لم
يتأخّر انكشاف «القطبة السياسية» وراء
«انتفاضة الكهرباء» التي يشهدها الشارع
اللبناني والتي تحوّلت معها مختلف المناطق
مسرحاً لتحرّكات احتجاجية «جوّالة»
يتخلّلها قطْع طرق بالإطارات المشتعلة
اعتراضاً على التقنين في التيار
الكهربائي.
فقد فاحت من الاطارات المشتعلة «رائحة»
خشية أمنية من ان يكون التحرك في الشارع «تحمية»
للأرض تمهيداً لملاقاة استحقاقات داهمة
تتصل بالقرار الظني المرتقب صدوره عن
المحكمة الخاصة في جريمة اغتيال الرئيس
السابق للحكومة رفيق الحريري، او بتطورات
الوضع في المنطقة التي تعيش بين «هبة
باردة واخرى ساخنة»، وذلك عبر محاولة «قلب
الطاولة» داخلياً وتعديل الموازين «بقوة
الشارع» الذي سبق ان شكّل «الحصان» الذي
امتطاه فريق 8 مارس قبل نحو عامين وصولاً
الى أحداث السابع من مايو الشهيرة.
ولم يستبعد مصدر أمني رفيع ان تكون
التحركات الاحتجاجية بمثابة «اللغم» الذي
يُزرع في الوضع الداخلي تمهيداً لـ
«تفجيره» في «التوقيت المناسب» من خلال
«عمل أمني كبير يهدّد أمن البلاد السياسي،
تماما كما حصل في 7 مايو».
ويؤكد المصدر الأمني الرفيع لـ «الراي»
أنّ «هذا التخوّف لا يأتي من الجانب
التحليلي فقط، بل يأتي أيضاً من المراقبة
الميدانية اليومية والدقيقة، التي تُظهر
أنّ هذه التحركات تتخذ طابعاً مختلفاً في
مناطق نفوذ المعارضة، فيما تكون عفوية
وبسيطة وسريعة في المناطق الأخرى».
ويشدد المصدر على أنّ هذه التحركات لا
يمكن لجمها «من خلال إعادة التيار
الكهربائي، بل في السياسة أولاً وفي
الجانب الأمني ثانياً، وتأتي حجّة
الكهرباء في المرتبة الثالثة».
ويوافق على هذا الكلام مصدر نيابي في كتلة
«المستقبل» (كتلة الرئيس سعد الحريري)، من
دون إغفال حقيقة أنّ «الاحتجاجات بدأت
برغبة المواطنين في إعلاء الصرخة نتيجة
المعاناة من الانقطاع غير المحمول للتيار
الكهربائي».
ويتخوّف المصدر في «المستقبل» لـ «الراي»
من أن يكون «التحرك مبرمجاً لتهيئة
المواطنين استعداداً لتحرك لاحق، سياسي،
ربما تكون الكهرباء حجته التضليلية»،
معتبراً أنّ «مواجهة هذا المخطط تحتاج الى
إجابة تقنية أولا وسياسية ثانياً».
أما أوساط المعارضة (السابقة) المعنية
بهذا الاتهام، فتردّ من خلال مصدر نيابي
اعتبر هذا الكلام «حكي فاضي وتركيبي
ومبتذل»، مشدداً على أنّ «أزمة الكهرباء
قديمة والوزير باسيل نبّه باكراً الى أننا
سنشهد صيفاً حاراً بسبب الأعطال في الشركة
وبسبب موجة الحرّ».
ويلفت هذا النائب لـ «الراي» إلى أنّ
«صرخة الناس طبيعية، لكن إذا كانت منطقة
بيروت لا تعاني فهذا لا يعني أن المحتجّين
هم من لون طائفي واحد، فالناس من الشمال
الى الجنوب، وفي مناطق شمالية خاضعة لنفوذ
تيار «المستقبل»، تحتجّ بشكل متساو».
ويلفت هذا النائب إلى أنّ «إعطاء التحركات
لوناً سياسياً أو طائفياً يشكل محاولة من
مطلقيه لإثارة الفتنة ونقل الاهتمام
السياسي من التركيز على محاسبة شهود الزور
واتهام إسرائيل باغتيال الرئيس الحريري
إلى التهويل بـ7 مايو جديد».
ويشير إلى «اجتماع عقد يوم الخميس بين
نواب من «حزب الله» وعدد من إداريي شركة
الكهرباء، وكنا ايجابيين ولم نتحدّث عن
تصعيد اطلاقاً»، مشدداً على أن الحديث عن
«جانب سياسي في التحركات هو عبارة عن
خيالات وهمية لأشخاص يسعون إلى جرّ البلد
نحو هذا المآل».
وانطلاقاً من عبارة «المياه تكذّب الغطاس»
يدعو النائب إلى «تأمين الكهرباء ولن
تجدوا أحداً في الشارع»، مشدداً على أنّ
«هذه مسؤولية الحكومة وليست مسؤولية وزير
الطاقة فقط». ويختم متسائلاً: «لماذا
يسيّسون مطالب الناس الذين لا يحظون
بالكهرباء لساعتين في اليوم؟ أليس ظلماً
تحويل مطالب الناس الى هذه الصورة؟».
وكان المشهد الاحتجاجي شهد امس السبت
مجموعة محطات ابرزها:
* قيام اكثر من مئة شاب بين السابعة
والتاسعة صباحاً بقطع طريق المطار
الرئيسية بالاتجاهين، بعد ان حرقوا
الاطارات المطاطية اعراباً عن سخطهم
وغضبهم لانقطاع الكهرباء. وقد تدخلت القوى
الامنية وعملت على اعادة فتح الطريق وسحب
الاطارات المشتعلة الى جانب الطريق والعمل
على اطفائها بواسطة صهاريج الدفاع المدني
من دون ان تحصل اي مواجهات.
* إشعال إطارات وقفل طريق المصنع - شتورا
(البقاع) عند الثانية فجراً احتجاجاً على
انقطاع التيار الكهربائي. وقامت على الاثر
دورية من عناصر قوى الأمن بإخماد الحريق
وفتح الطريق.
* قطع ما يزيد على 150 من الشبان الغاضبين
الطريق لجهة مستشفى الرسول الاعظم - مطعم
الساحة - الاوزاعي (أطراف الضاحية
الجنوبية) بعدما اجبروا ركاب احدى حافلات
النقل التابعة لشركة «زنتوت الصاوي»
بالنزول منها وقاموا بوضعها في عرض الطريق
لاقفالها وهم يرددون شعارات ضد القطع
المتمادي للتيار الكهربائي عن مناطقهم.
ولوحظ ان هناك عددا من المقنعين نزلوا مع
المتظاهرين للمرة الاولى.
وكان النائب احمد فتفت (من كتلة الرئيس
الحريري) أعرب عن اعتقاده أنّ «الاحتجاجات
التي تحصل في الشارع على خلفيّة انقطاع
الكهرباء هي إما عفويّة أو حركة تهويليّة
على السلطة وعلى الحكومة، لاسيّما وأننا
نسمع في تصاريح البعض دعوة لاستقالة
الحكومة الحاليّة»، لافتًا إلى أن «البعض
يستعمل الشارع لأي موضوع سياسي من أجل
الحصول على مكاسب سياسيّة».
ورأى فتفت أنّ «إشعال الإطارات وقطع الطرق
لن يضر سوى بالمواطن نفسه وبالبيئة، لأنّ
المسؤول يعلم بوجود مشكلة في الكهرباء وهي
مشكلة وطنيّة تتعلّق بالسياسة والتوظيف
المالي وبموجة الحرّ، لذلك هي بحاجة إلى
تفهّم وتقبّل من الجميع»، مشيراً إلى أنّ
«وصول بواخر إنتاج الكهرباء إلى لبنان
قريباً لن يكون سوى حل موقت وليس دائماً،
إضافةً إلى أنّها بحاجة إلى تجهيزات
لربطها بالشبكة، وهناك احتمال ألا تتحمّل
هذه الأخيرة مصروفا إضافيا». |