أوردت
الأوساط القريبة من رئيس الحكومة، سعد
الحريري، أنه عاد من دمشق بتفاهم مع
القيادة السورية على أمور كثيرة، تخص
تطوير العلاقات بين البلدين. لكن ما أضافه
المقربون من الحريري أن الأخير عاد
مرتاحاً إلى موقف الرئيس السوري بشار
الأسد للتطورات الجارية في لبنان، لكن من
دون تفاصيل. إلا أن التوضيحات الإضافية من
جانب مساعدي الحريري أخذت بعداً من نوع
آخر، وخصوصاً عندما صار الحديث يتناول
تعليقات وتفسيرات من النوع المختلف. منها
التحليلات المبالغ فيها لمعنى الصورة
الثلاثية التي جمعت الأسد والحريري ووزير
خارجية تركيا داوود أوغلو.
وفي سياق التحليل السياسي والإعلامي لهذه
الصورة، يعود هؤلاء إلى الصورة التي سبق
أن جمعت الأسد مع الرئيس الإيراني أحمدي
نجاد والأمين العام لحزب الله السيد حسن
نصر الله. وأخذت المقارنة بعداً إضافياً
عندما أجاد هؤلاء في البحث واعتبار الصورة
الجديدة بديلاً مقترحاً من الرئيس السوري
للصورة القديمة. ولمزيد من التوضيح، يذهب
أحد أبرز أمنيّي 14 آذار إلى القول إن
سوريا لم تكن في أجواء ما أعلنه نصر الله
في خطابه الأخير، وإنها لا تتفهم ما يجري،
وهي قلقة على السلم الأهلي وتدعم إعادة
التوحد والحوار. ثم يترك فريق الحريري
للعموم استنتاج أن دمشق هي إما تتفهم «نقزة»
رئيس الحكومة وفريقه من مواقف نصر الله،
وإما أنها على الحياد.
سبق هذه الاستنتاجات تحليل آخر رافق زيارة
الحريري الأولى لدمشق، مفاده أن سوريا هي
صاحبة المصلحة في هذا النوع من التواصل،
وأنها تسعى إلى توسيع دائرة التواصل مع
الفريق القريب من السعودية، وأن الأسد في
صدد الابتعاد عن التحالف مع إيران وحزب
الله.
إلا أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد؛ لأن
في هذا الفريق من يقود تناقضاً داخلياً هو
الأغرب من نوعه في سياق مقاربته العلاقة
مع سوريا. فمن جهة، يتحدث هؤلاء عن أن
دمشق نجحت واستطاعت تجاوز كل دوائر الضغط
التي تعرضت لها على مدى السنوات الخمس.
ومن جهة ثانية، هم يعتقدون أن سوريا تواجه
أزمة وتريد التخلص من عبء التحالف مع
إيران. فيما يعرفون أن سوريا عندما تعرضت
للضغط خلال تلك الفترة كانت أمام خيار
الابتعاد عن إيران، مقابل أخذ موقع متقدم
في الوضع الإقليمي، وكان عليها كذلك
الابتعاد عن الدور الراعي لقوى المقاومة
في فلسطين ولبنان والعراق، وتحديداً وقف
التواصل مع حزب الله وإقفال بوابة الدعم
العسكري والعمل على إبعاد قادة حماس
والجهاد الإسلامي وقوى المقاومة
الفلسطينية من دمشق. ومع ذلك، فهي لم تقبل
بذلك، وواجهت الضغوط على مختلف أنواعها.
حتى إن صحافياً إسرائيليا كتب أخيراً
تعليقاً لافتاً عن الأمر، قائلاً إن الأسد
رفض مشورة كثيرين طالبوه بالتعاون مع
الولايات المتحدة الأميركية، وقرر
المغامرة بالعلاقة مع المقاومة، لكنه فاز
في هذه المغامرة.
والسؤال هنا: كيف يستوي التحليل؟ والآن
بعدما ربحت سوريا خياراتها، كيف ستعود عن
التحالفات التي قامت عليها سياستها في
الفترة الصعبة، وهي ذاهبة نحو تحالفات مع
الفريق الذي خسر الرهانات، وهو الآن يعيد
ترتيب مواقعه والنظر في حساباته؟
وبالعودة إلى آخر التحليلات، فإن المنطق
الذي يريد فريق الحريري وبقية قوى 14 آذار
العمل عليه، هو القائل بأن سوريا الآن
تفضل مقاربة الأمور من زاوية الحفاظ على
ما حققته من مكاسب في السنوات الأخيرة،
وأنها لن تتأخر في اختيار العلاقة مع
الدولة اللبنانية إذا ما أُجبرت على
الاختيار بينها وبين حزب الله.
هل من إمكان لفهم هذه «التحشيشة»؟
بدايةً، ولناحية المعلومات، فإن المحادثات
التي أجراها الرئيس الحريري في سوريا، أو
تلك التي أجراها معاونوه مع مساعدين
للرئيس السوري، ركزت على ملفات كثيرة من
بينها الملف الأكثر حساسية الآن والمتصل
بمواقف السيد نصر الله، والخشية من لجوء
المحكمة الدولية إلى خطوة غبية تستهدف
المقاومة، وقد سمع الحريري ومساعدوه
موقفاً واضحاً، فيه الآتي:
إن سوريا تريد تأكيد موقفها الداعم للسلم
الأهلي في لبنان، وهي ترى في الانقسام
مصدر خطر على سوريا نفسها، وإن تجربة
سنوات الانقسام الأخيرة دلت على ذلك. كذلك
تعتقد سوريا أن الأمور تحتاج إلى حوار
يقوم على حد أدنى من الثقة المتبادلة التي
تتيح التوصل إلى تفاهمات على الأمور
الاستراتيجية، كما على الأمور الحياتية
اليومية في لبنان. لكن سوريا تحتفظ
بثوابتها:
أولاً: إن قوى المقاومة العربية، وفي
طليعتها حزب الله، وعلى رأسه السيد نصر
الله، هي خط أحمر يطابق الخط الأحمر
المرسوم حول النظام في سوريا.
ثانياً: إن سوريا تعيد التأكيد أن
التحالفات في لبنان يجب أن تقوم على
حوارات وتواصل ومصارحة.
ثالثاً: إن سوريا لا تثق بالعمل الجاري في
ملف التحقيق الدولي الخاص بجريمة اغتيال
الرئيس رفيق الحريري، وهي تلفت انتباه من
يهمه الأمر إلى أن ما يحفظ الاستقرار هو
الابتعاد عن الفبركات وخلافه.
ثمة قاعدة واضحة لدى المسؤولين السوريين،
تقول إن الأمور قد تكون متجهة إلى مزيد من
التعقيد، لكن الأهم في المسألة هو أن
الحريري وفريقه يظهرون تفهماً لهواجس حزب
الله، لكنهم عندما يصلون إلى مرحلة
الإجابة يقفون مرتبكين: ليس في يدنا ما
نقوم به، كل الملف عند الولايات المتحدة
وبريطانيا وفرنسا والسعودية.
|