقها الأكراد
في سورية لجهة الدعوة الى الحوار الوطني؟
- هذه المبادرة تمثل شعار الشعب السوري
كله وليس الأكراد فقط، والمعروف أن
البيئات التي تحتوي على تعدد اثني وديني
يشكل الحوار بالنسبة اليها مدخلاً محتملاً
الى الحل العقلاني والديموقراطي لما نحن
الآن في سورية في صدده. نحن ندعم هذه
الدعوة على قاعدة أن كل الشعب السوري يريد
الحوار الذي غاب طويلاً.
• النظام السوري دعا الى الحوار مع
المعارضة ولكنه في المقابل يقمع الحركة
الاحتجاجية كيف تفسر هذه الازدواجية؟
- كمواطن سوري أعيش في بلادي لا اشعر بهذا
التناقض، ولكن قد نلمس أحياناً بعض
التناقض بسبب خروج بعض الفئات السورية على
القرار المركزي في السلطة. المشكلة اذا
أكثر تركيباً ومن غير المنطقي أن يُنظر
اليها كأنها أمر يقوم على طرفين اثنين،
هناك ثلاثة اطراف، والطرف الثالث هو الذي
يسعى الى إفشال الحوار، وهو في الغالب
يعمل وراء الأكمة. وكي ينجح الحوار لا بد
من اقناع الطرف الثالث بأن هذا الحوار هو
الحل الوحيد للخروج من الأزمة التي تمر
بها سورية.
• في بدايات الحركة الاحتجاجية أقدم
النظام على طرح سلة من الاصلاحات. هل
الاصلاح يعزز بنية النظام السوري أم العكس؟
- نعلم أن الرئيس بشار الأسد قدم رزمة من
الوعود الاصلاحية عند تسلمه سدة الرئاسة،
ولكن ويا للأسف لم يتحقق التوافق بين
الوعود وما هو قائم على ارض الواقع. وفي
وقت كان الرئيس يطبق الاصلاحات سعى الطرف
الثالث الى إفشال هذه التجربة. لا بد من
التأكيد أن خطاب الاسد العام 2005 جاء على
مستوى الاصلاح الوطني وتطرق الى مسائل لها
أهمية كبرى، لكن تدخل الطرف الثالث عرقل
العملية الاصلاحية، وهذا الطرف الثالث هو
مجموعات من الفئات الفاسدة. في سورية صراع
بين القديم والجديد، وهذا الصراع يتضح في
شكل لافت اليوم، فالطرف القديم ما زال
شديد التمسك بأجندته.
• أشارت بعض التقارير الى وقوع أحداث
مذهبية في المدن السورية وتحديدا في بلدة
تلكلخ الحدودية. ما مدى صحة هذه المعلومات؟
وهل هناك محاولة لادخال الثورة في أتون
المذهبية؟
- النسيج السوري يشبه النسيج اللبناني بل
هو أكثر تعقيدا، هناك مذاهب واثنيات
وأنماط مختلفة من التفكير تجعله قابلاً
للاهتزاز في حال توافرت العوامل المناسبة.
الأمر في رأيي حدث وفقاً لهذه الآلية:
استغلال اللحظات الحرجة وتوظيفها على
المستوى الطائفي والمذهبي لمصلحة الاساءة
الى الثورة. وأعتقد أن وقوع الاحداث
المذهبية راهن عليه البعض حين تحدثوا عن
صراع علوي - سني أو سني - درزي او إسلامي
- مسيحي، ولا شك ان هذا الرهان يحاول
اصحابه تظهير ما يحدث في سورية على قاعدة
أن الكلمة الاخيرة تتمثل في ايقاظ هذه
الصراعات، لكن هذه المحاولات فشلت الى حد
ما. أما بالنسبة الى بلدة تلكلخ فقد وقعت
أحداث مذهبية ولكنها لم تصل الى حدودها
القصوى، باعتبار أن الوعي الوطني أطاح
بالمشاعر الطائفية.
• هل التحولات التاريخية الجارية تشير الى
تطور الوعي الشبابي في العالم العربي
عموماً وسورية خصوصاً؟
- ما يحدث الآن يشير الى أمرين: الأول ذو
بعد اجتماعي سياسي تاريخي، والثاني ذو
طابع علمي. الأول يعطينا امثلة جديدة على
ان التاريخ مفتوح ولا يسير على نمط واحد،
باعتبار أن التاريخ في حال من النشوء
الدائم ما دام هناك حراك اجتماعي وسياسي.
ولكننا أمام إشكالية جديدة: كيف كان
العامل الاجتماعي في مرحلة قيام الثورات
الطبقية وكيف أصبح الآن؟ في تقديري أن
الطبقات الاجتماعية والمجموعات السياسية
دخلت منذ اللحظة الثورية التي يشهدها
العالم العربي في حقبة جديدة عمادها
الفئات الشبابية التي لم تكن ملحوظة في
الماضي، وهذا الجيل الشبابي متعدد من حيث
الانتماء الطبقي، وبعدما عاش تحت وطأة
تراكم المشكلات المتعلقة تحديداً بالفقر
والبطالة والفساد، وبعدما قدمت اليه
التكنولوجيا هذا الكم من المعلومات عما
يجري خارج المجال العربي، تطور وعيه، وهذه
المشكلات التي أشرت اليها عمقت اشكالية
الوعي الشبابي العربي فشهدنا هذه الثورات
التاريخية.
• أين موقع الاستبداد السياسي في تطور
الوعي عند الشباب العربي والسوري؟
- الاستبداد السياسي يقف في صلب هذا الوعي،
وهذا ما اسميه قانون الاستبداد الرباعي
القائم على استبداد السلطة السياسية،
والتسلط على الثروة الوطنية، والاستفراد
بالإعلام العام، والاستفراد بالمرجعية
القائمة على حكم الحزب الواحد. هذه
التراكمات الاستبدادية لم يعد في إمكان
المجتمع تحملها. ما جرى يعلمنا بأن هذه
الفئات الشبابية بدأت تتلمس الاستبداد
التاريخي من موقعها، ما أنتج هذا الحراك
الذي نشهده والذي هو بلا شك مفصلي ونوعي. |