تأسست
سوق الهال الحالية في أوائل الثمانينيات
من القرن الماضي في منطقة الزبلطاني
بدمشق، وأصبحت بموقعها الجديد السوق
الرئيسي المتخصصة ببيع الخضار والفواكه
بالجملة، لكن هذه السوق تعتبر من أكثر
الأسواق السورية قسوة وتعقيداً من حيث
شروط العمل الصعبة والمتعبة فيها كالـ«العتالة»
على سبيل المثال، وتبدو السوق للوهلة
الأولى صغيرةً لكن مساحتها تبلغ نحو نصف
هكتار مربع، ورغم أن هذا المكان قد تم
بناؤه من أجل تسويق الخضار والفواكه
تحديداً إلا أن هذه الوظيفة لا تشغل سوى
ربع المساحة، أما الباقي فمخصص لتسويق
اللحوم والمعلبات والكثير من المواد
الغذائية الأخرى.
تكاد سوق الهال أن تكون المكان الوحيد
الذي يعمل 24 ساعةً دون توقف ولسبعة أيام
في الأسبوع، ويقارب عدد المحال فيها نحو
750 محلاً تتنافس فيما بينها بشكل يصل إلى
حد الوقاحة، لذلك فهي تستحق علامة الصفر
بالسلوك وامتيازاً في سوء الأخلاق، فهذا
ما تكرسه اللغة الدارجة فيها والأوساخ
المترامية في أنحائها، فعندما تنظر إلى
الخضار تراها مغبرة ومحشوة في صناديق
متراكمة وكأنها تقبّح نفسها بنفسها
باعتبارها الأرخص. والشيء المزعج بشكل
كبير في السوق هو دخول قرابة /3400/ شاحنة
وبراد يومياً إليها، وهو ما يزيد معاناة
الجوار لما تصدره هذه الآليات من ضجيج
يكاد يصم الآذان، خصوصاً في المدخل
الجنوبي للسوق حيث تقف السيارات لإنزال
بضائعها.
وتعتبر قلة النظافة السمة البارزة لهذا
المكان الذي يفتقد لأدنى مقومات السوق
الحضارية، فهو مكان أساسي لتجمع النفايات
والذباب بالإضافة إلى بقايا الخضار
واللحوم التالفة الموجودة، وما يزيد الطين
بلة هو مشكلة سوء التصريف الصحي في معظم
الأرجاء وخصوصاً في فصل الشتاء، حيث تتجمع
المياه بشكل غير طبيعي مشكلةً مستنقعات
صغيرة مليئة بكل أنواع الأوساخ، وتجد بين
أركان السوق أن عدد المشردين يتفاقم
أسبوعياً ما يزيد أعداد حالات السكر
العلني في المنطقة كلها والاعتداء على
المارة نساءً ورجالاً، فمن المستحيل أن
تجد مشرداً هناك لا يحمل موساً كباساً
«الفقر لا يعرف المستحيلات»، ويندر أن يمر
يوم دون مشكلة أو مشاجرة عنيفة بين
المزارعين والتجار أو بين السائقين
والعتالين.. تنشغل بها السوق كلها، ولكنها
غالباً ما تنتهي بمصالحة و«بوسة شوارب»
رغم أنها في كثير من الأحيان تسيل فيها
الدماء، وكل هذا يجري بعيداً عن محاسبة
القانون الذي ضل طريقه إلى السوق بغض
النظر عن موقعة الجغرافي.
النظام الشائع في سوق الهال هو الفوضى
المنظمة، حيث لا وجود للقانون هناك،
فالسوق تستمر بفعل محركها الذاتي الأساسي
«المال». والدورة الاقتصادية الكاملة فيها
هي «المنتج، تاجر الجملة، تاجر المفرق»،
إضافة إلى السائقين والعتالين. والنظرية
الصحيحة هنا تقول: إن السوق تقود نفسها
بنفسها وهي نظرية اقتصادية جديدة أثبتتها
سوق الهال، وتفوق بواقعيتها حتى النظريات
الليبرالية الجديدة.
والفوضى منتشرة ودورية البلدية تمر مرة كل
أسبوع مرور الكرام ويكون ذلك يوم الخميس
بالذات ما يزيد في المخالفات والفواتير
غير النظامية وشراء التجار البضائع من
الفلاحين بأسعار التراب، وذلك ما جعل
الفلاحين هم الحلقة الأضعف في الموضوع
أياً كان النظام الاقتصادي المتبع
«اشتراكياً أو نظام سوق اجتماعي».
الغريب في السوق هو الحديث عن وجود
نقابتين؛ الأولى: تعنى بشؤون العاملين،
والثانية: بتسيير أمور التجار. غير أن ما
يحدث في الواقع ينفي عمل الاثنتين.
فاللجنة الأولى المهتمة بأمور العمال تقوم
برفع الشعارات الرنانة من نوع الرعاية
الصحية وتنظيم الدوام وإعطاء
الإجازات..الخ، وبالمتابعة يتضح أن جميع
هذه البنود غير موجودة، حيث ينفي العمال
وجود أي متابعة لصحتهم أو شؤونهم فهم
«مسحوقون ولا يعرفون طعم الاهتمام أو
الرعاية»، أما النقابة الثانية: فهي تهتم
بحل مشكلات التجار وتسيير أعمال السوق
وإيجاد الحلول للنزاعات القائمة،
كالامتناع عن الدفع أو تغيير مواصفات
البضائع، وهذه اللجنة تخضع لمعيار «اللامنطق»
في آلية عملها وهي مهمشة ولا أحد من
التجار يخضع لقراراتها، فالمكان هنا إذاً
لا يخضع لنقابة أو لجنة أو نظام، فالنقابة
هنا تبقي إحدى الأسماك الصغيرة بالمقارنة
مع الحيتان والتجار أصحاب الأيدي
الأخطبوطية والذين يعتبرون أسياد السوق
وعمالقته، وهذا القانون الذي يحكم السوق
اشتد صرامةً منذ عدة سنوات، أي حين قررت
محافظة دمشق نقل السوق إلى منطقة «الدوير»
في عدرا وهذا ما لا يعجب التجار فقرروا
المقاطعة، حتى عدلت المحافظة عن قرارها
وتوجهت أنظار المحافظة إلى منطقة
«الكسوة»، وحتى الآن لا يزال الخلاف
قائماً بين المحافظة وحيتان السوق وليبقى
هذا الصراع مفتوحاً على مجالات عدة.
لكن ما يتناقله رواد السوق في الوقت
الحاضر هو أن السوق قد تتحول إلى سوق نصف
جملة، وبالتالي نصف فوضى، على حين سينتقل
القسم المعني ببيع الجملة إلى سوق جديدة
يتسلط عليها عمالقة وحيتان جدد يتحكمون
بمصائر العمال وبأسعار أغذية الناس على حد
سواء!. |