انتهاكات، قتلى وجرحى واتهامات. هذه
حال الشريط الحدودي اللبناني ـ السوري في
شمال البقاع، الذي قصدته «الراي» في مهمة
«تقصي حقائق» بعدما تدحرج هذا الملف
الامني ـ السياسي على نحو واسع وبلغ حد
صدور مواقف دولية منددة بـ «الخروق
السورية» للحدود اللبنانية في اطار مطاردة
المعارضين والمنشقين والفارين من ملعب
النار في بعض المدن السورية المتاخمة.
وكان لافتاً إن حركة العبور السوري من
محافظة حمص نحو لبنان عبر معبر جوسة ـ
القاع في شمال سهل البقاع تراجعت الى حدود
الصفر. تراجع وصل الى ما نسبته صفراً في
بعض الايام خلال الاسبوعين الماضيين.
وتقول مصادر لبنانية متابعة ان تدني حركة
العبور من سورية نحو لبنان على هذا المعبر
تعود الى التطورات الشعبية والعسكرية على
طول محافظة حمص وعرضها، عدا عن التحرك
العسكري السوري على خط الحدود مع لبنان
وما نجم عنه من قتل وجرح واسر بحق مواطنين
سوريين ولبنانيين يقطنون على جانبي الحدود،
حيث التداخل السكاني والعلاقات الاجتماعية
المميزة.
سكان هذه المنطقة يعيشون اليوم في قلق
متزايد جراء العمليات العسكرية السورية
التي تنفذ على مدار الساعة ولا سيما ليلا
او في ساعات الفجر الاولى كما جرى في
مزرعة الدورة اللبنانية التي يقطنها ايضا
سوريون تعرض بعضهم للاعتقال، وبعضهم الاخر
للقتل فيما اسر شاب ونقل الى جهة مجهولة.
التحركات العسكرية السورية على خط الحدود
مع لبنان في شمال سهل البقاع مباشرة،
ودخول الاراضي اللبنانية استدعى تحركات
شعبية في اتجاه المراجع اللبنانية
السياسية والعسكرية لايجاد حل لهذا الدخول
وما يتسبب به من قلق ونزوح لعدد من
الاهالي من مزارعهم وبساتينهم ليلاً ثم
العودة اليها نهاراً. ويقول سكان ما يعرف
بمنطقة مشاريع القاع الزراعية ان «الجيش
السوري عزز وجوده على تخوم اراضيهم وحتى
داخل بساتينهم». ويكشف احد السكان، مفضلاً
عدم ذكر اسمه لاسباب امنية، ان الجيش
السوري دخل منزله الذي لا يبعد من الحدود
سوى بضعة امتار و«اقدم الجنود على تدمير
محتويات المنزل بحجة البحث عن منشقين من
الجيش السوري».
قلق السكان اللبنانيين من العمليات
العسكرية السورية حاولت اول من امس لجنة
مراقبة الحدود اللبنانية تبديده عبر جولة
ميدانية في منطقة مشاريع القاع، وصولا الى
عقد اجتماع مشترك مع الجانب السوري على
معبر الجوسة. وقالت مصادر متابعة لـ«الراي»
ان «الجانب السوري ابلغ الوفد اللبناني ان
الجيش السوري تعرض لاطلاق رصاص من الاراضي
اللبنانية واضطر الى مطاردة مسلحين دخلوا
مزرعة الدورة». واضافت ان «السوريين اعطوا
مبررات لعملية تجاوزهم للحدود مع وعد برفع
مستوى التنسيق مع الجانب اللبناني».
لكن التنسيق السوري مع الجانب اللبناني في
شأن الحراك العسكري السوري لم يترجم، بحسب
الاهالي على الارض. ويقول احد سكان مزرعة
الدورة ان الجيش السوري دخل قريتهم بقوة
كبيرة واخذ الجنود يطلقون الرصاص عشوائيا
على المنازل ما ادى الى مقتل احمد عادل
ابو جبل (مواطن سوري يقطن في المزرعة)
وجرح لبناني واسر الشاب ميسر هيكل ابو جبل
بعد اصابته برصاصة. واضاف ان الجيش
اللبناني لم يتحرك او يدخل المزرعة، وانما
اكتفى بدورية وصلت بعد خروج الجيش السوري.
وتابع الرجل الذي يغادر منزله ليلا ان
علاقات السكان مع الجانب السوري جيدة جداً
و«لكن هناك من يطلق الرصاص على الجيش
السوري الذي يرد بالمثل».
مصادر امنية لبنانية مواكبة لما يجري على
الحدود مع سورية قالت لـ«الراي» ان
مجموعات من المهربين تقوم بين الحين
والاخر باطلاق الرصاص على الجانب السوري
في بعض النقاط الحدودية. وتابعت ان العبور
بين البلدين في طرق غير شرعية «نشط» جداً
هذه الايام. وكشفت المصادر ان الجانب
السوري «قلق من عبور منشقين وجرحى الى
الاراضي اللبنانية»، موضحة ان السوريين
يتهمون جهات لبنانية بتنظيم حركة العبور
غير الشرعي في منطقة عرسال ومشاريع القاع.
لكن هذه الاتهامات يرفضها سكان الحدود في
المنطقة. ويقول المزارع ابو احمد حسين ان
الجيش السوري «يقوم بحملة ابادة لكل سوري
وطني»، واضاف «كنا (اول من امس) في تشييع
ثلاث بنات قتلن برصاص الجيش السوري في
الجوسة، وخلال التشييع بدا الجيش السوري
يطلق الرصاص ما اضطرنا الى الهرب
والاختباء». وتابع «العلاقات الاجتماعية
مع اهلنا السوريين قائمة منذ ما قبل وضع
الحدود» لكنه استطرد «اهلنا في سورية
يتعرضون للابادة، وكل انسان وطني شريف
عليه تقديم المساعدة والحماية للابرياء»،
كاشفاً ان «عشرات العائلات السورية نزحت
الى لبنان سيراً بعد العمليات الامنية
التي تعرضت لها محافظة حمص»، وطالباً منا
التوجه معه الى منطقة وعرة لنرى كيف دخلت
الدبابات السورية وقتل الجنود راعياً من
بلدة جوسة السورية كان يرعى الماشية في
الجانب اللبناني.
قلق السكان اللبنانيين القاطنين على خط
الحدود في شمال سهل البقاع، يتحدث عنه
ايضاً مواطن من بلدة عرسال يقيم في محلة
المشاريع منذ عقود. يقول ان «السكان قلقون
من الجيش اللبناني اكثر من الجيش السوري»،
موضحاً ان «الجيش اللبناني يساند الجيش
السوري في بعض عملياته الامنية، ويغض
الطرف عن الدخول العسكري للاراضي
اللبنانية». ويكشف انه «كلما تحرك عسكري
سوري داخل الاراضي اللبنانية يكون الجيش
اللبناني منتظرا في الطرف الاخر ويقيم
حواجز ويضع نقاط مراقبة من دون ان يتدخل
للطلب من الجيش السوري عدم تجاوز الحدود.
واذا كان هناك سوري فار فان الجيش
اللبناني يقبض عليه ويسلمه للجانب السوري».
ويؤكد المزارع اللبناني انه «مع كل دخول
لدورية سورية للتفتيش ومطاردة النازحين
السوريين، تقطع الاتصالات الهاتفية
الخليوية السورية واللبنانية». ويكشف ان «السكان
لا يرفضون استقبال جرحى او نازحين سوريين
وتسهيل حركتهم او مساعدتهم في الانتقال
الى لبنان»، لافتاً الى ان «اكثر من جريح
سوري وصل الى منطقة مشاريع القاع وتم نقله
للمعالجة، وهذا ما يقلق الجانب السوري
الذي ينفذ يومياً عمليات عسكرية وامنية
داخل بساتيننا وحقولنا ويقتحم منازلنا».
من جانبها، نفت مصادر امنية مواكبة بشدة
لـ«الراي» المعلومات عن مساعدة يقدمها
الجيش اللبناني لنظيره السوري، مؤكدة ان
الجيش اللبناني منتشر على عدد محدود من
النقاط الحدودية ويسير دوريات على مدار
الساعة و«نحن نحمي حدودنا من المهربين
ونطاردهم ونمنع العبث بالامن الوطني».
واوضحت ان «سكان الحدود يرتبطون بعلاقات
اجتماعية واقتصادية مع جيرانهم السوريين،
ولان الامن في سورية غير مستقر، فان حركة
العبور بين البلدين تراجعت ولا سيما على
المعابر غير الشرعية التي كنا نغض الطرف
عنها هنا ومن الجانب السوري لمعرفتنا ان
مواطناً هنا ابنته مقيمة على بعد امتار
منه ولكن في الاراضي السورية». واضافت
المصادر ان «حركة التهريب تراجعت من
الجانبين، وسورية تشدد اجراءاتها الامنية
لحماية حدودها، الامر الذي يرفضه السكان
لانه يخالف ما تعودوه قبل اندلاع الاحداث
في سورية». والدخول العسكري السوري
للاراضي اللبنانية لم يقتصر على منطقة
مشاريع القاع وبعض مزارعها المتداخلة.
ويقول شهود من سكان خط الحدود لـ«الراي»
ان «الجيش السوري ادخل تعزيزات الى اكثر
من نقطة حدودية تعتبر داخل الاراضي
اللبنانية في جرود القاع وصولا الى عرسال».
ويضيفون ان «هذا التمركز السوري حصل قبل
نحو اسبوع والجيش اللبناني لم يستطلع بعد
هذه النقاط»، مؤكدين ان «دبابات سورية
تجتاز الحدود يومياً وتتموضع لساعات
واحياناً ليوم كامل قبل ان تغادر لتعود
مجدداً». |