ما يجري في سورية يتردد صداه وبقوة في
لبنان، بل هو يطغى على كل ما عداه في
بيروت التي دخلت فعلياً في مرحلة «الاختبار
السوري» الصعب، لادراكها بان طلائع
العاصفة التي تهب على دمشق تضاهي في
ابعادها «الاستراتيجية» ما حدث من تحولات
في دول عربية اخرى، كتونس ومصر وليبيا
واليمن، فالمكانة «الجيو ـ سياسية» لسورية
تجعل من اي تغييرات فيها ذات نتائج من
طراز لا يشبه سواه.
فما يجري في سورية يعني، وبدرجة التأثيرات
عينها في دمشق، بيروت وغزة وطهران، وتل
ابيب ايضاً، فسورية «الاقليمية» لا يمكن
النظر اليها الا بـ «عيون ثلاث»، مكانتها
في الصراع العربي ـ الاسرائيلي كـ «حاضنة»
لقوى المقاومة (حزب الله في لبنان وحماس
في غزة)، نفوذها «المستعاد» في لبنان من
خلال «حزب الله» وحلفائه المحليين،
وتحالفها مع ايران مما جعل دورها جسر عبور
لنفوذ طهران في المنطقة وملفاتها.
ولأن كل ذلك هو الآن على المحك مع
الاحتجاجات التي توحي وكأنها «كرة ثلج» في
المدن السورية، فمن المرجح ان تكون بيروت
امام واحد من ثلاثة إحتمالات:
* إطفاء محركاتها الداخلية والذهاب الى «غيبوبة»
لن تصحو منها الا بعد إنقشاع الخيط الابيض
من الاسود في دمشق.
* إلتقاط حلفاء سورية، وفي مقدمهم «حزب
الله» فرصة مهددة بالضياع، من خلال
الاسراع في تعديل شروطهم لتمكين الرئيس
المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي من
إنجاز مهمته في غضون ايام لا يتجاوز عددها
«اصابع اليد» الواحدة.
* تدارك سورية لـ «الانقلاب السياسي ـ
الدستوري» الذي اطاح بحكومة الرئيس سعد
الحريري من خلال الايحاء لحلفائها بـ «إعادة
القديم الى قدمه» على النحو الذي من شأنه
خطب ود المملكة العربية السعودية والمجتمع
الدولي.
فالأنظار في بيروت مركزة الآن على سلوك
النظام في دمشق بعدما دهمته «اللحظة
الحرجة». ورغم الاعتقاد بأنه من النوع
الذي يصعب عليه «التقدم الى المواجهة او
التراجع امام الحركة الاحتجاجية»، فـ «الاختبار
اللبناني» لإتجاهات الريح في سورية سيكون
بالغ الدلالة، وسط اسئلة عما اذا كان
الرئيس بشار الاسد سيلجأ الى المواجهة
إنطلاقاً من اوراقه اللبنانية او الى
اطلاق رسائل للمجتمعين العربي والدولي بـ
«البريد اللبناني» عبر ترييح الوضع في
بيروت من خلال حكومة وحدة وطنية برئاسة
الحريري.
ورغم الايحاءات في بيروت بأن الرئيس الاسد
«شجع» على معاودة الحوار مع حركة «14 آذار»
في شأن تشكيل حكومة جديدة، لا سيما امام
الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، فإن الام لم
يتأكد حتى الآن، خصوصاً وان الرئيس ميقاتي
كان في الايام القليلة الماضية على وشك
اعلان حكومة «أمر واقع» من فريق «الأكثرية
الجديدة»، اي حلفاء سورية، لولا اعتراض «حزب
الله» و«التيار الوطني الحر» بزعامة
العماد ميشال عون.
غير ان اوساطاً واسعة الاطلاع في بيروت
قالت لـ «الراي» ان مضاعفات الحراك
المستجد في سورية تتجاوز بالتأكيد ما يثار
في شأن تشكيل الحكومة في لبنان، وتطرح ما
هو ادهى نظراً للواقع الجيو - بوليتيكي
لسورية، متسائلة عما اذا كان النظام في
دمشق يمكن ان يسلم بسهولة برفع الرايات
البيض امام طفرة التحولات التي تضرب
العالم العربي.
ولم تسقط هذه الاوساط، ذات الخبرة
الديبلوماسية، إحتمالات من النوع غير
العادي كلجوء النظام في سورية الى
الاحتياطي الاستراتيجي من اوراقه في
المنطقة لخلط الاوراق، كالذهاب الى حرب مع
اسرائيل انطلاقاً من غزة، الامر الذي من
شأنه تغيير الاولويات في العالم العربي
وتالياً قطع «حبل السرة» بين الثورات
المتدحرجة من مكان الى آخر.
وتستبعد تلك الاوساط إندفاع سورية الى حرب
مباشرة مع اسرائيل او عبر لبنان، لإبعاد
شبحها عن المضاعفات التي قد ترتد عليه، في
الوقت الذي يمكن لحرب بالواسطة عبر غزة ان
تفضي الى النتائج المرسومة لها، خصوصاً
اذا لم يأت التلويح السوري لاسرائيل
والغرب بفزاعة الفوضى في حال حصول اي
تغييرات، بالنتائج التي يراد منها حماية
النظام في دمشق.
ومن المفيد في هذا السياق اعادة التذكير
بما سمعته احدى الشخصيات اللبنانية من
ادارة الرئيس الاميركي السابق جورج بوش
يوم كان الصراع السوري ـ اللبناني في
ذروته. ففي تبرير تلك الادارة لشعار تغيير
سلوك النظام السوري لا تغيير النظام، كان
القول «إسألوا جيرانه»، اي اسرائيل، في
اشارة اميركية واضحة الى ارادة اسرائيلية
في بقاء النظام في سورية.
فإنطلاقاً من هذه الاشارة، يمكن فهم
الواقع المعقد لسورية الاقليمية في لحظة
الاستحقاقات الصعبة التي تواجه دمشق،
وتالياً بيروت التي لا يمكن عزلها عن
مجريات المخاض السوري وتداعياته، خصوصاً
وان دمشق كانت نجحت قبل نحو ثلاثة اشهر،
وقبل طفرة التحولات في المنطقة، في ابعاد
خصومها من السلطة وتهيئة الارض السياسية
لاستلام حلفائها دفة الحكم في لبنان.
غير ان «الورقة المستورة» في مجمل هذا
المخاض هي خريطة طريق «حزب الله» في
مواجهة التحولات العاصفة من حوله... فماذا
سيفعل في الداخل وعلى المستوى الاقليمي؟
اي خيارات سيسلكها بعد «كسر إندفاعته» في
البحرين ومع إحتمال فقدانه «الممر
الاستراتيجي الآمن» الى ايران، اي سورية؟
اسئلة يصعب رسم سيناريوات الاجابة عليها،
فمن المستبعد ان يطلق الحزب اي اشارات،
ومن السابق لأوانه التكهن بمجريات الوضع
في سورية. |