جاء صندوق المعونة الاجتماعية كمخرج
التفافي للحكومة على دعم المازوت، وصولاً
الى رفع الدعم التام عن باقي المواد
القليلة المتبقية التي تدعمها الدولة، وهو
بمثابة إضافة تجربة أخرى فاشلة إلى تجارب
الحكومة في محاربة الفقر، فكيف لـ12مليار
ل.س أن تحارب الفقر؟ هل يستطيع هذا المبلغ
محاربة البرد كي يتجاوزه إلى الفقر؟
هكذا هي الحكومة تسير في الاتجاه المعاكس
لمصالح المواطنين عبر إهمال القطاع العام
والتعويل على القطاع الخاص الساعي إلى
زيادة تكديس أمواله بأرباح سهلة التحصيل
التي لا تقدم للوطن سوى مزيد من النهب على
حساب فقرائه، فباعتمادها اقتصاد السوق
أطلقت يد القطاع الخاص وكفت يد العام، ما
أدى لازدياد أعداد العاطلين عن العمل
الذين لم يستطع القطاع الخاص استيعابهم
نظرا لطبيعة استثماراته الخدمية. فالمطلوب
هو استثمارات في مشاريع عملاقة تؤمن فرص
عمل كثيرة وعوائد استثمارية مجزية تساعد
الوطن في الصمود في وجه الأخطار المتربصة
للانقضاض عليه، وتجنب الحلول الترقيعية من
صناديق دعم ومعونة التي هي بمثابة ضربة في
الهواء. وهاهي الأصوات المرتفعة وسط
الازدحام تعلن فشل التجربة، سواء أكان ذلك
في مراكز البريد المعتمدة، أو في مراكز
صناديق المعونة..
أصوات المواطنين من مستحقي المعونة أو ممن
لم يستحقوها الذين أرهقوا من التدافع، وقد
فقد بعضهم قطع من ملابسهم، يشكون حصر
الأسماء ونشرها في هذه المراكز، ويستغربون
عدم إرسال نسخ منهاإلى البلديات ليستطيع
المواطنون معرفة ما إذا كانوا مستفيدين أم
لا، ويوفروا عناء قطع المسافات وهدر
ماتبقى في جيوبهم أجور نقل وسفر، فالكثير
منهم يضطر للقدوم إلى هذه المراكز أكثر من
مرة وقطع أكثر من 40كم لمعرفة فئته ودوره،
ويرجون ألاينفقوا المعونة على الطرقات.
وهذه عينة من آراء المواطنين الذين التقت
بهم قاسيون في مركز الزيارة في منطقة
الغاب، والتي تشير إلى أن الفقراء لم
يستحقوا المعونة فذهبت مستحقاتهم إلى
الأغنياء!
شهادات
فراس الديري عامل زراعي قال: «أعمل يوماً
وأتعطل عن العمل أياماً إلى أن يأتيني فرج
االله! أسكن في قلعة المضيق في بيت إيجاره
الشهري 3500ل.س، ولا أملك شيئاً على وجه
الأرض. سجلت في مركز البحث الاجتماعي ولم
يرد اسمي في قوائم المستحقين، علما أن من
أعمل لديهم حصلوا على معونة من الدرجة
الأولى»..
يقول: ابن سعدا عارف علشون من قرية
الدقماق: «أمي مقعدة، وقد تم تسجليها في
المركز بتاريخ 3932009، لكن لم يرد اسمها
في قوائم المستحقين فعلى أي أساس جرى
المسح الاجتماعي؟ فالمحتاج الذي يستحق لا
يحصل على المعونة الاجتماعية ومن لا
يحتاجها يحصل عليها وضمن الفئة الأولى؟!»
خالد: «لم اجد اسمي في قوائم المستحقين،
فالفقراء لم ترد أسماؤهم أو حصلوا على
الحد الأدنى، فهذا جاري إبراهيم السواد من
المواطنين المعدمين من بلدة قسطون يعيل
أسرة كبيرة جداً ولا يملك أرضاً ولا أي
مصدر رزق آخر، ومع ذلك حصل على معونة
شهرية 500 ل.س بينما أغنياء البلدة حصلوا
على الحد الأعلى للمعونة 3500 ل.س!! هؤلاء
الذين يملكون الأراضي والسيارات»...
محمد بركات من قرية الخطيب قال: حصلت على
ألف ليرة شهرية، علماً أني لا املك بيتاً
ولا أرضاً، بينما جيراني عندهم محلات
تجارية وبنايات وآليات نقل وحصلوا على
3500 ل.س فعلى ماذا استندت لجان المسح في
عملها؟».
محمد حسين فطراوي معاق من قرية التوينة
أبرز وثيقة إعفاء من خدمة العلم تظهر عجزاً
60%، يقول: «أنا عاطل عن العمل ومطلوب مني
إعالة خمسة أشخاص، ومع ذلك ورد اسمي في
فئة (د)!».
رائد عاقوب من بلدة الشريعة، تصنيفه فئة
(د) بينما جاره صاحب محطة الوقود والأراضي
الزراعية تصنيفه فئة (أ) يقول: «يجب إعادة
النظر بالمسح الاجتماعي ومعاقبة المزورين»
يحي خرموش من بلدة قصطون، لديه عائلة
مكونة من 16 فرداً، يقول: «حصلت على
500ل.س شهرية فما قيمة هذه المعونة مقابل
غلاء الأسعار وبرد الشتاء؟». محمد الفرع
قال: «أنا استغرب كيف تم توزيع الناس
وتصنيفهم الى فئات تجافي الحقيقة، فأصحاب
الملايين يحصلون على الفئة الأولى (أ)،
والفقراء المعدمون يحصلون على الفئة (د)
ففي قرية العمقية عدة هناك أشخاص يملك
الواحد منهم 200 دنم من الأراضي يصنفون
فئة أ وغيرهم من الفقراء المعدمين في
الفئة د!. وفي قرية الحواش صاحب محطة وقود
ورد اسمه ضمن( الفئة أ) بينما جاره معدم
يعيش على الصدقات ورد اسمه ضمن الفئة د..
الدراسة الاجتماعية لم تبن على بيانات
صحيحة، ولذلك كانت النتائج مفجعة، فمن كان
لديه أقارب بالجان أو قدم رشوة كان تصنيفه
درجة اولى».. هكذا يسحق الفقراء بين أيدي
الفاسدين وأصحاب الحظوة.. هذا ما قاله أحد
المظلومين الغاضبين..
تزوير وخداع
محمد أحمد العلي من قرية العنكاوي قال: «عندما
قامت اللجنة المكلفة بالمسح الاجتماعي
والتحقق من البيانات، توجهت لزيارة أفقر
أسرة في القرية، ولكن هذه الأسرة لم يرد
اسمها ضمن الفئة أ فلماذا؟
أنا أحمل بطاقة معاق ولا أملك داراً للسكن،
وجاء تصنيفي ضمن الفئة (ج)، بينما هناك
شخص من قرية المنصورة يستطيع شراء نصف
أملاك القرية يرد اسمه ضمن الفئة (أ)!!
ديانا أسعد، إحدى العاملات في مركز
التنمية الريفية، وهي عضو مكلف في لجنة
البحث الاجتماعي تستغرب عدم حصول بعض
المستحقين على المعونة وتقول: «وردتنا
القوائم من الصندوق الوطني للمعونة
الاجتماعية، وتم تكليفنا بزيارة بعض القرى
بنسبة 20% من المجموع الكلي، وبناء على
التدقيق الذي قمنا به من خلال المسح في
هذه القرى قمنا برفع الجداول المتضمنة
البيانات، وعليه نحن لا نتحمل مسؤولية عن
الـ80% الباقية التي لم نقم بمسحها».
وتوجهت إلى المواطنين المعترضين، وإلى
الذين لم ترد أسماؤهم في قوائم المستفيدين
من الصندوق على مراجعة المركز في الأسبوع
القادم لمعرفة الأسباب التي حالت دون
استفادتهم من الصندوق. وأضافت بأن المركز
لايملك استمارات اعتراض في الوقت الحالي
لتقديم المعترضين للشكاوي، واستغربت عدم
وجود بعض الأسر التي تعتبرها مستحقة ضمن
جداول المستفيدين من الصندوق.
المشرف على المركز لقمان غصوب تحدث إلينا
قائلاً: «في الوقت الحالي الاعتراض على
الفئات غير متاح، اما بالنسبة لمن لم ترد
أسماؤهم في قوائم المستحقين فستصلنا قوائم
بأسمائهم مع الأسباب المبررة لعدم حصولهم
على الاستفادة من الصندوق، وتبقى
مسؤوليتنا مقتصرة على تلقي الاعتراضات
وإرسالها الى إدارة الصندوق الاجتماعي
للمعونة، ومن ثم تلقي الأجوبة لتصلالى
المعترضين»..
صندوق المعونة هذا آخر ما كان يحتاجه
المواطن السوري فهو لايغني عن دعم
المازوت، ولا عن الحلول الناجعة الكفيلة
بمحاربة الفقر، كما أنه إجراء تخديري
لتمرير السياسات الاقتصادية المجحفة بحق
الوطن والمواطن، تلك التي أثبتت فشلها
حيثما تم تطبيقها، وما الاضطرابات
المندلعة في العالم سوى انعكاس لاتباعها. |