من «حكومة الاحتياط»2011 التي ذكّرت بـ
«حكومة التمديد» التي أعقبت «مدّ» ولاية
الرئيس السابق اميل لحود ثلاث سنوات بقوة
قرار الرئيس السوري بشار الأسد في سبتمبر
2004، الى «تبديد» رأس النظام السوري «احتياطه»
الاقليمي والدولي من خلال خسارته «دفعة
واحدة» وفي أقل من ثلاثة أشهر، منذ اندلاع
شرارة الأحداث في بلاده، الرئيس الفرنسي
نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء التركي رجب
طيب اردوغان وامير قطر الشيخ حمد بن خليفة
آل ثاني اضافة الى السعودية التي كان نجح
في اعادة وصل ما انقطع معها... «خيط رفيع»
بات يربط بين الوضع اللبناني الذي «يرابط»
في «بوز المدفع»، وبين الواقع السوري
القابع في «فوهة بركان» والذي صار وجهاً
لوجه امام مواجهة غير مسبوقة في تاريخ
نظامه، حتى بدا البلدان كأنهما امام ترجمة
عملية لـ«وحدة المسار والمصير» ذاتها التي
كانت الشعار الأبرز في ما اصطُلح على
تسميته «حقبة الوصاية السورية» على لبنان
التي أعقبت قيام «جمهورية الطائف».
هذه القراءة، بـ «حواضرها» المحلية
والسورية، تحضر في صالونات بيروت السياسية
التي لا ترى الوقائع اللبنانية الا من
زاوية «البازل» الاقليمي المتحرك ولا سيما
«العاصفة السورية» التي استدعت «على عجلٍ»
تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في «ولادة
قيصرية» أعقبت فرْملة «عجلات» تأليفها
لاعتبارات تتصل بـ «المدّ والجزر» بين
نظام الأسد والمجتمع الدولي.
واذا كان الإفراج عن الحكومة الميقاتية
جاء بتوقيت سوري للإمساك بـ «المتراس»
اللبناني وجعله خط دفاع ومواجهة في غمرة «صراع
البقاء» الذي يخوضه نظام الأسد، فان النفق
الذي دخلته بيروت مع حكومة «نصف لبنان»
بدا أفقه مفتوحاً على «الخاتمة» التي
سيرسو عليها المشهد السوري، بحيث بدا «عمر»
الوزارة الثلاثينية محكوماً بـ «عمر»
النظام السوري، على قاعدة شراكة «المركب
الواحد»، فإما يغرقان معاً او ينجوان سوياً.
وفي قراءة اوساط بارزة في المعارضة
اللبنانية (14 آذار)، ان «وحدة الحال» بين
الحكومة الجديدة والقيادة السورية يجعل «رأسها»
بين يديْ نظامٍ بات «وجوده» على المحكّ
وصار يلعب اوراقه على طريقة الـ «all in»
ما يضع المنخرطين «إرادياً» او «بالإكراه»
فيها امام «إما ربح كامل او خسارة كلّية».
وتقول هذه الاوساط لـ «الراي» ان «الأسد
الجريح» قام من خلال حكومة الرئيس ميقاتي
بحركة شبيهة تماماً بما أقدم عليه مع قرار
التمديد للرئيس لحود العام 2004، ولكن مع
فارق اساسي في موازين القوى والظروف لا
يصبّ إطلاقاً في مصلحته، لافتة الى ان «عقلية
التمديد» وما أعقبها من تطورات في لبنان
لم يعد ممكناً ان يُنتج لهذا النظام «نسخة»
مما يعتبره «انتصاراً ولو بعد حين» حققه
مع «حزب الله» عبر اتفاق الدوحة (2008)
وما تلاه وصولاً الى «7 مايو» السياسي
بإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، ذلك ان
الأسد، بعدما كان نجح في فك العزلة التي
حاصرته بعد صدور القرار 1559 وما رافق «ثورة
الأرز» وأعقبها، يقف هذه الأيام بلا أبرز
رموز كسْر الطوق عنه، الفرنسيين،
والقطريين، والأتراك، كما السعوديين الذين
استعاد الحد الادنى من ثقتهم بعد طول عناء.
واذ لم تستغرب ان يلجأ النظام السوري الى
سياسة «حافة الهاوية» في تعاطيه مع الأزمة
المستفحلة في بلاده كما مع الوضع اللبناني،
فهي ترى ان الأسد، الذي «يكابر»، يغفل ان
خصمه هذه المرة ليس خارجياً بل داخلي، وان
صرف ما تبقي من رصيده الاقليمي والدولي
يجعله «مكشوفاً» كلياً، حتى ان اي محاولة
من الحليف الايراني لرفد هذا النظام
بالمزيد من الوقت «المشترى» من خلال لعب
ورقة المفاوضات (الايرانية) المباشرة مع
الولايات المتحدة لم تعد قابلة «للصرف»،
باعتبار ان حركة الانسحاب العسكري
الاميركي وإن التدريجي من العراق
وأفغانستان لم تعد تضع واشنطن في موقع «الحاجة»
لمثل هذه المفاوضات مع طهران.
وبحسب الاوساط نفسها، التي تطلّ على
تفاصيل المشهد الاقليمي، فان الأسد يكرّر
الأخطاء نفسها التي ارتكبها رؤساء عرب
آخرين سبقوه الى السقوط او هم في طريقهم
اليه، من خلال تأخّره في التقاط الاشارات
والتصرف دائماً على طريقة «الخطوة الى
الوراء»، متوقّعة ان تشتدّ الأزمة السورية
في الأشهر القليلة المقبلة نظراً الى
الأداء «الخشبي» لنظامٍ بات يرى الجميع
أعداءه وتُعبّر خطاباته عن حال «رهاب
سياسي» او «نقص في الحنان» في أحسن
الأحوال.
وتتوقّف الأوساط عند الموقف التركي بإزاء
الوضع السوري، لافتة الى ان انقرة كانت
وجّهت الى الأسد اكثر من اشارة بان مكانه
لا يزال «محفوظاً» اذا أحسن التصرّف ضمن
الهامش الضيق جداً الباقي أمامه، ومذكّرة
بان تركيا قدّمت الى الرئيس السوري لائحة
من عشرة أسماء برسم الإقصاء بينهم شقيقه
ماهر الاسد، اللواء علي مملوك، اللواء عبد
الفتاح قدسية، اللواء محمد ديب زيتون،
رامي مخلوف اضافة الى اسم جديد غير متداول
كثيراً في إطار العمليات العسكرية في
سورية هو العميد مناف طلاس (قائد اللواء
105 حرس جمهوري)».
واذ اشارت الى ان الأسد «فوّت هذه الفرصة»
التركية، اعتبرت ان الخطاب الأخير للرئيس
السوري، ثم المؤتمر الصحافي «على الطريقة
الصحّافية» لوزير خارجيته وليد المعلّم،
قضيا على «الأمل الضئيل» الذي كان باقياً
بامكان ان يتدارك الوضع «اذ باتت نهايته
بسياسته وأفراده مسألة وقت»، ولافتة الى
ان خطاب الأسد الذي غمز من قناة انقرة من
خلال الكلام على «اننا نعطي الدروس ولا
يعلّمنا أحد» ثم اتهام رئيس ديبلوماسيته
تركيا بالضلوع في أحداث سورية، يستعجلان
الخطوة العسكرية التركية المرتقبة عبر
إقامة منطقة عازلة على الحدود مع سورية.
وفي حين تشير الاوساط ذاتها الى ان سورية
اصبحت «مسألة تركية داخلية، والقرار
بالنسبة الى الوضع فيها سيكون بهذا الحجم»،
تتوقّع «ان تحسم انقرة خيارها بـ «قطع
ورقة» لنظام الأسد بحلول نهاية الشهر
الجاري»، وملاحِظة ان «هذا هو الامتحان
الفعلي للسياسة التركية في العالم العربي،
وتالياً سيحرص الأتراك على ان ينجحوا فيه
بأيّ ثمن، وعلى قاعدة عدم التردّد وعدم
الاستعجال، وإعطاء كل خطوة وقتها».
وتشرح الاوساط ان تركيا قادرة على التصرف
بإزاء الوضع السوري من خارج المنظمة
الأممية «بما بين يديها». واذ توضح ان «لدى
انقرة قدرة تأثير سياسية على الداخل
السوري»، تلاحظ انها «لم تلعب بعد بقوة
ورقة «الإخوان المسلمين»، ومشيرة في
السياق نفسه الى القدرة التركية على
التأثير العسكري على الحدود «أما متى
يستخدمون هذه القدرة او تلك، فهذا بات
مجرّد قضية وقت»، ومعتبرة انه عندما تصدر
عن تركيا اشارة حاسمة بان الامر انتهى
بالنسبة الى النظام السوري «فانهم سيفعلون
ذلك مع الولايات المتحدة وبصرف النظر عن
قرار من مجلس الأمن».
وانطلاقاً من هذا المشهد، تقرّ هذه
الأوساط بان أطراف الأكثرية «المستجدة» في
لبنان يُجرون بغالبيّتهم حساباتهم
الداخلية على خطيْن متوازييْن هما
«انتخابات 2013 النيابية، وإمكانات تغيُّر
الاوضاع في سورية وانقلابها رأساً على
عقب». وترى ان زعيم «التيار الوطني الحر»
النائب العماد ميشال عون، الذي يُعتبر
بالنسبة الى «حزب الله» بمثابة «الذراع
السياسية» التي تسحب منه احياناً كثيرة
«ذرائع» إظهار «الأنياب العسكرية»، هو
أكثر الذين يضعون استحقاق الـ 2013 نصب
عينيهم «محاوِلاً عبر «الظهير» الداخلي
(حزب الله) وقبل حصول اي مفاجآت غير سارة
في سورية تحصيل أكبر قدر من المكاسب
المسيحية الطابع علّه يشدّ العَصب ويعزّز
رصيده الى الحدّ الاقصى لصرفه عندما تحين
ساعة الانتخابات»، في حين ان «حزب الله»
الذي يرصد بدقّة الواقع السوري،
«الاستراتيجي» بالنسبة اليه، يبدو امام
احتمالين: التكيُّف داخلياً اي «حماية
الرأس» اذا انهار النظام السوري او
التشدُّد اذا صمد هذا النظام».
واذ تعتبر ان نظام الأسد بات امام خياريْن
لا ثالث لهما «إما ان يرحل او ترحل
سياساته، مع ترجيح بنسبة 99 بالمئة انه
سيرحل»، ترى ان «حزب الله» بحال سقوط
النظام السوري سيجد نفسه امام حاجة للحصول
على ضمانات محلية، وحتى ان ايران يرجّح ان
تفتي له ببقاء آمن وبالحفاظ على النسيج
اللبناني الذي يشكّل جزءاً منه»، مشيرة
الى ان الحزب في النهاية مضطرّ لتعديل
اولوياته «من افقية متساوية، الى عمودية
اي فيها اولاً وثانياً وثالثاً...».
وتوضح «ان الاولوية المطلقة لـ «حزب الله»
هي السلاح، والاولوية الثانية هي حفظ هذا
السلاح وايجاد مناخ سياسي يحميه، وهو ما
يرونه في الحكومة الجديدة، فيما تأتي
المحكمة الدولية في المرتبة الثالثة»،
ومضيفة: «في موضوع المحكمة، يدرك «حزب
الله» انه اذا صدر القرار الاتهامي في
جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري
بحلول 20 يوليو المقبل كما يقال، اي قبل
شهر رمضام المبارك، فهم لا يستطيعون ولا
الحكومة بطبيعة الحال تحمّل مواجهته على
المستوى الدولي، وفي رأيي انهم سيكتفون
بالتعاطي معه إدارياً، بمعنى ان تقف حدود
القرار الاتهامي على مستوى مذكرات التوقيف
مثلاً عند عدم القدرة على التبليغ بذرائع
عدة، فتنطلق المحاكمات الغيابية». وفي حين
تؤكد ان 14 آذار في هذه المرحلة هي في
موقع التصدّي للواقع الذي يحاول إعادة
عقارب الساعة في لبنان الى ما قبل العام
2005، تعتبر ان «الرئيس نجيب ميقاتي بات
اسير السياسة السورية في لبنان والمنطقة»،
لافتة الى ان الكلام على «الإجهاز على
الحريرية هو أضغاث أحلام»، مذكّرة بـ
«السرعة التي خرج فيها ميقاتي والوزير
محمد الصفدي من الجمهور السني العريض»،
ومشيرة الى «ان هذا الجمهور غير راض كلياً
عن ميقاتي الذي يبدو هذه الأيام كأنه لا
يشبه نفسه، والأمر ذاته ينسحب على رئيس
الجمهورية ميشال سليمان والنائب وليد
جنبلاط». |