بعد
أن اعتاد السوريون على "التغزل" برخص
المعيشة في بلدهم لسنوات طويلة مقارنة بكل
العالم الخارجي تغير الحال بهم لتصبح
تكاليف الحياة أغلى من العديد من الدول
العربية، فيما تسجل بعض أسعار المواد
الغذائية أرقاماً تتجاوز الأسعار في دول
الخليج مع "غض البصر" كلياً عن فارق
الدخل.. الرقم القياسي العام لأسعار
المستهلك في عام 2009 ازداد بنسبة 36%
مقارنة بعام 2005 كعام أساس، أي أن الليرة
السورية خسرت بشكل تراكمي طيلة الأعوام
السابقة 36% من قيمتها كما تتحدث
الإحصاءات النقدية لمصرف سوري المركزي
لغاية شباط 2010.
وعلى الرغم من تصدر أجور النقل لقائمة
الأسعار المرتفعة قافزاً بنسبة 51% خلال
خمس سنوات إلا أن ارتفع الرقم القياس
لأسعار الأغذية في عام 2009 بنسبة 49%
وبشكل تراكمي مقارنة بعام 2005 كان له
الأثر الأكبر على حياة المواطن السوري
الذي خبر تماماً أنه ليس بالخبز وحده يحيا
الإنسان، فالسوريون ينفقون 42% من دخلهم
على المواد الغذائية المتنوعة وفقاً لمسح
دخل ونفقات الأسرة الذي تم تنفيذه في عام
2004.
الملابس والأحذية ارتفعت بدورها في عام
2009 بنسبة 24% عنها في عام 2005، فيما
ارتفع الرقم القياسي لأسعار السكن والوقود
والإضاءة في عام 2009 بنسبة 29% وبشكل
تراكمي مقارنة بعام 2005 كعام أساس.
حقائق كهذه تمطر الفريق الاقتصادي في
سورية بوابل من التساؤلات عن مدى نجاعة
السياسات الاقتصادية وقدرتها على دعم ما
تبقى في جيوب السوريين من ليرات وخاصة
الفقراء منهم، حيث أن الخطة الخمسية
العاشرة لم تستطع استهداف معدلات التضخم
التي وعدت بها خلال سنوات (2006/2010)
وفقاً للدكتور والباحث الاقتصادي أيهم
أسد، والذي يرى في ذلك انحرافاً واضحاً في
السياسة الاقتصادية، وتحديداً النقدية
منها، بين ما هو مرغوب به، وما هو محقق
فعلاً على أرض الواقع.
فالخطة الخمسية العاشرة كانت قد نصت على
ضرورة ضبط معدلات التضخم السنوية عند حدود
5% كحد أعلى وذلك باستخدام أدوات السياسة
المالية وفقاً لأسد، لكن مؤشر الرقم
القياسي لأسعار المستهلك الذي يعبر تغيره
عن معدلات التضخم السنوية وصل إلى 10.6%
عام 2006 ومن ثم وصل إلى 4.5% عام 2007
ليرتفع بعدها في عام 2008 إلى 15.5% بفعل
رفع الدعم عن حوامل الطاقة بشكل رئيسي،
وبالتالي فإن معدلات التضخم تلك تعكس
تراجعاً واضحاً في القوة الشرائية للمواطن
السوري طيلة السنوات السابقة.
ويضيف أسد "إن معدلات التضخم تتراكم بشكل
سنوي لتخفض من القيمة الحقيقية لليرة
السورية، وهي بالوقت ذاته تعمل على إعادة
توزيع الدخول بين المواطنين، وتساهم في
خلق أعداد جديدة من الفقراء، دون أن تكون
الحكومة قادرة على إيجاد حل حقيقي لهذه
المشكلة".
وسبب عجز الحكومة عن حل هذه المشكلة يعود
وفقاً للدكتور والباحث الاقتصادي محمد
جمعة إلى ضعف التنسيق بين السياسة المالية
من ضرائب ورسوم والسياسة النقدية من سعر
فائدة واحتياطي إلزامي وغيرها، فالاقتصاد
السوري الذي يشهد ركوداً تضخمياً يشير
بوضوح إلى أن الاستثمار في سورية لم يؤت
أكله بسبب عدم وجود محفزات مالية وجمركية
حقيقية توجه الاستثمار نحو الاقتصاد
الحقيقي وخاصة في المجال الصناعي.
فعلى الرغم من تجاوز النمو في سورية لـ5%
إلا أن هذه النمو هو نمو خدمي حسب تعبير
جمعة، حيث يتركز في مجالات كالاتصالات
والمصارف وما شابه، فيما لا تميز الضرائب
بين القطاعات القائدة للنمو وغيرها من
القطاعات الاستهلاكية، وعادةً ما تكون
المحفزات الاستثمارية والضريبية جزافية،
والأولى أن توجه قطاعات كالتكنولوجيا
والمحركات وغيرها من الصناعات التنموية
وفقاً للدكتور محمد جمعة.
أما ما يحير المواطن السوري فهو العلاقة
الغريبة بين الأسعار المحلية والأسعار
العالمية، فما أن ترتفع الأسعار العالمية
أدنى ارتفاع حتى تبادر الأسعار في سورية
إلى القفز والتسابق في الارتفاع فيما
تتشبث هذه الأسعار بارتفاعها عند انخفاض
الأسعار العالمية، الأمر الذي يرده
الدكتور جمعة إلى أن الطلب في سورية أكبر
من العرض لأسباب عديدة منها كون السوق
السوري سوق استهلاكي إضافةً إلى الاحتكار
التجاري الذي لا يخفى على أي من السوريين. |