أخبار الوطناتصل بنا الرئيسية

24/12/2010

 

قمّة ساركوزي والأسد: شكاوى الحريري والقرار الاتهامي

نقولا ناصيف

 

سمعت باريس من دمشق، في المحادثات التي أجراها الرئيس بشّار الأسد مع الرئيس نيكولا ساركوزي في زيارته الأخيرة لها في 9 كانون الأول، أجوبة عن تساؤلات كان قد أثارها معها الرئيس سعد الحريري في 30 تشرين الثاني، حاملاً إلى الرئيس الفرنسي شكاوى عدّة عن علاقته بالأسد

نقولا ناصيف
لم تكن الزيارة الثالثة للرئيس السوري بشّار الأسد لباريس مقرّرة في مفكّرته، ومفكّرة نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي. أوائل تشرين الثاني، قبيل تسلّم فرنسا رئاسة مجموعة الـ20 ومجموعة الـ5، رغب ساركوزي في إجراء اتصال هاتفيّ طويل بالأسد لمناقشة الوضع في المنطقة الذي يدخل في اهتمام بلاده، على رأس المجموعتين. إلا أن الاتصالات التي أجريت بين العاصمتين، وتحديداً بين معاوني الرئيسين، أفضت إلى اتفاق على محادثات مباشرة من خلال زيارة يقوم بها الأسد لباريس بدعوة رسمية من ساركوزي. وتقرّر وضع ترتيبات الزيارة وجدول الأعمال بين الرئاسة السورية والإليزيه حصراً، من دون المرور بالكي دوروسيه. اتُّفق أيضاً على اقتصار المحادثات الرسمية على خلوة يعقدها الرئيسان، فلا يشارك فيها أيّ من مسؤولي البلدين. سرعان ما ارتؤي انضمام الأمين العام للرئاسة الفرنسية كلود غيّان، الممسك بملف العلاقات الفرنسية ـــــ السورية وعلاقة الرئيسين اللذين يمحضانه ثقة مطلقة على طريقة إدارته هذا الملف، وبلوغ علاقات البلدين والرئيسين درجة غير مسبوقة من التفاهم. كذلك انضمّت مستشارة الرئيس السوري للشؤون السياسية والإعلامية الوزيرة بثينة شعبان إلى اجتماع الإليزيه. كان غداء عمل استمر ساعتين إلا ربعاً، متجاوزاً التقليد المتبع لدى الرئاسة الفرنسية بألّا يتعدّى غداء العمل 45 إلى 50 دقيقة.
في مستهلّ المحادثات، شرح ساركوزي للأسد الدوافع التي حملته على التباحث معه، بدءاً بمكالمة هاتفية طويلة ثم باجتماع مباشر. وأبرَز له صدقية العلاقة التي تجمعهما مذ بدأت رسمياً عام 2008، وأنه وجد فيه الرئيس العربي الأكفأ للتشاور وإياه في المشكلات التي تمرّ بها المنطقة، والتطورات التي أوجبت تشكيلات سياسية واقتصادية جديدة. كذلك أشاد ساركوزي بالطريقة التي قارب بها ضيفه تعاونه معه، فنفّذ كل التعهّدات التي كان قد قطعها له، واتسمت علاقات البلدين والعلاقة الثنائية من جرّاء ذلك بإيجابية عالية، عزّزها الدور الإقليمي لسوريا والدينامية التي أطلقتها في علاقتها بجوارها القريب، كالعراق وتركيا وإيران، إلى لبنان، ما جعلها محاوراً رئيسياً بحسب الرئيس الفرنسي. تناولت أحاديثهما أوضاع المنطقة وانسداد آفاق التسوية الفلسطينية ـــــ الإسرائيلية، وضرورة العمل على تنشيط مفاوضات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل تضطلع فرنسا بدور فيها. وعقّب الرئيس السوري بإشادته بتعيين ساركوزي السفير جان كلود كوسران موفداً خاصاً إلى المنطقة لعملية السلام، وأبدى تقديره لكفاياته، قبل أن يستقبل الأسد السابعة مساء اليوم نفسه كوسران، في مقرّ إقامته في فندق البريستول القريب من الإليزيه، بناءً على طلب الرئاسة الفرنسية تحديد موعد للسفير المخضرم والواسع الخبرة في شؤون المنطقة ولبنان وسوريا وإيران. وكان الأسد قد استقبل كوسران في دمشق في 13 أيلول، في نطاق مهمّته موفداً شخصياً لساركوزي.

في الشأن اللبناني

1 ـ أطلع ساركوزي الأسد على محتوى الحديث الذي دار بينه وبين الحريري لدى استقباله في الإليزيه في 30 تشرين الثاني، والقلق الذي أظهره الحريري للرئيس الفرنسي من احتمال استقالة وزراء المعارضة من حكومته، ما يؤدي إلى تقويضها. كذلك شكا له من الحال التي بلغتها علاقته بالرئيس السوري وانقطاع الاتصال بينهما، إضافة إلى مذكرات التوقيف الغيابية التي أصدرها القضاء السوري في حقّ معاونين لرئيس الحكومة.
ردّ الرئيس السوري على الشكوى تبعاً للآتي:
ـ وضع ساركوزي في واقع علاقته بالحريري، مؤكداً له أن العلاقة الشخصية به حسنة. وقال: لكني رئيس دولة وهو رئيس حكومة، والعلاقة الشخصية لا تكفي في علاقات ثنائية بين بلدين. هي عامل مساعد ومشجع، إلا أن الأساس هو العلاقات السياسية.
ـ شرح الأسد موقف سوريا من مذكرات التوقيف الغيابية، المتصلة بملف شهود الزور الذين ـــــ حسبما قال ـــــ أدلوا بوقائع كاذبة، مستعيداً الحملة التي استهدفته ونظامه عام 2005 بغية إسقاطه عبر اتهامه باغتيال الرئيس رفيق الحريري. ولفت إلى أن دعوى اللواء الركن جميل السيّد أمام القضاء السوري، في ملف شهود الزور، هي دعوى شخصية يسمح القضاء السوري بمثلها ضدّ مدعى عليهم سوريين وضدّ شركائهم.
وقال الأسد: أنا لا أفهم كيف يمكن ألا يُلاحق شهود الزور؟
تفهّم الرئيس الفرنسي وجهة نظر ضيفه، متسائلاً بدوره عن الدوافع التي أملت عدم ملاحقتهم ما داموا قد أحدثوا ضرراً في التحقيق الدولي.
ـ لاحظ الأسد أن الردّ على عدم استقالة وزراء المعارضة من الحكومة هو في كيفية اتخاذ موقف لا يؤدي إلى هذه المشكلة، ويبقيهم فيها، لأن صدور قرار اتهامي ضدّ عناصر من حزب الله بالاغتيال سيؤدي حكماً إلى استقالة وزراء المعارضة. المطلوب الآن السعي لعدم الوصول إلى هذه المرحلة.
غير أن الرئيس الفرنسي لم يكتم مخاوفه من انهيار حكومة الحريري إذا صدر القرار الاتهامي.
ـ أكد الرئيس السوري لنظيره الفرنسي أنه لن يتدخّل في الشأن اللبناني، وإن وقعت حرب أهلية أو مذهبية، إلا إذا طلب منه رسمياً وعلناً التدخّل لوقفها.
2 ـ شرح الأسد لساركوزي الجهود السعودية ـــــ السورية المستمرة منذ تموز، والرامية إلى تفادي فتنة مذهبية في لبنان من جراء القرار الاتهامي. وأطلعه على دور سوريا ومواقفها من المسعى الذي بادرت المملكة إلى القيام به حيالها لضمان الاستقرار في لبنان، وأن دمشق متجاوبة مع ما يلحّ عليه الملك عبد الله الذي كان قد طلب من الأسد رسمياً وعلناً المساعدة على تجنّب وقوع فتنة في لبنان. وأسرّ الرئيس السوري إلى نظيره أنه يثق ثقة كاملة بملك السعودية وبنجله عبدالعزيز اللذين يقودان الوساطة، إلا أنه ينتظر أجوبة عمّا كان قد طرحه على الملك، لكنهما في تشاور دائم ومستمر.
واتفق الرئيسان الفرنسي والسوري على تشجيع هذه الجهود، وتعزيز تواصل باريس مع الرياض لمواكبتها، مع تشديد ساركوزي على ضمان الاستقرار في لبنان.
3 ـ شدّد الأسد على أن إخراج القرار الاتهامي على نحو ما يجري التسريب الإعلامي، الغربي خصوصاً، عنه ـــــ وأسهب في تناول هذا الجانب ـــــ سيؤدي حتماً إلى فتنة مذهبيّة لن تقتصر على لبنان، بل يُراد منها اجتياح العالمين العربي والإسلامي. واستعاد ما واجهه نظامه عندما اتُّهمت سوريا باغتيال الحريري الأب، ثم انتقلت التهمة إلى حزب الله الآن، وأدرج ذلك في نطاق ما عدّه تسييس التحقيق الدولي ثم المحكمة الدولية. كذلك أثار مع مضيفه اجتياح إسرائيل قطاع الاتصالات في لبنان.
وقال الأسد: ما يتعلق بالمحكمة الدولية شأن اللبنانيين في ما بينهم، وعليهم هم أن يحدّدوا موقفهم منها. هم أحرار في الاستمرار بها، أو اتخاذ قرار بالخروج منها.
كان موقف ساركوزي أنّ فرنسا لا يسعها إلا أن تؤيد المحكمة الدولية، وتصرّ على حماية العدالة الدولية وضمان صدقيتها، وتأييد كل ما ينبثق من الشرعية الدولية، ولا يسعها إلا أن تتخذ هذا الموقف.
إلّا أن الأسد لفت الرئيس الفرنسي إلى أن صدور القرار الاتهامي قبل حصول تسوية في لبنان، من شأنه أن يُسقط كل ما كان قد سبقه. وأوحى بعبارته هذه أنه يُدرج علاقته بالحريري في هذا النطاق، ما لم يتدارك الأخير الأمر، ويرفض استهداف حزب الله والمقاومة.
وتحدّث الرئيس السوري عن حزب الله، وعدّه حزباً سياسياً لبنانياً له موقعه في السلطة. إلا أنه تناوله أيضاً كمقاومة صاحبة حقّ في الدفاع عن لبنان ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، حاضّاً الحريري على الانخراط في حوار معه، وكذلك بين الأفرقاء اللبنانيين جميعاً بمعاودة الحوار المباشر في ما بينهم.
وقال: سوريا تشجع مثل هذا الحوار، لكنها تراه شأناً لبنانياً محضاً لا علاقة لها به، ولن تبادر إلى تقديم أي مساعدة ما لم يُطلب منها ذلك علناً.
استكمالاً لمحادثاته مع ساركوزي، استقبل الرئيس السوري صباح اليوم التالي، 10 كانون الأول، غيّان إلى فطور عمل في جناحه في فندق البريستول.

المصدر:الاخبار اللبنانية  - أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري