بات واضحاً للجميع في الداخل والخارج
ان قوى 8 آذار والمتحالفين معها، ومنذ ان
خسرت الفوز بأكثرية المقاعد النيابية في
الانتخابات، قررت اعتماد سياسة التعطيل
والتحكم بالاكثرية التي فازت بها قوى 14
آذار تارة بالتهديد بالشارع وبالسلاح،
وطوراً بالضغط السياسي المستعار من سوريا
وايران، لان هذه الاكثرية غير شعبية او "كرتونية".
فاستطاعت بنهجها هذا ان ترفع في وجه قوى
14 آذار والمتحالفين معها سلسلة "لاءات"
حتى اذا لم تقل لها هذه القوى امراً وطاعة،
واجه لبنان عندئذ ازمة فراغ في كل
المؤسسات والى اجل غير مسمى، او فوضى
سياسية وامنية عارمة تعرّضه للانهيار.
وهكذا قالت قوى 8 آذار "لا" لرئيس جمهورية
من قوى 14 آذار، ولا حتى من المتحالفين
معها، و"لا" لرئيس جمهورية ينتخب بأكثرية
نصف زائد واحد، و"لا" لرئيس مجلس نواب غير
نبيه بري، و"لا" لتشكيل حكومة من الاكثرية
ومن لون واحد، و"لا" لتعيينات في وظائف
الفئة الاولى وفي كل الاسلاك اذا لم تكن
بالتوافق و"لا" لاي مشروع او موضوع مهم
اذا لم يكن مقبولاً منها، و"لا" لمحكمة
دولية خاصة بلبنان لمعرفة الحقيقة في
جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه
والاغتيالات المماثلة وتحقيق العدالة، لان
هذه المحكمة في نظرها مسيّسة وليست اهلاً
لذلك، ومن دون اعطاء بديل منها لمعاقبة
القتلة ولوضع حد لمثل هذه الجرائم. و"لا"
لاستشارات تسمي رئيساً للحكومة ما لم تكن
قد ضمنت هي الاكثرية التي تصوّت للمرشح
الذي تريد و"لا" لقرار اتهامي ما لم تتخذ
قوى 14 آذار قبل صدوره موقفاً سلبياً منه
وحتى قبل معرفة مضمونه، لانه بات في نظرها
معروفاً وان من التسريبات والشائعات، والا
فإن لبنان ما بعد صدوره سيكون غيره قبل
صدوره وان لا كلام مع قوى 14 آذار بعد
صدوره انما للشارع وللبندقية... واخيراً
وليس آخراً "لا" قوية لعودة الحريري الى
السرايا، و"لا" للديموقراطية العددية ونعم
للديموقراطية التوافقية التي تعطي قوى 8
آذار حق "الفيتو" على كل ما لا تقبل به...
و"لا" احتكام الى الدستور والى المؤسسات
ما دامت هذه القوى اقلية.
وعندما تصبح 8 آذار اكثرية فإن هذه "اللاءات"
تتحول "نعم"... نعم لانتخابات رئيس
للجمهورية من هذه الاكثرية وحتى بنصف زائد
واحد و"نعم" لحكومة من الاكثرية ومن لون
واحد و"نعم" لتعيينات تتم بموافقة
الاكثرية العادية او بأكثرية الثلثين اذا
تعذّر التوافق، وذلك احتراماً للدستور...
و"نعم" لمحكمة تحاكم مرتكبي جرائم
الاغتيال لانها تكون عندئذ غير "مسيسة"...
وتحكم بالعدل... و"نعم" لعلاقات من دولة
الى دولة بين لبنان وسوريا لان الدولة
تكون عندئذ واحدة لشعبين او تكون دولتين
لشعب واحد... و"نعم" لتسليم سلاح "حزب
الله" لهذه الدولة لانها تصبح دولة الحزب...
و"نعم" لازالة السلاح الفلسطيني خارج
المخيمات لان مثل هذه الدولة تصبح قادرة
وحدها على حماية اللبنانيين وكل مقيم في
لبنان، و"نعم" لترسيم الحدود بين لبنان
وسوريا بما فيها حدود مزارع شبعا، و"نعم"
لاغلاق ملف المفقودين فلا يبقى مفتوحاً
للمزايدات او لاي سبب من الاسباب، و"نعم"
لـ"هدنة" بين لبنان واسرائيل الى ان يتحقق
السلام الشامل. و"نعم" لكثير من الامور
التي تجعلها قوى 8 آذار "لا" ساعة تشاء ما
دامت الاكثرية هي لقوى 14 آذار... و"نعم"
للديموقراطية العددية ولاتفاق الطائف مع
تعديل او تصويب لبعض نصوصه عندما تفقد هذه
القوى الاكثرية. و"نعم" لاجراء الاستشارات
لتسمية رئيس للحكومة عندما تصبح الاكثرية
مضمونة لها في تسمية من تريد رئيساً
للحكومة و"نعم" لتشكيل حكومة من هذه
الاكثرية ومن لون واحد، اي انها تحلل
لنفسها ما تريد، وتحرم غيرها مما لا تريد.
هذا الوضع الشاذ وهذا المنطق الاعوج
لتطبيق سياسة "قدوس بالدبوس" لا خروج
منهما في رأي الكثيرين في الداخل والخارج
ما لم يصبح السلاح في يد الدولة وحدها كي
تستطيع بسط سيادتها وسلطتها على كل
الاراضي اللبنانية وتستطيع تطبيق النظام
والقانون على الجميع بعدالة ومساواة. وما
دام السلاح خارج الدولة وفي يد فئة من دون
اخرى، فلا قيام لدولة ولا عدالة ولا
مساواة في تطبيق القانون الا بالتراضي في
مكان وبالقوة في مكان آخر.. واذا كان
السلاح هو فعلاً سلاحاً لمقاومة اسرائيل،
فإن مكانه يكون على الحدود فقط وممنوع ان
يكون في الداخل لانه يخل عندئذ بالتوازنات
الداخلية الدقيقة ويفرض رأيه ومواقفه على
الاضعف منها. واذا انتشر السلاح في ايدي
كل اللبنانيين تحقيقاً للتوازن، فلا يعود
في لبنان دولة تحمي الجميع بل مذاهب
وطوائف تحمي نفسها بنفسها... حتى وان ادى
ذلك الى حروب بين الطوائف او داخل كل
طائفة كما حصل في السبعينات والثمانينات
فتدمر لبنان وهاجر جزء كبير من اهله. او
هجّر... فينبغي اذاً ان يكون السلاح
الفلسطيني في لبنان درساً لكل من يحمل
السلاح خارج الدولة، اذ ان هذا السلاح
عندما انتشر في ايدي اللاجئين الفلسطينيين
وناصره لبنانيون بحجة انه سلاح لتحرير ارض
فلسطين وان من لبنان، فإن النتيجة كانت
انه لم يحرر شبراً واحداً من تلك الارض بل
كان سلاحاً للتدخل في شؤون لبنان ومناصرة
فئة على فئة، لا بل بلغ بهم حد القول انهم
حكموا بيروت بلسان زعيمهم ياسر عرفات رحمه
الله.
يقول مسؤول كبير سابق ان ما ينبغي الاتفاق
عليه بين اللبنانيين بمختلف فئاتهم
وانتماءاتهم ومذاهبهم وبمساعدة الاشقاء
والاصدقاء المخلصين وليس اولئك الذين
يعطون من طرف اللسان حلاوة... هو: هل
يريدون دولة قوية قادرة على بسط سلطتها
وسيادتها على كل اراضيها فلا يكون دولة
سواها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير
سلاحها، وانه اذا كان لا بد من وجود سلاح
يساند الدولة ويقاوم معها اسرائيل فلا
مكان له الا على الحدود حيث العدو وليس في
الداخل حيث لا اعداء. وعندما يصير اتفاق
على ذلك فلا يعود يهم اي حكومة ينبغي
تشكيلها عندما توضع خطة عمل لها بنداً
يجعل السلاح بإمرة الدولة وليس بامرة اي
جهة اخرى، حتى لو تطلب دفع ثمن ذلك العفو
عن قتلة الرئيس الحريري ورفاقه وخيرة
رجالات لبنان سواء عرفوا او لم يعرفوا.
وذلك من اجل المحافظة على لبنان السيد
الحر المستقل ومن اجل قيام الدولة القوية
الواحدة فيه، والا فلا دولة بل غابة... |