ليس من مهمات المثقفين أن يبرروا
للسلطة ما تفعله، بغض النظر عن صحة ما
تفعله أو عدم صحته؛ على النقيض من ذلك فإن
مهمة المثقف هي قول الحقيقة وتبصير السلطة
بفداحة ما تفعل إذا كانت تقود الدولة
والمجتمع إلى الخراب، والاحتراب الأهلي،
وانقسام مكونات المجتمع إلى شيع وطوائف،
وتأبيد سلطة الاستبداد وتحويل الدولة إلى
مزرعة للعائلة والأعوان والفاسدين.
على هذه الخلفية أصدر عدد من المثقفين
والفنانين والكتاب السوريين بيانا يحذر
الدولة السورية من جر المجتمع إلى الهاوية،
مؤكدين أن جوهر ما يحصل في سورية هو
المطالبة بالحريات العامة، والتحول
الديموقراطي السلمي، والتوافق على عقد
اجتماعي جديد. وقد صدر البيان على خلفية
حملات التخوين التي يشنها النظام السوري
وإعلامه على المثقفين والفنانين المعارضين
لخط النظام، والذين استنكروا حملات القتل
والتصفية والترويع واحتلال المدن والبلدات
السورية بالدبابات، وتلطيخ يد الجيش بدم
السوريين. وكان من بين الموقعين عدد من
كبار المثقفين السوريين في الوطن والمنفى،
ومنهم: المفكر د. طيب تيزيني، والمخرجان
السينمائيان محمد ملص، وأسامة محمد،
والمفكر د. صادق جلال العظم، والروائي
حيدر حيدر، ورسام الكاريكاتير علي فرزات،
والكاتب والناشط السياسي ميشيل كيلو،
والأكاديمي والباحث د. عزيز العظمة،
والأصدقاء: عالم الاجتماع د. برهان غليون،
والروائي نبيل سليمان، والناقد صبحي حديدي،
والناقد والمترجم ثائر ديب، والروائي خالد
خليفة، والرسام يوسف عبد لكي؛ وهم ينتمون
إلى تيارات سياسية مختلفة، وفئات وطوائف
عديدة في المجتمع السوري، ما يقطع الطريق
على شق المجتمع وتجييش طوائفه ضد بعضها
بعضا، ويفتح الباب أمام حلم الدولة
المدنية التي يبشر بها هؤلاء المثقفون
والفنانون السوريون.
إن الموقعين على بيان المثقفين والفنانين
السوريين يمثلون طليعة المشهد الثقافي
السوري، ومجموع المنتجين الحقيقيين
للثقافة العصرية الجادة الحية، سواء في
حقل الإنتاج الأدبي أو السينمائي أو
الفكري أو النقدي أو البحثي الأكاديمي، في
رسالة تشير إلى أن الوجوه المجهولة التي
تظهر على الشاشات وتثير الكثير من الضجيج
في الإعلام مدافعة عن جرائم النظام ومبررة
هجمته الدموية على احتجاجات سلمية تطالب
بالإصلاح ورفع نير الاستبداد والفساد،
وإرساء أسس الدولة المدنية العصرية، لا
تمثل واقع الثقافة والفن والإعلام السوري.
لقد عمل النظام طوال العقود الأربعة
الماضية على تقريب معدومي الموهبة
والانتهازيين ضعاف النفوس واستبعاد
الأصوات المستقلة، فتسبب في انحطاط المشهد
الثقافي وتشريد المئات من القامات
الثقافية الكبيرة ودفعها باتجاه المنفى
القسري أو الاختياري، أو سجن المثقفين
المستقلين أو المعارضين، أو تهميشهم، ما
جعل الأصوات الهامشية المتحالفة مع النظام
تتسيد المشهد في الإعلام والحياة الثقافية
والمؤسسات الأكاديمية. وقد جر ذلك على
الحياة الثقافية والفنية والأكاديمية
السورية الويلات، وحول بلدا من حواضر
الثقافة العربية إلى بلد هامشي في الإنتاج
والحراك الثقافيين، وشتت جهود المثقفين
السوريين البارزين وأخفت حضورهم في المشهد
الثقافي العربي.
من هنا تبدو مشاركة حوالي ثلاثمائة من
أفضل العقول السورية في التوقيع على بيان
يدين قمع السلطة للجماهير السورية، ويدعو
إلى حلول الدولة المدنية محل الدولة
الأمنية، توضيحا للموقف الحقيقي للمثقفين
والفنانين مما يحدث، وهو نقيض ما يروجه
فنانون انحازوا للنظام وأعطياته ووقفوا
إلى جانب مصالحهم بدلا من قول الحقيقة
للنظام الذي يقتل شعبه ويفرض الحصار على
مدنه وبلداته. |