يحرص لبنان الرسمي على الحد من الأضرار
الناجمة عن خياراته «الاضطرارية» في إدارة
الظهر لـ «الاجماعين» العربي والدولي حيال
الملف السوري، وتبديد الانطباع حول «تمرده»
على القرارات الدولية، لا سيما التزامه
بالمحكمة الدولية.
ويفيد لبنان الرسمي من وجوده في نيويورك
لإطلاق ما يمكن وصفه بحملة «علاقات عامة»
في اتجاه تصحيح الصورة، عكستها الى حد
بعيد مواقف اعلنها رئيس الجمهورية ميشال
سليمان في حوار تلفزيوني من نيويورك التي
قصدها امس رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
وثمة من يعتقد ان المأزق المتعاظم لنظام
الرئيس السوري بشار الاسد من جهة والمآزق
المماثلة التي يواجهها «حزب الله» على
المستويين الداخلي والاقليمي جعلت لبنان
الرسمي اكثر قدرة على الافلات من الضوابط
السابقة التي حكمت الوقائع في لبنان اخيراً.
وفي تقدير بعض الاوساط ان الاهتزاز
المتزايد في مكانة نظام الاسد على
المسرحين الداخلي والدولي افضى الى تراخي
قبضته في لبنان، وان المتغيرات «الصامتة»
في اللعبة السياسية في لبنان تساهم في
تكبيل «حزب الله» وجعله اكثر براغماتية في
التعاطي مع توجهات يعارضها.
وفي ظل هذا المناخ، انتقلت الملفات
اللبنانية ذات الامتدادات الدولية الى
نيويورك التي قصدها ميقاتي بعدما انهى
رئيس الجمهورية زيارته لها.
ومن المقرر ان يلتقي رئيس الحكومة الأمين
العام للأمم المتحدة بان كي مون ورؤساء
عدد من الوفود المشاركة في اجتماعات
الدورة الحالية للجمعية العامة السادسة
والستين للأمم المتحدة. كما سيترأس بعد غد
اجتماعات مجلس الأمن الدولي، بصفة لبنان
رئيس الدورة الحالية للمجلس، وستكون له
كلمة في هذه الاجتماعات تتناول التطورات
الراهنة في الشرق الأوسط.
واذا كان ميقاتي يحمل معه الى نيويورك
عناوين عدة بينها ما يتصل بحق لبنان في
ملف النفط والغاز في المنطقة الاقتصادية
اللبنانية الخالصة في البحر المتوسط، فان
عنوان المحكمة الدولية التي اكد الرئيس
سليمان الالتزام بها من على اعلى منبر
دولي خلال كلمته امام الجمعية العامة
للامم المتحدة، سيحضر في محادثات ميقاتي
الذي كان تعهّد امام بان ومسؤولين دوليين
آخرين بتمويل المحكمة وفق «مخرج ما» يتم
العمل عليه في بيروت على قاعدة عدم إحراج
«حزب الله» الذي يعتبر المحكمة «اسرائيلية»
وفي الوقت نفسه عدم إخراج الحكومة عن
الشرعية الدولية واستدراج مواجهة مع
المجتمع الدولي الذي وجّه رسائل حازمة الى
لبنان من مغبة عدم الوفاء بالتزاماته
الدولية سواء في ما خص القرار 1701 او الـ
1757 (انشاء المحكمة).
وفي حين ذكّرت السفيرة الاميركية في بيروت
مورا كونيللي عبر بيان الرئيس ميقاتي عشية
مغادرته بيروت بـ «مبادرات لبنان لتنفيذ
التزاماته بموجب قرار مجلس الامن 1701»،
أطلق الرئيس سليمان من نيويورك سلسلة
مواقف في إطلالة عبر تلفزيون «ام.تي.في»
اذ اكد «ان لبنان يلتزم قرارات الشرعية
الدولية» لافتاً الى ان المحكمة الدولية
لا تشكّل خطراً على لبنان، وموضحاً «ان
التمويل هو التزام من الحكومات السابقة،
وعندما تلتزم بالمحكمة يعني انك تلتزم
بالتمويل. وفي رأيي يجب الا يوجِد هذا
الامر مشكلة، ونحن سنعمل كي لا يوجِد
مشكلة».
واذ رأى سليمان «ان الحكومة بدأت تحقق
نجاحات»، تدارك «الا ان هناك تعثرا في
الاداء، فالحكومة ليست منسجمة تماما ولكن
عندما يسود منطق العقل ينسجم الجميع
والمثال ما حصل من انسجام في قانون
الكهرباء».
وحول الأحداث في سورية، قال «ان لبنان مع
الديموقراطية ومع التحول الديموقراطي
ونفضل ان يحصل ذلك بهدوء من دون اقتتال».
وفي حين عبّر عن قلقه على الوضع في سورية،
أمل ألا ينعكس الوضع الداخلي السوري على
الوضع اللبناني باعتبار أن الاضطرابات
فيها تربك كل اللبنانيين، الا انه اشار
الى انه لا يوافق على الحل الامني وقال: «نحن
ضد العنف في حل الامور ومع الحوار لحل
الامور».
وردا على سؤال قال: «لم يقل لي أحد بشكل
واضح خلال لقاءاتي بالأمم المتحدة ان
الرئيس بشار الأسد انتهى، ولكن هناك
امتعاض مما يحصل».
وأشار الى انه على تواصل دائم مع الأسد «وأنا
دائما اشجعه على الديموقراطية وعلى السير
نحوها، وأعبّر له دائما عن المخاوف التي
لدينا، وهو قام بعدة اصلاحات، لكنها على
الأكيد ليست كافية بالنسبة لمطالب الناس،
أنا أشجعه على المضي بالاصلاحات وعلى بحث
المواد الدستورية وهو ليس بعيدا، لأن كل
الدول تريد استباق المطالب، والقادة الذين
لا يستطيعون القفز فوق هذا الموضوع
والقيام بإصلاحات سيدفعون الثمن ونحن منهم».
وفي موازاة الاهتمام بالملفات اللبنانية
ذات الطابع الدولي، يحتلّ البطريرك
الماروني بشارة الراعي مجددا المشهد
الداخلي وهذه المرة من خلال الجولة الاولى
من نوعها في مناطق جنوبية التي بدأها امس
وتستمر حتى يوم غد وتشمل زيارة قرى مسيحية
متاخمة لـ «الخط الأزرق» وبلدة الخيام بما
في ذلك المعتقل السابق وصولاً الى مقر
قيادة «اليونيفيل» في الناثورة، بالاضافة
الى صور ومرجعيون والزهراني والنبطية
وغيرها.
ومنذ بدء الجولة في صور، بدا الاحتضان
الشعبي والسياسي للبطريرك من «حزب الله»
وحركة «امل» التي يتزعمها الرئيس نبيه بري
الذي يقيم غداء على شرف الراعي في دارته
في المصيلح غداً، في مشهد بدا «مستنسخاً»
عن الذي رافق جولة رأس الكنيسة المارونية
«الويك اند» الماضي في البقاع التي أطلق
منها مواقف من الوضع في سورية وسلاح «حزب
الله» اعاد معها تثبيت الكلام الذي كان
قاله في باريس والذي اثار «عاصفة»
انتقادات في بيروت لاسيما من مسيحيي 14
آذار، قبل ان يقرر هؤلاء سحب فتيل
«المواجهة» مع بكركي واختيار منطق «الردّ
المدوْزن» عبر تظهير الموقف المضاد من دون
ان يبدو رداً بالمباشر على الراعي.
وفي اولى محطاته في الجنوب (مدينة صور
وقانا)، دعا الراعي المسيحيين والمسلمين
الى الشراكة والمحبة لبناء الوطن والحياة
الاجتماعية. وقال: «الامام موسى الصدر حي
في افكارنا وقلوبنا، والله جعل هذه
المنطقة حرابا لتحمينا وتدفع عنا الشرور».
بعدها توجه الراعي الى بلدة علما الشعب
لزيارة كنيسة سيدة المولد، ثم الى مقر
«اليونيفيل» في الناقورة فبلدة القليعة.
وفيما كان البطريرك، الذي يستعد لزيارة
مهمة للولايات المتحدة مطلع الشهر المقبل،
يبدأ جولته في الجنوب، كانت تقارير في
بيروت تشير الى ان السفيرة الاميركية في
بيروت كانت ابلغت اليه اخيراً انزعاج
بلادها من التصريحات التي اطلقها في
الآونة الاخيرة، ولا سيما ما يتصل بكلامه
حول «حزب الله» واعتباره سلاحه نتيجة
للاحتلال الاسرائيلي ومانعا للتوطين في
لبنان. وتوجهت اليه قائلة: «كيف تتحدث
بهذه الطريقة عن «حزب الله»، وهو حزب
ارهابي»، فرد الراعي قائلا: «إنه ارهابي
بنظركم.. صحيح ان هذا الحزب يحمل السلاح،
ولكن هناك ارضا لبنانية ما زالت محتلة،
وهناك احتلال اسرائيلي ايضا يجب ان يزول،
ولو أن المجتمع الدولي والولايات المتحدة
ساعدوا لبنان وحملوا اسرائيل على تطبيق
القرارات الدولية لما كانت هناك مشكلة
اسمها سلاح «حزب الله». |