هل يمكن معادلة الثمانينات ان تعود في
2010 فيصبح خيار لبنان اما المحكمة واما
الفوضى؟
من الواضح ان ثمة مسلمة بدا فريقا
الاكثرية والمعارضة يتعاملان معها على
قاعدة تمرير الوقت في انتظار تطور اقليمي
ما يقطع الطريق على أي مستجدات داخلية
تعيد طرح الوضع اللبناني برمته على بساط
البحث.
وعلى هذا الاساس، ورغم ان المظلة السعودية
– السورية لا تزال ترخي بثقلها على المناخ
العام، معطوفة عليها هدنة شهر رمضان، الا
ان عامل عدم الثقة هو الاكثر حضورا وحدة
في الجلسات السياسية لكل من الطرفين. من
هنا لا تتعامل المعارضة، بحسب اوساط مطلعة
فيها، مع سقف القمة الثلاثية التي انعقدت
في بعبدا على اساس انها خاتمة عهد وبداية
آخر، بل على انها مقدمة لتنفيذ تعهدات لم
يتم حتى الان الوفاء بها من جانب رئيس
الحكومة سعد الحريري . فتعهد الحريري ان
دم والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري لن
يكون سبب فتنة في لبنان لم يترجم بعد
عمليا على ارض الواقع.
اطل الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن
نصرالله ليتحدث عن الملف الاسرائيلي بعد
القمة الثلاثية، وهذا يعني انه فتح اولى
الحلقات في سلسلة ملفات ستظهر تباعا، من
دون ربطها بمفاعيل القمة، فاستكمال
الحلقات مشروط بمدى التزام الحريري تعهدات
نتجت من الرغبة السعودية التي ابدتها
لسوريا بتهدئة الوضع اللبناني وعدم السير
بملف المحكمة الى نهايته الحتمية القريبة،
مما دفع دمشق الى تلبية رغبة المملكة.
ودفتر الشروط الذي املته قمة دمشق لا يعني
التهدئة للتهدئة، بل التهدئة الاعلامية
مصحوبة بخطوات عملية على الارض، لا
بعبارات مبطنة خلال الافطارات توحي بأن
وراء الاكمة ما وراءها.
حتى الآن لم يلبّ الحريري ما هو مطلوب من
القمة الدمشقية الثنائية، وترجمته العملية
على الارض يظهر منها حتى الآن السير بملف
شهود الزور الى خواتيمه. وتسجل المعارضة
على الحريري انه لم يبادر من تلقاء نفسه
الى فتح هذا الملف، بل انه اضطر تحت ضغط
المؤتمر الصحافي المتلفز لنصرالله الذي
اعقب قمة بعبدا، لا قبلها، الى التجاوب مع
طلب وزراء المعارضة البحث في ملف شهود
الزور. كانت المعارضة تميل الى لجنة تحقيق
او لجنة وزارية، لا الى تكليف وزير العدل،
الذي اكد خلال جلسة مجلس الوزراء عدم
معرفته بعدد من النقاط المتعلقة بملف
التحقيق كقضية زهير الصديق واسماء الشهود
وعدم صلاحية المحكمة البحث في ملف شهود
الزور. لكن المعارضة قبلت على مضض تكليف
وزير العدل، مع علمها سلفا ان احتمال
ذهابه بالملف الى النهاية لن يكون امرا
يسيرا، لانها كسرت المحظورات بفتح الملف
الذي طالما رفض.
وتبعا لذلك لم يعط "حزب الله" أي مهلة
محددة لانتهاء وزير العدل من دراسة الملف،
لكنه حكما لن يقف مكتوفا منتظرا الى ما لا
نهاية تلبية مطالبه، لان التحقيقات التي
أجريت مع شهود الزور وتداعياتها، وان كانت
فقط لدى لجنة التحقيق، الا انها تتعدى
عملية الاغتيال وتوجيه الاتهامات عشوائيا،
اذ ادت الى ايجاد مناخ ضاغط منذ عام 2005
تسبب بسوء العلاقة مع سوريا، والى
انتخابات نيابية لدورتين اسفرتا عن اعطاء
الاكثرية الحالية حصة الاسد في مجلس
النواب.
بالنسبة الى "حزب الله"، تبدو المعادلة
واضحة، اما ان هناك اتفاقا سعوديا - سوريا
او لا اتفاق. والاتفاق، بحسب رؤيته له،
يقضي بان يعجل الحريري في بت ملف شهود
الزور، وتباعا مسؤولية لبنان في تحمل دوره
بالنسبة الى المحكمة الدولية وعدم التخلي
عن حقه في متابعتها. والا فان امام الحزب
مزيدا من الحلقات المتعلقة بتفاصيل حول
الشهود والمحكمة، بعد القرائن حول تورط
اسرائيل بعملية اغتيال الرئيس رفيق
الحريري. وما لا يصدر رسميا عن نصر الله
فان لدى الحزب والمعارضة قنوات اخرى
لتمرير ما تريده ان ينفجر في وجه معطلي
الاتفاق، كما حصل مع بدء تسريب اخبار
متعلقة بمن ذكرهم نصرالله في اطلالته
الاخيرة.
تدرك المعارضة تماما ان الحريري حاول
العمل قدر امكاناته المتوافرة، عبر الحوار
الذي اجراه مع نصرالله، لتقديم حلول
اعتبرها الافضل، لكنها تعرف ايضا ان ثمة
مساحة حرية لا يستطيع الحريري ان يتخطاها،
وما هو مطلوب منه علنا، مطلوب ضمنا من
الرياض، التي تتحدث بلغتين حول المحكمة،
واحدة عبر الحوار مع سوريا، وثانية عبر
تمويل المحكمة.
كيف يترجم ضغط المعارضة عملانيا؟
لا تتبنى المعارضة التغيير الحكومي هدفا
في ذاته. وهي وان سلكت سبيل البحث في
الاسماء وسبل التغيير، فلانها واثقة من ان
الحريري لا يمكنه التحرر من الضغوط
المفروضة عليه اميركيا ومن بعض الدول
العربية للسير بخلاف ما ارتأته قمة دمشق.
لذا فان التغيير الحكومي سيكون السيف
المصلت على رأس الحريري وبعض الوزراء ،
فاما ان يتجاوب مع مطالب التهدئة بكل
مفاعيلها والا سيكون امام متغيرات جوهرية.
وتدرك المعارضة ايضا ان أي تغيير حكومي
محكوم بالتوافق، لكن التغيير الحتمي قد
تكون له وجوه اخرى اذا لم تصبح المحكمة
خارج اطار التكهنات التي حولت مسار القرار
الظني في اتجاه "حزب الله". من هنا تتخوف
المعارضة من ان يكون الضغط الاميركي اسرع
من المتوقع فتذهب الى التعجيل في صدور
القرار الظني بحيث تباغت الجميع قبل
المواعيد المطروحة، وتعود الاوضاع على
الارض متفلتة من كل ضوابط. وحينها ستكون
المعارضة حكما في حِلّ من كل التعهدات.
|