في العام 2005، يوم كان لبنان يهتز على
وقع زلزال اغتيال رئيس الحكومة السابق
رفيق الحريري، امضى نجيب ميقاتي 90 يوماً
على رأس حكومة كان هدفها ضمان «الانتقال
السلمي» للسلطة، فرفع الجميع في الداخل
والخارج «القبعة» لهذا السياسي الآتي الى
نادي «رؤساء الحكومات» من عالم الاعمال،
فهو حقق «فوزاً نظيفاً» مكنه من اطفاء
الحريق قبل اشتعاله.
غير ان ميقاتي «الوسطي ـ التوافقي» تأبط
امس مرسوم تكليفه بتشكيل حكومة جديدة وسط
دخان حريق «اشتعل» في وجهه مما يجعل مهمته
الصعبة اشبه بـ «المستحيلة»، بعدما بدأ
الاعتراض عليه ومن «بيئته الحاضنة» قبل ان
يبدأ «مغامرته» في لحظة انقسام وطني حاد
امتد الى مدينته (طرابلس) والى «بيته
السني».
لا خصومات «فاقعة» لميقاتي في بلاد غالباً
ما تحكمها الصراعات حول كل صغيرة وكبيرة،
فـ «فن الممكن» الذي برع في تجسيده مكنه
من الوصول مع الجميع وعدم القطع مع احد.
ورغم «عداواته» المستجدة بسبب ملابسات
ترشحه في وجه «حليفه» رئيس الحكومة «السابق»
سعد الحريري، فإن احداً لم يتناول ابن
العائلة الطرابلسية المحافظة بسوء،
و«خصومه الجدد» اخذوا عليه «الدور الذي
اسند اليه» في اقصاء الحريري كأبرز
الزعماء الحاليين لـ «السنة اللبنانيين».
لم يخرج «دولة الرئيس» عن رباطة جأشه تحت
وطأة مظاهر «يوم الغضب» الذي انفجر في
وجهه في مدينته طرابلس وهو في طريقه الى
القصر الجمهوري لتسلم مرسوم تكليفه تشكيل
حكومة قد لا تبصر النور قريباً، لكنه ادرك
بطبيعة الحال ان بين يده «كرة نار»، اما
ان ينجح في اخمادها واما يحترق بها، وعينه
على الآتي الاصعب من الصعب.
في الايام العجاف غالباً ما يستعيد المرء
«ماضيه الناجح» سلاحاً لعبور المصاعب.
ونجيب ميقاتي، ابن الـ 55 عاماً. جدّ وكدّ
فاحتل المرتبة الـ 12 في لائحة اكثر
الاثرياء العرب ثراء، بحسب مجلة «فوريس»
في طبعتها لـ 2010، فهو يملك ثروة قيمتها
2.5 مليار دولار، وتضاهي «حليفه اللدود»
سعد الحريري البالغة 1.9 مليار دولار.
لم تأت هذه الثروة من «الصدفة» بل هي «بنت»
تجربة تختزلها حكاية عائلة عصامية من شمال
لبنان. فعزمي ميقاتي، والد رئيس الحكومة
المكلف نجيب ميقاتي، كان في الرابعة عشرة
من عمره يوم زار بيروت للمرة الاولى العام
1928 . في ذاك اليوم اكتشف وجود الكهرباء
في بيروت على عكس طرابلس مسقطه. بات ليلته
في الفندق دون ان تغمض له عين، يضيء النور
ويطفئه. وبعد سنتين قصد بيروت للدراسة
فالتحق بمدرسة «البعثة العلمانية الفرنسية»
(MISSION LAIQUE FRANCAISE) في القسم
الداخلي، ونال شهادة البكالوريا التجارية
وعاد ادراجه الى مدينته الشمالية.
الا انه رغم حبه لـ «الفيحاء» (مدينة
طرابلس)، عاد ثانية الى بيروت بحثاً عن
فرص عمل فقطن فيها منذ العام 1940 حيث
مارس اعمال التجارة واسس متجراً في شارع «فوش»
وسط بيروت للأرز والسكر والسمن بقيت
ابوابه مشرعة الى حين وقوع الحرب
اللبنانية العام 1975 وتدمير الاسواق.
لم تسلخ بيروت عزمي ميقاتي عن مدينته
الطرابلسية، وارد ان يكون هذا حال اولاده
الذين ولدوا وترعرعوا في العاصمة، فكانت
العائلة تمضي عطلة نهاية الاسبوع في
مسقطها شتاءً، وفي حصرون (قضاء «بشري»
صيفاً ما عزز اواصر العلاقة بين ابنائه
ومنطقتهم والانتماء اليها.
تربى نجيب ميقاتي في كنف اسرة ضمت سبعة
اولاد. خمس بنات وشقيقا يكبره بعشرة اعوام.
ابصر النور في 24 نوفمبر 1955 ليأتي
ترتيبه السادس في الهرم العائلي. كان اهله
يصفونه بـ«العنيد» وبرزت تلك السمة فيه
جراء رفضه الدائم الذهاب الى المدرسة حتى
اكتشافه السبب لاحقاً، فمدرسته «الليسيه
الفرنسية»، كانت في اواخر الخمسينات قديمة
البناء، بشعة المعالم، تلف العتمة صفوفها،
وكان كلما دخلها يصاب بحال من الانقباض
والانزعاج من دون القدرة على التعبير او
ادراك الاسباب، الى ان انتقلت المدرسة في
منتصف السنة الدراسية الى بناء جديد ضخم
ابيض اللون جميل وفسيح، فاذا بالمشكلة
تنتهي وتنقلب حباً للذهاب الى المدرسة
التي باتت تعرف بـ «الليسية الكبيرة»
(GRAND LYCEE).
امضى في «الليسية الكبيرة» سنوات دراسته
حتى البكالوريا القسم الاول حيث رسب سنته
الدراسية العام 1973 نتيجة «طيش الشباب»
من جهة وصعوبة المنهج من جهة ثانية،
فانتقل الى مدرسة «الليسية اللبنانية» (LYCEE
LIBANAIS) في فرن الشباك، وكأن شيئاً لم
يحصل ومن دون ان يعتريه شعور بالفشل
والاخفاق او بالندم والخجل. وحين حلّ عيد
ميلاده الثامن عشر، قدم له والده سيارة
فتأثر نجيب بمبادرة الاب وكيف انه لم
يحرمه ويعاقبه على اخفاقه في الدراسة،
فكان ان شكلت تلك الواقعة نقطة تحول في
مسيرته الدراسية التي ارتدت ايجاباً عليه
في المرحلتين الثانوية والجامعية.
ترعرع نجيب ميقاتي في اجواء اسرة مؤمنة
تلتزم واجباتها الدينية من صلاة وصوم،
لكنها اجواء بعيدة عن التعصب الديني
الاعمى، منفتحة على حبّ الآخر واحترامه،
وهو ما اكتسبه الفتى في بيته ومدرسته
العلمانية المتنورة. واذا كان عزمي ميقاتي،
الراعي الفعلي للاسرة الذي رسم الثوابت
والاسس لاولاده، فان الوالدة سعاد الغندور
شكلت الركن الاساسي في حياة الفتى الذي
حين كبر وجد شقيقه طه يلعب الدور الابرز
في حياته ويترك عليها بصماته الواضحة.
وكان طه تخرج من الجامعة الاميركية في
بيروت مهندساً مدنياً وسافر العام 1968
الى ابو ظبي للعمل في مجال المقاولات،
وحين انهى نجيب البكالوريا القسم الثاني
العام 1975 ، التحق بالجامعة الاميركية،
لكن تدهور الاوضاع في بدايات الحرب
اللبنانية دفع اهله الى الانتقال الى ابو
ظبي، حينها سافر الى جامعة فلوريدا في
ولاية ميامي بعدما اقفلت الجامعة
الاميركية ابوابها.
لم يمر نحو شهر ونصف شهر، حتى هدأت
الاوضاع وعاد اهله الى لبنان قاصدين
طرابلس. انقطعت اخبار الاهل فانشغل باله
ولم يفلح في الاتصال بهم فهاتف خاله في
باريس، وما ان باشر الحديث حتى سأله
(خاله) عن حال امه، ظناً منه ان المتصل هو
طه. عندما ادرك نجيب، الذي تربطه علاقة
مميزة بوالدته، ان في الامر سوءاً، فأسرع
الى جمع اغراضه وترك دراسته عائداً الى
طرابلس عن طريق دمشق. فاذا به يجد امه
التي لم تتجاوز الخمسين مريضة ومصابة بشبه
«فالج». انتعشت والدته وبدأت حالتها
الصحية تتحسن تدريجاً الى ان شفيت من
العارض الذي اصابها. كان الاطباء يرددون
على مسمعه انها شفيت حين عاد. لم يشأ
الابن المدلل ان يبتعد عن امه، فعاد
والتحق بالجامعة الاميركية، بعدما خسر سنة
دراسية كاملة.
انهى تخصصه في ادارة الاعمال عام 1979
وحاز على شهادة ماجستير في العام 1980 .
وكان طبيعياً لدى مباشرته حياته المهنية
ان يعمل مع شقيقه في مجال المقاولات. فرغم
ان طه ميقاتي كان دخل هذا القطاع قبله
واسس شركته الخاصة، الا ان الاخ الاكبر
كان يعتبر ان تلك الشركة هي له ولشقيقه.
عمل الاثنان بداية في المقاولات في لبنان،
لكن نجيب اراد لاحقاً ان يؤسس هو واخوه
شركة جديدة بحيث يكون هو صاحب الفكرة.
فكان ان انشأ الاثنان مع شريك ثالث شركة
اتصالات العام 1980 تعاطت حقل الاجهزة
اللاسلكية. وتميزت لاحقاً «مجموعة ميقاتي»
برصيد كبير في لبنان حين اقدمت في خضم
الاحداث وانقطاع وسائل الاتصال بين لبنان
والعالم العام 1989 على تأمين الاتصالات
عبر خطوط «الساتيليت» حيث ملأوا الفراغ
الذي كانت تعيشه البلاد.
كانت تجارة مربحة جداً لآل الميقاتي،
استفادوا منها وافادوا في اللحظات الحرجة.
لكن تجارة حملت في طياتها جوانب تأرجحت
بين القانونية واللا قانونية بفعل الظروف
الاستثنائية، كما حملت مخاطر استثمارية
كبرى نتيجة الوضع غير المستقر.
مع انتهاء الحرب وعودة الامور الى طبيعتها
وتشريع الاتصالات الخليوية في لبنان،
تشاركت «مجموعة ميقاتي» العام 1992مع
«فرانس تليكوم» في هذا القطاع، نظراً
لحاجة الاخيرة الى شريك محلي له خبرة
واسعة في السوق اللبنانية. كانت نسبة آل
ميقاتي 33 في المئة من اسهم الشركة
الوطنية، ولم تكن شراكتهم بالأمر السهل
نظراً الى ما يصفه ميقاتي بـ «الفيتوات
السياسية» آنذاك عليهم. غير ان الاصرار
الفرنسي المنطلق من معرفة وخبرة آل ميقاتي
بهذا الحقل امن دخولهم بما عرف لبنانياً
بشركة «سليس» التي تقاسمت عالم الخليوي في
لبنان مع شركة «ليبانسيل» نحو عشرة اعوام
قبل ان تدخل الشركتان في نزاع مع الدولة
وتلغي الامتيازات المعطاة لهما.
كان الاخوان ميقاتي انصرفا منذ العام 1989
الى التركيز على قطاع الاتصالات وتصفية
اعمالهما في مجال المقاولات سواء في لبنان
او في ابو ظبي والسعودية التي توسعا
اليها. لكن وجودهما لم يكن مقتصراً على
لبنان بل امتد مع «فرانس تليكوم» الى
العمل في مصر وسورية ولندن وباريس
ونيويورك ومونتي كارلو والسعودية والخرطوم
ودول افريقية.
في رأي نجيب انه يخوض وشقيقه طه تجربة
مميزة مثيرة في مجال الاعمال التي تطبعها
السمة العائلية. وكان في العام 1987 التحق
بجامعة هارفارد في برنامج مخصص للاشخاص
الذين يملكون شركات ويديرونها بانفسهم لا
سيما وان 67 في المئة من الشركات
الاميركية هي شركات عائلية. وفي احدى
المرات عرض لتجربته في العمل مع شقيقه.
كانت المادة تعالج كيفية التعامل بين
افراد العائلة اذا كانت الشركة عائلية.
اخذ كل طالب يروي تجربته، وبينهم من قال
انه طرد والده من الشركة بعدما فرغ له
الاسهم، وآخر روى كيف ان والدته تحولت الى
«حائط مبكى» في العلاقة بينه وبين والده،
وثالث قال ان والده اذا اراد شيئاً منه لا
يقوله مباشرة بل يطلب من والدته ان تنقله
له. لخّص الطالب نجيب تجربته بالاشارة الى
انه مضى عليه عشرة اعوام يعمل وشقيقه، ان
العلاقة جيدة جداً، ولا يعتقد ان صداماً
او خلافاً يمكن ان يقع في يوم من الايام،
فسأله الاستاذ والطلاب: كيف تعرف ذلك
ولماذا تبدو واثقاً ان لا مجال لحصول خلاف
بينكما؟ فرد ميقاتي: لقد ارسى والدي
«معادلة» بسيطة جداً لنا، قوامها الآتي:
ان الأخ الاكبر يجب ان يدير باله على
الاصغر، وان الاصغر عليه ان يحترم الاكبر.
هذه المعادلة تسير معنا على احسن ما يرام.
وكل يوم يسألني اخي الاكبر: كيف حالك ما
اخبارك، وانه حاضر لمساعدتي اذا كنت في
حاجة الى شيء. وانا في المقابل احترم اخي
مهما حصل، واحترم قراره وشخصه. تفاجأ
الطلاب كما استاذه الذي لم يبد اقتناعاً
كبيراً بهذه المعادلة وامكان ان تكون
قابلة للحياة. التقى ميقاتي باستاذه
لاحقاً مرات عدة وكان في كل مرة يسأله ما
اذا كانت «المعادلة» لا تزال قائمة. فيرد
عليه ايجاباً ويعلق الاستاذ: «انها
اعجوبة». في المرة الثالثة، بدأ الاستاذ
يبدي علامات اقتناع «بالمعادلة
الميقاتية»، اذ لابد ان يكون مرتكزها
صحيحاً ما دامت برهنت القدرة على
الاستمرار على مدى ربع قرن.
ينظر الى اخيه طه على انه الاب والاخ
والمرشد. تأثيره كبير على حياته، لا
يتوانى عن التأكيد باستمرار ان طه افضل
منه بكثير وانه اذا كان لديه من صفات
حسنة، فهو اكتسبها من شقيقه، ويجب ان
«يقلده»، اذ يعتبر ان حياة طه هي للغير
وليست له. تشعر بوجود قدر كبير من
المبالغة في وصف العلاقة بين الشقيقين،
لكن المرء يتفاجأ اكثر حين يرى كيف ان طه
يتحدث بدوره عن شقيقه الاصغر.
فحين تسأله لماذا تم اختيار شقيقه للمنصب
الوزاري ولم يتم اختياره رغم انه الاكبر
فيجيب: «نحن لسنا عائلة تتعاطى العمل
السياسي بالوراثة. الافضل يجب ان يتولى
المنصب. ونجيب افضل مني، هذه هي المسألة
باختصار». كان الشقيقان ميقاتي ناقشا
العام 1992 مسألة الانخراط في الشأن العام
قبيل انتخابات غرفة التجارة والصناعة في
بيروت وامكان ترشح احدهما. ببساطة حسم طه
الموضوع: «اذا كان هناك من احد سيتعاطى
الشأن العام، فهو انت». قال لنجيب. ومنذ
ذلك العام بدأت رحلة نجيب في الحياة
العامة. نجح في انتخابات الغرفة واعطته
تجربة وخبرة واكتسب الكثير من رئيس الغرفة
عدنان القصار لا سيما الاصرار والعزم على
تحقيق ما يراه مناسباً وكيفية ادارة
الاجتماعات والمباحثات مع الوفود
الاجنبية، خصوصاً انه شغل منصب رئيس
اللجنة الاقتصادية في الغرفة التي عاد
وفاز في انتخاباتها العام 1996 قبل ان يتم
تعيينه في العام 1998 وزيراً للاشغال
العامة ويعاد تعيينه مرتين على التوالي
حتى العام 2004، حيث غاب عن الوزارة مع
تسلم الرئيس عمر كرامي رئاسة الحكومة هو
الذي لم يستطع تقبل وجود عائلات تخرج
لتتعاطى السياسة والشأن العام بعيداً عن
عباءة الزعامة الطرابلسية الكرامية
والعائلات السياسية التقليدية!.
لا شك ان اسئلة كثيرة كانت تدور حول تحوّل
ميقاتي ثابتة من الثوابت الوزارية السنية
منذ مجيء العماد اميل لحود الى سدة
الرئاسة الاولى العام 1998 . لقد سعى
الشاب الطرابلسي منذ دخل عالم تعاطي الشأن
العام الى البقاء على علاقة جيدة وطيبة مع
مختلف القيادات السياسية، لدرجة ان كثيرين
اخذوا عليه لاحقاً ديبلوماسيته في التعاطي
التي يصعب معها تحديد موقفه الفعلي في
مسألة ما او طلب معين محدد.
ربطته سابقاً علاقة جيدة مع رئيس الحكومة
السابق سليم الحص الذي كان يتردد عليه
للاستماع الى رأيه في المواضيع الحساسة
والقضايا المهمة. كما ربطته في فترة من
الفترات علاقة مماثلة مع الرئيس السابق
للبرلمان حسين الحسيني، الذي كان ميقاتي
قبل ان يدخل النادي الوزاري احد الجالسين
الدائمين في مجلس «السيد» الخاص، الذي
اكتسب ثقافته السياسية منه.
وميقاتي الحريص على مد الجسور مع الجميع،
ربطته علاقات مع القيادة السورية لا سيما
مع الرئيس بشار الاسد، وهي ساهمت في حفاظه
على منصبه الوزاري اضافة الى علاقته
الخاصة بالرئيس لحود حتى ان اسمه طرح
للتداول لرئاسة الحكومة بعد الانتخابات
النيابية العام 2000 ودخوله البرلمان
نائباً للمرة الاولى عن طرابلس بعد فوزه
على لائحة سليمان فرنجية في مواجهة حادة
مع لائحة كرامي.
سهام كثيرة اصابت الوزير ميقاتي الذي اتهم
بتسخير وزارة الاشغال العامة لخدمات
مناطقية وانتخابية ولحلفائه وعلاقاته
السياسية، وكثيرة هي السهام التي اصابته
ايضاً لوجوده في السلطة وتجيير علاقاته
الداخلية والاقليمية في اعماله الخاصة
لاسيما قطاع الخليوي، رغم ان ميقاتي يوم
عيّن في الوزارة، تفرغ لمسؤوليته الوزارية
وترك مسألة الاعمال الخاصة لشقيقه وابن
شقيقه والعائلة بعيداً عن تدخله المباشر.
سعى ميقاتي الى عدم احداث تغييرات في
حياته العائلية والاجتماعية فهو ابتعد
دائماً عن التماهي باللوحة الحكومية لان
«ما يأتي بمرسوم يذهب بمرسوم». وسعى الى
الحفاظ على نمط حياته التي يعيشها رغم
الضغوط الجديدة من جراء انخراطه في الشأن
العام.
تعرف على زوجته منذ ايام الدراسة في
الجامعة الاميركية وتزوج لدى نيله الاجازة
فيما كانت هي لا تزال تكمل دراستها، ورزق
نجيب ومي دوماني التي تعود جذورها الى
احدى القرى الحدودية السورية ـ التركية،
بمولودهما الاول ماهر قبل اسابيع قليلة من
تخرجهما في الجامعة، هي في العلوم
السياسية وهو حامل اجازة الماجستير وعادا
ورزقا بميرا ومالك.
ويطبع «السلوك العائلي» لميقاتي تقليد درج
عليه منذ العام 1976 ، فهو يومياً يزور
والدته صباحاً لدى وجوده في لبنان قبل
توجهه الى مكتبه، يقبّل يدها ويتناول
الفطور معها. وهذا التقليد استمر حتى
وفاتها في ابريل العام 2007 . ولم يكن اي
شيء يشغله عن زيارتها الصباحية، حتى انه
انتقل العام 1994 للسكن في المبنى الذي
تقطنه والدته بعد وفاة والده وذلك ليكون
قريباً منها.
كان نجيب ميقاتي يدرك انه بات صاحب حضور
قوي في مدينته طرابلس وفي منطقته الشمال
رغم انه لم يأت الى السياسة من بوابة
الإرث السياسي بل من بوابة المال والاعمال
والعلاقات السياسية المحلية والاقليمية
التي سهلت له الطريق، لكنه لم يكن حاسماً
في امكان دخوله الاكيد «نادي رؤساء
الحكومات» وإن كانت هذه الفكرة دغدغت
مشاعره قبل اعوام في ظل العلاقة المتوترة
بين رئيسي الجمهورية اميل لحود والحكومة
رفيق الحريري.
لكن مع اغتيال رئيس الحكومة الأبرز بعد
الطائف (1989) رفيق الحريري تغيرت
المعادلة السياسية اللبنانية عموماً، ففي
28 /12 /2005 قام الرئيس عمر كرامي بتقديم
استقالة حكومته بعد اسبوعين من الأزمة
المفتوحة التي خلفها اغتيال رفيق الحريري.
ولقد أعيد تكليف الرئيس كرامي تشكيل حكومة
جديدة، لكنه اعتذر عن عدم تأليف الحكومة
في 13 /4 /2005 . وحدّد رئيس الجمهورية في
حينه إميل لحود تاريخ 15 /4 /2005 موعداً
للاستشارات النيابية الملزمة لتسمية
الرئيس البديل وفي ضوء نتيجة الاستشارات
كلف رئيس الجمهورية النائب نجيب ميقاتي
تشكيل الحكومة، في ظل ترحيب داخلي وعربي
ودولي ملحوظ.
أجرى «دولة الرئيس» المكلف استشارات غير
ملزمة مع مختلف الأطراف النيابية
والسياسية والمرجعيات، وقد شملت
الاستشارات الهيئات الاقتصادية والعمالية
في سابقة أولى في لبنان. وفي 19 ابريل
2005 صدر مرسوم تسمية نجيب ميقاتي رئيساً
لمجلس الوزراء، ومرسوم تشكيل الحكومة.
وكان واضحاً للجميع أن الحكومة الجديدة هي
حكومة انتقالية مهمتها الرئيسية إجراء
الانتخابات النيابية في المواعيد المحددة
ومواكبة التحقيقات المحلية والدولية في
جريمة اغتيال رفيق الحريري.
ولقد تميّزت الحكومة بأن رئيسها وأعضاءها
التزموا عدم الترشيح للانتخابات النيابية،
وهم من غير الحزبيين، وقد وصفها الرئيس
ميقاتي بأنها «حكومة اللا أحقاد وبداية
صنع المستقبل».
ولقد انعقد البرلمان يومي 26 و 27 ابريل
2005 لمناقشة البيان الوزاري وتم التصويت
على الثقة بالحكومة حيث نالت «رقماً
مرموقاً» بلغ 110 أصوات. وتمكنت الحكومة
من تحقيق وعودها لجهة التعاون مع لجنة
التحقيق الدولية ، وإجراء انتخابات
ديموقراطية في مواعيدها، وقد أثنت الجهات
المحلية والدولية المختلفة على النزاهة
وحسن الإدارة، بما فيها البعثات الدولية
التي راقبت سير الانتخابات.
وبين يومي 19-4 و19-7-2005 ، تسعون يوماً
من تجربة حكم «فريدة» في لبنان لرجل دولة
، قيل عنه أنه «حمل كرة النار وتمكن من
احتواء لهيبها ومنعه من الانتشار»، وترك
بصمات في منتهى الإيجابية، وغادر السرايا
الكبيرة وهو مرتاح الضمير.
في مقالته بعنوان «علمني لبنان» كتب يومها
ميقاتي: «سأكونُ للبنان على صورةِ ما
تعلّمتُ مِنْهُ؛ لا ضرورَة للمواقع، ولا
حتميّة للمناصب. أعتزُ بموقعي اليوم،
مستمراً في الحياة العامة». |