اعتادت سوريا في اللحظات الحرجة التي
مرت بها ان تقايض خصوصية موقعها الحساس
بادوار اقليمية او بطوق نجاة. وتمكنت عبر
المقايضات السياسية والامنية ان تحفظ
نظامها من شر ازمات كادت ان تكون قاضية،
حتى لقبت التاجر الشاطر القادر على طرح "بضائع"
لا يراها الزبون قبل المبيع ولا يحصل
عليها بعد الشراء.
اليوم يعيش النظام في سوريا، احدى اشد
لحظاته حراجة منذ نكسة 1967، فماذا في
جعبته من اوراق او"ترضيات" يقايض بها
محيطه الاقليمي والدولي كي يمنع التواصل
والتلاقي بين الداخل "الغاضب" و"الثائر"،
والخارج "الطافح به الكيل" من تجاهل دمشق
وعودها ولعبها على حبال عدة في آن واحد،
وكي لا يطبق الفكان الداخلي والخارجي
للكماشة على عنقه؟
اولى الاوراق، هي ورقة "البديل" من النظام
الحالي التي، على كثرة استهلاكها، لا تزال
تبعث الخوف والقلق في نفوس الجيران الذين
يفضلون الف مرة بقاء القديم على قدمه من
رؤية الفوضى العارمة او "ذوي اللحى"
الطويلة يطلقون الفتاوى ويسنون المحرمات
في الارض الشامية .
ثانية الاوراق، هي ورقة مقايضة القمع
بالقمع، بعدما سلّفت دمشق الدول الخليجية
موقفا مسبقا بغضها الطرف عن دخول قوات "درع
الجزيرة" الى البحرين لانهاء انتفاضة
اهلها، وباتت تنتظر موقفا خليجيا مماثلا
يغض الطرف عن دخول مماثل لـ"درعها" الى
درعا وبانياس وحمص وغيرها. ولعل هذه "المقايضة"
كانت فحوى اللقاء الذي جمع الرئيس بشار
الاسد ووزير الخارجية الاماراتي ممثلا
مجلس التعاون.
اما ثالثة الاوراق، فهي الورقة الدولية
الاقليمية المتمثلة في سعي واشنطن الى
تمديد وجودها العسكري في العراق بعد
انتهاء مفعول الاتفاق الامني مع بغداد في
نهاية السنة. وهذا الاتفاق ما كان ليرى
النور اصلا لولا صفقة مثلثة الضلع اميركية
- ايرانية - سورية ثبت بموجبها نوري
المالكي رئيسا للوزراء، ونال كل من
الاطراف المعنيين بها حصة من الكعكة
العراقية تتناسب وحجم نفوذه وحضوره
السياسي والامني في بلاد الرافدين.
وثمة من يراهن اليوم في دمشق وبين حلفائها
على رمي ورقة التجديد للقوات الاميركية في
بازار التهويل والمزايدة والمساومة، على
أمل ان يكون ثمن المقايضة تسوية ما تحفظ
رأس النظام السوري أو تخفف الضغط عنه.
ولكن من يضمن ان تكون أوراق كهذه لا تزال
صالحة لمثل هذه التسويات؟ ومن يكفل ان
قواعد اللعبة السابقة لا تزال سارية
المفعول في زمن التغيير والثورات الكبرى؟
والاهم هل ما يضمن ان ما يحدث اليوم في
درعا هو النهاية... أم هو البداية؟ |