يراعي
لبنان منذ بدء اعادة بناء علاقة جديدة مع
الحكم في دمشق الحساسية السورية الكبيرة
ازاء جملة امور، بينها اقفال الابواب امام
انتقاد سوريا او اي من ممارساتها السابقة
او حتى التطرق الى زمن وصايتها على لبنان
خصوصا، الى التنسيق عن كثب في كل المواقف
المعنية بها وصولا الى موضوع الحدود بين
البلدين. ومعلوم ان سوريا سبق ان سعت في
مجلس الامن الدولي لدى مناقشة اي تقرير
للامين العام للامم المتحدة حول القرارات
المتعلقة بلبنان الى اقفال باب التطرق الى
اي مسؤولية لها في ما يتعلق به إن كان في
موضوع المخيمات الفلسطينية او تهريب
السلاح عبر حدودها الى "حزب الله"، مصرة
على عدم صلاحية المنظمة الدولية في هذا
الامر وكذلك بالنسبة الى القرار 1680 الذي
يطالبها بترسيم الحدود مع لبنان او اي صلة
لاي من القرارين 1559 او 1701 بهذا
الموضوع.
كما سعت في كل مناسبة الى اقصاء مجلس
الامن عن مناقشة اي مراجعة تتصل بموضوع
الحدود بينها وبين لبنان بحجة ان هذا
الموضوع محصور بين البلدين ولا علاقة
للمنظمة الدولية به. مما يعني تاليا لجم
حماسة اي دولة من الدول التي تهتم بالوضع
اللبناني عن إدراج موضوع تنظيم العلاقة
بين لبنان وسوريا بدولتين مستقلتين
وسيدتين في جدول اي محادثات ثنائية لهذه
الدول مع سوريا. ويكشف رؤساء بعثات
ديبلوماسية عدة ان مراجعة سوريا في كل
المواضيع المتعلقة بلبنان حتى الآن وفي
الأعوام الخمسة الماضية على الاقل كانت
تواجه بردود من مثل إما ان الموضوع داخلي
لبناني ولا علاقة لسوريا به، كما هي الحال
بالنسبة الى موضوع المنظمات والسلاح
الفلسطيني خارج المخيمات وخصوصاً ان لهذه
الاخيرة ثقلا ووجودا في البقاع قريباً من
الحدود بين البلدين على رغم اقتناع كل
الدول المهتمة بعكس ذلك، او ان الموضوع هو
رهن العلاقة الثنائية بين البلدين مثلما
هي الحال بالنسبة الى الحدود. وسبق لدمشق
ان أبدت رفضها لهذا التعاطي الدولي في
موضوع الحدود او موضوع اقامة علاقات
ديبلوماسية مع لبنان على اساس انها لا
تخضع للضغوط بل تعمل وفق اقتناعاتها وفق
ما قال الرئيس السوري بشار الاسد في
احاديث صحافية مفادها انه هو الذي قرر
اقامة علاقات ديبلوماسية مع لبنان ولم يكن
ذلك بناء على اي طلب او ضغط خارجي.
وترحب مصادر ديبلوماسية مراقبة ببناء
علاقة جديدة ومتوازنة بين البلدين باعتبار
ان التاريخ والجغرافيا يمليان واقعا لا
مفر منه. ويطال هذا الترحيب حتى الولايات
المتحدة الاميركية التي ترى ضرورة اعادة
بناء علاقة صحية ومتوازنة بين البلدين،
لكن التجارب السورية السابقة والكثير من
عدم الثقة في النيات السورية ازاء لبنان
يبقي الشك قائماً وخصوصاً ان الاسلوب
السوري مبني على المقايضة من جهة وعلى
مراعاة لضغوط تسعى سوريا الى تجنبها من
خلال مظاهر شكلية من جهة اخرى. في مقابل
ذلك ثمة تحفظات لجهات دولية مؤثرة عن اداء
مسؤولين كبار في لبنان ابلغوا بوجود هذا
التحفظ. اذ تعتقد ان المسؤولين الكبار
يذهبون مجددا في اتجاه اعطاء سوريا نفوذا
اكبر او مونة اكبر لها على لبنان من خلال
ممارسات او مواقف تلقى تحفظات في
الصالونات واللقاءات المغلقة، اذ تثير هذه
المواقف تساؤلات تطرحها هذه المصادر على
قريبين من المراجع المسؤولة، علما ان
التحفظات لا تطال موقعا معينا بل مواقع
عدة اذ تبدأ من المراعاة المبالغ فيها
لـ"حزب الله" او ما يعتبره البعض بيع
الحزب ومن خلفه سوريا مواقف تلزم لبنان
رسميا وتأخذه ابعد بكثير مما اتفق عليه
لدى انتخاب رئيس الجمهورية او في البيان
الوزاري. وتصل هذه التحفظات الى بعض
الزيارات التي يقوم بها المسؤولون لسوريا
والتي لا تجد لها سياقا منطقيا او تبريريا
من حيث التوقيت على الاقل كما من حيث
الشكل. اذ ان اي مسؤول سوري لم يزر في
المقابل لبنان وهو ما ينسحب على اللجنة
التي تهتم بموضوع الحدود. وتسأل هذه
المصادر كيف تحصل الزيارات لسوريا وهل
يطلب المسؤولون اللبنانيون مواعيد او ان
دعوات توجه اليهم لزيارتها، اذ ثمة حرص في
هذه النقطة على معرفة مدى استعادة سوريا
اسلوب تعاطيها السابق مع لبنان.
وغالبية المواقف التي يطلقها المسؤولون
اللبنانيون الكبار شكلت بالنسبة الى هؤلاء
المراقبين مؤشرات سلبية في ما تؤدي اليه
لاحقاً في انعكاساتها ومغزاها ولا يجد لها
هؤلاء تبريرات مقنعة لاختلاف تقديرات
الوضع على الارجح، في ظل خشية من ان يكون
لبنان يعطي سوريا ما تريده او يبدي
استعدادا لاعطائها اكثر مما تريده، في حين
ان موازين القوى سرعان ما ستتركه وحيدا في
مواجهة مراوحة او تأجيل سوريين كما حصل
مرارا من دون قدرة على استنهاض او تحفيز
اي مساعدة من خارج لمطالب تاريخية مزمنة
لم تأبه لها سوريا طوال عقود. وتقول هذه
المصادر إن هذه المؤشرات اللبنانية فضلا
عن مؤشرات سورية موازية تساهم في ابراز
استعادة سوريا نفوذا قويا لها في لبنان
مماثل للسابق او توحي بذلك على الاقل وفق
الانطباعات التي باتت قوية عند الرأي
العام اللبناني. ومن المؤشرات السورية
الاخيرة مثلا زيارة الرئيس الروسي ديمتري
ميدفيديف لدمشق فضلا عن زيارات وزراء
خارجية دول اوروبية عدة والعلاقة القوية
التي نسجتها سوريا مع تركيا، اضافة الى
المواقف الرسمية اللبنانية التي تستعيد
بعضا من الاسلوب السابق، الامر الذي يشعر
دمشق انها في موقع قوي.
فهل يستطيع المسؤولون طمأنة اللبنانيين
والمهتمين في الخارج الى ان الامور لن
تعود كما كانت في السابق على رغم الانجاز
الذي شكلته اقامة علاقات ديبلوماسية بين
البلدين؟ |