من يطمئن
من في لبنان؟ كيف يمكن كل من الافرقاء
تبديد مخاوف الآخرين وكيف يمكن تهدئة
خواطر اللبنانيين؟
في المؤتمر الصحافي الذي عقده قبل يومين
اعلن الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن
نصرالله انه حصل من رئيس الحكومة سعد
الحريري على تعهد انه سيخرج الى العلن في
حال اتهام القرار الظني للمحكمة الدولية
عناصر من الحزب باغتيال والده لكي يستوعب
هذه المسألة. وخرج رئيس الحكومة بدوره
ليعلن ان لا خوف من فتنة مذهبية ولا من
حرب اسرائيلية نافياً صحة ما جرى تداوله
من سيناريوات ارعبت اللبنانيين. ويكشف
وزراء ان وزيري "حزب الله" في الحكومة
محمد فنيش وحسين الحاج حسن حاولا في
الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء ان يوضحا ان
خطاب السيد نصرالله التصعيدي كان موجهاً
الى الاسرة الدولية وليس الى الداخل
اللبناني. كما فهم من بعض المداولات ان
الحزب حريص على حكومة الوحدة الوطنية التي
كانت مطلبه على اساس ان اي خيار آخر ليس
مفيداً للبنان. وخصوصا ان كثرا يعتقدون ان
الحزب وحلفاءه يستفيدون من حسنات السلطة
بشكلها الحالي من دون سيئاتها في حين ان
وضع يدهم عليها دون الشركاء الآخرين امر
يدفع بلبنان نحو المجهول.
الا ان واقع الامور ان هذا الاطمئنان غير
كاف ولا احد يملك فعلاً اجوبة عما يمكن ان
يقبل عليه لبنان في ضوء التفاعلات حول
موضوع المحكمة وقرارها الاتهامي المرتقب.
والسيد نصرالله لم يعط اجوبة واضحة بل
ابقى التساؤلات حول هذه النقطة كجزء من
الضغط الذي ينوي ممارسته على الخارج عبر
الداخل اللبناني. فمن جهة يبدو الحزب في
حاجة الى طمأنة الداخل اللبناني له بكل
فئاته ان القرار الاتهامي لا قيمة له
والتسليم بتسييسه مسبقاً. في حين يحتاج
الافرقاء الآخرون الى الاطمئنان الى عدم
سعي الحزب الى استخدام سلاحه مرة جديدة
لوضع اليد اكثر على الدولة اللبنانية عبر
مجموعة مواقف تطيح الحكومة كما تهدد الامن
مجددا وتضع البلد على شفير حرب اهلية
جديدة كما حصل في 7 ايار 2008.
ومن مفارقات الامور ان تعود سوريا في
المرحلة الراهنة الضامن للاستقرار الداخلي
في ضوء جملة عوامل بعضها داخلي والآخر
خارجي: احدها ارتياح دمشق الى تطور
علاقاتها الجديدة مع لبنان كما ارتياحها
الى علاقة قيادتها مع الرئيس الحريري
فضلاً عن ارتياحها الى استعادة جزء من
نفوذها بشروط افضل من شروط التحالف مع اي
جهة داخلية اكانت هذه الجهة "حزب الله" ام
القوى الاخرى التي تدور في فلكه. ويثق كثر
انه يهم سوريا ان تظهر للمجتمع الدولي هذه
المكاسب واستعادتها دورها كعامل استقرار
في لبنان بعدما اعتبرت في الاعوام القليلة
الماضية عامل زعزعة والدور الذي ظهرته
اخيرا على خط العراق والتعاون مع تركيا
لهذا الغرض وعودتها محط اهتمام اقليمي
ودولي امر يعتقد كثيرون أنه من الصعب ان
تفرط به مجدداً.
وقد فهمت المطالعة التي قدمها السيد
نصرالله في مؤتمره الصحافي عن علاقة قوى
14 آذار وسوريا في اطار ضرورة التزام
الاخيرة جانبه بكل قوة وليس في الوسط من
خلال العلاقات الجديدة مع الحريري. اذ
يخشى قريبون من الحزب ان تكون سوريا على
خط العرب في لبنان في مقابل الخط الايراني
مثلما هي في العراق حالياً. اذ انه وعلى
رغم التحالف الاستراتيجي بين ايران
وسوريا، فان معطيات كثيرة تحدث عن عدم
تطابق كلي في سياسة الجانبين. وهذا الأمر
يترجم في العراق راهناً ولا يعتقد ان
سوريا يمكن ان تغطي تحركاً امنياً جديداً
لـ"حزب الله" كما في 7 ايار 2008 لأن وضع
الحزب يده على السلطة يرجح غلبة المنحى
الايراني على المنحى السوري في حين ان
الصفحة تقلب في لبنان لمصلحة دمشق.
لكن كثراً يعتقدون ان الامر محفوف بخطر
شديد وسط استغراب عن مؤامرة خارجية لاشعال
الفتنة والكلام على تحرك غير سياسي يقوم
به "حزب الله"، في حين ان الفتنة ينجر
اليها الافرقاء اللبنانيون بالذات في ظل
كلام مماثل. اضف الى ذلك بروز هشاشة
المواقع والمؤسسات الرسمية باعتبار ان ما
يجري او يتم التلويح به يحصل على نحو علني
مما يشير الى احتمال سقوط مواقع السلطة
ومؤسساتها ما دام ثمة عجز واضح في التصدي
لها علنا وواقعا. وهذا العجز الرسمي وغير
الرسمي في استيعاب الامور ومنع التهديدات
من التصاعد لا يبشر بالخير بالنسبة الى
كثر وذلك قياسا بتجربة الاعوام الماضية.
اذ تبدو شخصيات قريبة من "حزب الله" واثقة
من ان الضغط المستمر السياسي اولاً ثم غير
السياسي لاحقا سيؤدي الى هدفه بطريقة او
بأخرى كائنا من كان الذي يدفع الثمن اي
الرئيس الحريري من خلال تخليه عن معرفة من
قتل والده مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات
على موقعه على مستويات عدة او رئاسة
الجمهورية من خلال عدم قدرة الرئيس ميشال
سليمان لاسباب واقعية وموضوعية على منع
الانزلاق الى الفتنة التي يهدد بها بعض
الافرقاء في الداخل.
ولذلك فان الكلام على طمأنة من هنا او
هناك يبدو واهياً ولا معنى له في الواقع
رغم اهميته وضرورته وتقول الشخصيات
القريبة من "حزب الله" انها تأمل في ان
يؤدي الضغط السياسي والكلامي مفعوله
باعتباره انذاراً وتحذيراً للمرحلة
المقبلة تماما على ما مهد الحزب لمواقف
كثيرة في الاعوام القليلة الماضية. اذ ان
منطق الامور كان يدفع الى استبعاد
سيناريوات تصعيدية تبين لاحقاً انها تخطت
المنطق الذي لا يزال كثر يؤكدون انه يسود
الواقع السياسي في لبنان في حين ان الامر
ليس كذلك. |