جدل ساخن ومستمر حول عمل برنامج
الرقابة على المستوردات، لم تهدأ نيرانه
وتداعياته بعد، بل هناك من يغذيه ويحاول
رمي الكرة في ملعب البرنامج الذي لم يقنع
البعض، كونه أغلق منافذ دخول السلع
المخالفة، إلا أن فاتورة الشركتين
المعتمدتين يسددها المستهلك، بمعنى أن هذا
(البزنس) الجديد دخل بحكم ضرورته
والانفتاح الاقتصادي، ليجد من يثير مواجعه.
بعض التجار ورجال الأعمال والمستوردين
ينبهون من مخاطر وجود هذا البرنامج، كما
أكد كتاب لغرفة صناعة حلب موجه لوزير
الصناعة، رغم ضرورته، إضافة إلى الملاحظات
التي وضعها رئيس اتحاد غرف التجارة غسان
قلاع على عمل البرنامج. لكن هيئة
المواصفات والمقاييس التي يتبع البرنامج
لها أكد مديرها العام وفيق الجردي لـ(أبيض
وأسود) أن البرنامج تمكن من وضع حد لدخول
البضائع والسلع غير المطابقة للمواصفات،
وترك أثراً إيجابياً في هذا المجال، نافياً
أن يكون البرنامج قد أسهم في زيادة
الأسعار.
محقة مع التحفظ:
منذ انطلاق برنامج الرقابة على المستوردات
وبدء تطبيقه فعلياً مطلع أيلول الماضي،
وهناك الكثير من الآراء التي تؤيد استمرار
وجوده مع شركتي المراقبة المعتمدتين بهدف
ضمان استيراد سلع ومنتجات مطابقة
للمواصفات السوريّة، وتتميز بالجودة
المناسبة، وتناسب أذواق وحاجات المستهلك.
وعلى الضفة الثانية هناك من رأى أن
البرنامج عرقل عمليات الاستيراد، وأدخل
كلفة إضافية على المستورد يدفعها بالمحصلة
المستهلك الذي لا طاقة له على مزيد من
الأعباء التي تمس حياته المعيشية وإنفاقه
على السلع الأساسية.
التجار الذين تعاملوا أكثر من غيرهم
ببرنامج الرقابة على المستوردات وخصوصاً
التجار المستوردين، بسبب وجود عدد من
التجار يركزون نشاطاتهم على التصدير، لهم
وجهة نظرهم كونهم الشريحة التي تتعامل مع
البرنامج، يقول قلاع: (هناك إجراءات حصلت
خلال الفترة الماضية في الاقتصاد السوري
ومنها ولاية شركات المراقبة على
المستوردات، وهي إن كانت محقة وضرورية في
بعض الحالات، إلا أن التعسف في استعمال
صلاحياتها في الرقابة والجعالات العالية
التي تتقاضاها والمهمات الإضافية التي
أوكلت لها جعل عملها عبئاً على تكاليف
المستوردات).
وجود شركتين مشهود لهما بالخبرة والعمل
الطويل في مجال الرقابة على المستوردات
(BUREAU VERITAS) و(SGS)، لم يشفع لهما،
كون الرقابة ظلت منحصرة بين هاتين
الشركتين إضافة إلى الجمارك العامة. لكن
مضي أكثر من ستة شهور على عمل الشركتين
كان كافياً لتشكيل انطباع عن أدائهما،
يقول الجردي: (من خلال تتبع عمل شركات
المراقبة وخاصة من الناحية الفنية أي
المطابقة، فقد كان الأداء جيداً، وهناك
تعاون فيما بيننا للتغلب وحل جميع العقبات
على الفور، وهاتفياً في معظم الأحوال).
مؤكداً أنه طالما هناك شخص يعمل فليس
معصوماً عن الخطأ. وتمنى الجردي أن يكون
الأداء والتعاون بين جميع المعنيين في
مجال الرقابة على المستوردات نحو الأفضل
بشكل دائم.
شركات أخرى:
أكثر المتضررين من الاستيراد هم بطبيعة
الحال الصناعيون، الذين لم يستطيعوا تجاوز
مشكلة ضعف التنافسية في المنتج الوطني،
وبقي منتجهم خاضعاً لكلف إنتاجية مرتفعة.
فجاء برنامج الرقابة على المستوردات برداً
وسلاماً لمنتجاتهم، كونه وضع كلفاً إضافية
للمنتجات والسلع المستوردة. غرفة صناعة
حلب، وبعد تشكيل الحكومة الجديدة في سوريا،
استثمرت الفرصة، وأرسلت لوزير الصناعة
عدنان سلاخو كتاباً حددت فيه موقفها من
البرنامج، بنقاط ضعفه وعناصر قوته. وجاء
في الكتاب أن تطبيق برنامج الرقابة مطلب
قديم للصناعيين في مؤتمرهم الثاني الذي
عقد في أيار (2008)، وهو مطلب حق يغني
الخزينة العامة، ويكشف الأسعار الحقيقية
للتجار، ويحمي الصناعة الوطنية بكامل
حلقاتها سواءً أكانت صناعة منتج نهائي أم
صناعة مواد أولية أم نصف مصنعة، كما هي
العديد من صناعاتنا. وأكد كتاب الغرفة
وجود بعض العقبات الإجرائية في برنامج
الرقابة من تأخير وكلف إضافية على البعض،
ولكن البرنامج مصيري بالنسبة للأغلبية
العظمى من الصناعات. ويشرح كتاب الغرفة
بعض السلبيات التي يمكن استثمارها بشكل
إيجابي في حال أُحسن استخدامها، ويبيّن
صناعيو حلب في كتابهم: (نحن مقتنعون تماماً
أن البرنامج وضع أعباء على مصنعي الألبسة،
ولكنه بالوقت نفسه حمى آلاف المنشآت
النسيجية الأخرى من الإفلاس وخاصة منشآت
النسيج الآلي والغزول والتريكو عصب صناعة
النسيج والتي توظف مئات الآلاف من العمالة،
إذ لا تحمى صناعة الألبسة عبر القضاء على
الصناعات النسيجية الأخرى بل عبر تشديد
الرقابة على مستوردات الألبسة، كما تفعل
الدول الأخرى، وإن فتح الثغرات ببرنامج
الرقابة بأي حجة كانت سوف يضعف البرنامج
ويحيده عن طريقه السليم ويقضي على الكثير
من الصناعات الصغيرة والمتوسطة وخاصة في
المراحل التي تسبق مرحلة المنتج النهائي).
وشدد كتاب غرفة صناعة حلب على أهمية تصحيح
الخلل في البرنامج كونه واجباً على الجميع
وممكناً عبر إدخال شركات رقابة أخرى
وتخفيض بعض رسوم وزارة المالية ورسوم
شركات الرقابة وإنشاء مخابر تحليل حديثة
معتمدة في المحافظات لتسهيل العمل وغيرها
من المقترحات.
أثر إيجابي:
من أولى النتائج الإيجابية التي استطاع
البرنامج أن يخلقها في المستوردات
السوريّة، هي وضع حد بشكل عام للسلع
والمنتجات المستوردة غير المطابقة
للمواصفات القياسية السوريّة والجودة
المطلوبة. إذ كثرت حالات إدخال مواد وسلع
استهلاكية ومنتجات متنوعة وأدوات كهربائية
وتقنية مختلفة حتى الأدوية طالها الغش
والتزوير في بطاقات البيان. الجردي ورداً
على سؤال هل ساهمت الشركتان من خلال
البرنامج في وضع حد لدخول البضائع والسلع
غير المطابقة للمواصفات؟ قال: (نعم، وبكل
صراحة كان للبرنامج أثر إيجابي واضح على
ذلك، فقد توقفت كثير من الشحنات التي لم
يتم شحنها وخاصة من الصين، وكانت الشكاوى
كثيرة من المستوردين، وملخصها عدم إمكانية
مصدريهم من تقديم الوثائق المطلوبة
لمراقبة البضاعة، ورفضت شحنات كثيرة أيضاً
لعدم مطابقتها ومن أماكن متعددة في العالم).
يُطبق برنامج الرقابة على المستوردات على
عدد من المنتجات المستوردة قُسمت إلى خمس
مجموعات هي: (المجموعة الأولى ألعاب
الأطفال)، (الثانية المنتجات الكهربائية
والإلكترونية)، (الثالثة المركبات
وتجهيزاتها كالإطارات وقطع الغيار)، (الرابعة
معدات وأدوات البناء)، (الخامسة والأخيرة
مواد متنوعة كالمنتجات البلاستيكية وأغذية
الأطفال والأسمدة والأقمشة القطنية وغيرها).
وإن كان سيتم تشميل مواد وسلع أخرى في
البرنامج غير المجموعات المذكورة، يقول
مدير برنامج الرقابة على المستوردات محمد
عبد الوهاب: (هذا مرهون بطلب الجهات
الرسمية واتحادات غرف الصناعة والتجارة
والسياحة والزراعة، وإمكانية الإضافة أو
الحذف). وفي هذا السياق ترى غرفة صناعة
حلب إن أي مقترح بخصوص البرنامج يجب أن
يكون توافقياً وشاملاً ومنسجماً مع
متطلبات المنافسة وسوق العمل والتنمية
الاقتصادية والاجتماعية.
وطالبت الغرفة في كتابها بتطوير البرنامج
وتوسيع عمله وحل جوانب الخلل فيه بالتعاون
مع اتحاد الغرف ليكون داعماً للصناعة
الوطنية بجميع قطاعاتها ومراحلها شرط ألا
يشكل عبئاً على أحد.
وعن أبرز المخالفات للتعليمات التنفيذية
للبرنامج التي سجلت خلال الفترة الماضية،
يقول عبد الوهاب: (إن المخالفة موضوع فني
تقني لا يمكن مناقشته وتحديده ضمن هذا
المجال، وأهم نقطة هي المخالفة الفنية
التي تعني عدم المطابقة ومعها شهادة
مطابقة وهذه لم تسجل لتاريخه).
سجال صناعي:
أثار البرنامج خلافات تقليدية بين
الصناعيين، حسبما يبين كتاب غرفة صناعة
حلب الموجه لوزير الصناعة، الذي جاء فيه:
(تسبب البرنامج بخلافات أخوية بين غرفتي
صناعة حلب ودمشق أشبه ما تكون خلافات
صناعية تجارية تقليدية مردها اختلاف وجهات
نظر عابرة وضرورية لإغناء الحوار والوصول
إلى النتائج الأفضل للصناعة الوطنية
وحماية عشرات الآلاف من المنشآت الصغيرة
والمتوسطة التي تعاني من ركود الأسواق ومن
المنافسة الشرسة للبضائع الأجنبية المهربة
والمستوردة بأسعار متدنية، وخاصة المنتجات
النسيجية من غزول وأقمشة وملابس جاهزة
والتي تتمركز بشكل رئيسي في حلب).
ويرى عدد من رجال الأعمال أن البرنامج لم
يؤد إلى نتائج إيجابية معظم الأحيان وزاد
من كلفة استيراد السلع، وذلك بحسب اتحاد
غرف التجارة.
الجردي ينظر إلى هذا الموضوع من جانب
مختلف، لا يقل أهمية عن وجهات النظر
الأخرى، ويؤكد على نقطة مهمة جداً وفيها
الجواب الشافي لهذه القضية، ويقول: (إن
جميع المستوردين لبضائع محترمة ومن شركات
محترمة لم تتأثر قيمة مستورداتهم بالنظر
إلى ضآلة الرسوم المسددة، أما المستوردون
الآخرون فقد تأثروا كثيراً إلى مرحلة
إرهاق الطلبية بخسائر محققة لأن إجراء
الاختبارات مكلف جداً، ولن تقوم به تلك
الشركات لأنه سيثبت عدم المطابقة).
القياس بالمسطرة ذاتها:
يتهم البعض برنامج الرقابة على المستوردات
أنه أدى إلى زيادة أسعار السلع في
الأسواق، ويحاول البعض أن يرسخ هذه
المقولة رغم أن الرسوم التي تتقاضاها
الشركات بسيطة جداً، (25) بالألف. يقول
الجردي: (إن البرنامج أدى إلى عدالة
المنافسة في الأسواق بين المنتجات المحلية
والمستوردة نفسها، لأن الذي تم عرضه هو
السلعة الجيدة حصراً، وليس العكس، ولا
يوجد أي مبرر للقول بأن الأسعار زادت).
مدير عام هيئة المواصفات والمقاييس وفيق
الجردي الذي حاول إقناع المستوردين بأهمية
البرنامج قبل إطلاقه كان يستند في رأيه
إلى أن البرنامج يوفر منافسة عادلة
وحقيقية للمنتج المحلي، واليوم بعد مضي
هذه الفترة من عمل البرنامج توجه (أبيض
وأسود) سؤالها للجردي إن كان قد تحقق ذلك؟
فيرد: (نعم تحقق ذلك، وبكل وضوح)، ويدلل
على رأيه بهذا المثال: (قميص من منشأ صيني
غير مراقب، وهذا يعني أن تركيب قماشه
وغيرها من المواصفات غير معروف، بينما
قميص شكله جيد بسعر «100» ليرة، وهذا
موجود فعلاً يقابله قميص وطني مكتوب على
بطاقة بيانه المعلومات المطلوبة بسعر
«300» ليرة مثلاً. ولكن عند الغسيل
والاستعمال يظهر الفرق، وبوجود البرنامج
القميص الصيني أو غيره عديم الجودة لن
يدخل، بل يدخل الجيد والمقارنة تكون على
أساس الجودة والسعر، وعلى هذا يمكن
القياس).
لا تعاون مع المخالفين:
نجاح برنامج الرقابة على المستوردات أو
فشله يتوقف على حالة واحدة فقط، هي
التعاون بين المستوردين والشركتين والجهات
المعنية الأخرى، والضامن لكل هذا هو قانون
البرنامج وتعليماته التنفيذية الذي يحدد
العلاقة، ويعطي الصلاحيات لكل جهة. يقول
الجردي: إن كان هناك تعاون من المستوردين
لإنجاح عمل البرنامج: (كان التعاون على
أشده من المستوردين للمواد الجيدة المنتجة
لدى جهات تطبق أنظمة الجودة والمواصفة،
لأن البرنامج ميز هذه البضائع عن غيرها
التي لم يتم إدخالها، ووحد النظرة للمطروح
في السوق وخاصة لجهة المنشأ). ويضيف: (أما
المستوردون الآخرون من يقومون باستيراد
بقايا مستودعات وتصفيات العروض
و(الستوكات) فلا يوجد تعاون منهم لأنهم لم
يتمكنوا من إدخال هذه البضائع).
حلقة جديدة:
الرقابة على المستوردات تتجاوز حدود
(البزنس) لتكون حلقة من حلقات ضبط
المستوردات، لكن العبرة دائماً بآليات
التطبيق التي ليست بالضرورة أن تكون
صحيحة، فالمستوردات تحتاج رقابة لوضع حد
للفلتان غير المقبول لتدفق السلع المشكوك
بجودتها وصلاحياتها. |