أخبار الوطناتصل بنا الرئيسية

26/06/2010

 

في بلدي سورية ألف مونديال ومونديال

محمد فاروق الامام

 

‮كنت وما زلت من عشاق الكرة ومتابعة أخبارها وخاصة الدولية منها وأهمها تلك التي تقام كل أربع سنوات ويطلق عليها اسم (المونديال)، وأعتقد أن هذا لا ينتقص من كوني كاتباً في مجال السياسة وحقوق الإنسان والمجتمع المدني، لأن من خُلق الكاتب أن تكون روحه رياضية في تعامله مع الأحداث وفي حواراته ونقاشاته مع الأصدقاء والخصوم، ولما كانت قضيتي السورية هي التي تستحوذ على كل تفكيري وهواجسي، وأريد أن أتفاعل معها في كل حدث حتى ولو كان رياضياً، ولما كنت جدياً ولا أجيد الكتابة الساخرة الهادفة فلم أجد أمامي إلا الاستعانة بأسلوب الأخ نضال معلوف الساخر في مقاله الذي كتبه بمناسبة المونديال الرياضي الذي أقيم في ألمانيا عام 2006 والذي فازت بكأسه ألمانيا، ووجدت أن مقاله يصلح لكل مونديال.. لذا أستميح الأخ نضال معلوف في اقتباس أسلوبه ولبعض ما جاء في مقاله الذي كتبه تحت عنوان (هذيان سوري على مدرجات المونديال) بتصرف يتناسب ومونديال عام 2010:
أخذت مقعدي بين آلاف المشجعين في جنوب أفريقيا التي تخلصت من الحكم العنصري الفاشي عام 1994، واستطاع الذين كانوا يُعاملون كالعبيد لأكثر من 300 سنة تحقيق المعجزات في أقل من 16 سنة، وبلدي سورية استقلت عن فرنسا عام 1945، وبفضل المغامرين العسكريين وحزب البعث الشمولي توقف الزمن عندنا في سورية، ويعتقد البعض أنه تراجع إلى ما قبل قرن من الآن!! وكان الملعب يتلون بألوان الدنيا كلها، مباراة وراء مباراة ويوماً بعد يوم حملت فوق رأسي علم كبير لسورية، فأنا لا أطيق أن أحمل علماً سواه.. ورحت ألوح فيه فوق رؤوس الجموع، وأصيح.. سورية يا حبيبتي.. سورية يا حبيبتي.. وعندما يعزف النشيد الوطني.. أي نشيد.. انتصب، مرفوع الهامة.. وأردد نشيد وطني (حماة الديار) الذي وضع كلماته الشاعر الوطني خليل مردم بك، ولحنه الأخوين (فليفل) واعتمد كنشيد وطني لسورية عام 1938، والمقصود هنا بحماة الديار الثائرون الذين انتزعوا الاستقلال من المحتلين الفرنسيين.. أصيح بأعلى صوتي وملء حنجرتي وأصفق لنفسي عندما ينتهي النشيد.. وآخذ مكاني بين الحشود وأراقب..
أقف مع كل هجمة وأصفق لكل هدف وأتأوه لكل فرصة ضائعة.. وأركض بين المدرجات حاملاً العلم السوري يرفرف في كل أرجاء الملعب.. فرح.. أقفز وأنحني وأضحك.. وأغني وأنشد تواشيح المشجعين في سورية.
كانت تمر معي أسماء فرق لم أسمع بها من قبل (غانا، سلوفينيا، سلوفاكيا، كمرون، كوريا الشمالية، كوريا الجنوبية، سلفادور، بورغواي، غينيا، أورغواي، اليونان، صربيا، اليابان، نيوزلندا، هندوراس) فبلدي سورية أعرق من كل هذه الدول في رياضة كرة القدم، فلا زلت اذكر متابعتي لفريق الجيش السوري وانتصاراته الباهرة على الفرق العربية والدولية في أوائل الخمسينات من القرن الماضي!!
ولم أجد هناك أي أثر لأي سوري سواي، لا مشجع ولا حكم ولا كرة ولا صافرة، ولا حتى إعلان لشركة تجارية خدمية، أو شركة نقل أو خلوي أو منتجع سياحي.. وحتى إعلانات صناعتنا الرائدة في مجال العلكة غابت.. وكأن الناس في هذه المدرجات لم يسمعوا في فخر الصناعات السورية: علكة مسواك ( نط.. نط ).. وعلكة منطاد، ولا أوغاريت كولا.
حتى المعلقين، والمراسلين والصحفيين، والمصورين والرسميين والحرامية وحيتان الاقتصاد وتماسيح الفساد لا أثر لهم هناك!!
في وسط حماسي.. وفرحتي.. بأحد الأهداف التي لم أعد أذكر لصالح من كانت.. نظر إلي أحد المشجعين هناك وقال لي بإنكليزية طليقة.. أنت مع من بالتحديد.. أجبته بإنكليزية ركيكة.. أنا مع سورية.
قال بتعجب: سورية في أي مجموعة؟! قلت له: في مجموعة الدول التقدمية.. قال: أقصد رقم المجموعة.. الأولى.. الثانية.. الـ.. ؟؟! قلت: كنا قبلاً في مجموعة الدول الثالثة.. أما اليوم فنحن في مجموعة الدول التي لا رقم لها!!
قال : يعني مع غانا.. توغو.. سلفادور.. هندوراس!!
قلت: لا يا زلمة شو جاب لجاب..
قال: مين في لاعبين مشهورين في فريقك
قلت: آخر واحد أذكر اسمه كان (وليد أبو السل) لأن اسمه متلازم مع وباء خطير لا يمكن نسيانه.
قال: يعني مع من يلعب فريقك..
قلت: مع جيبوتي، وجزر القمر، وهاييتي، واليمن، ومنغوليا، والصومال، وليبيا.
قال: هذه الفرق ليست في المونديال..
قلت: معك حق هذا كان في التصفيات..
قال: وماذا حدث؟
قلت: بتعرف.. حظ سيء للعام الخمسين على التوالي..
قال: إذاً.. كيف وصلتم إلى المونديال..؟
قلت: من سورية.. إلى هنا مباشرة بالطيارة.. 5 ساعات.
قال: أين سورية؟
قلت : ولو.. في الشرق الأوسط..
قال: لم أعرفها بماذا تشتهر بلادك..
قلت: غريب.. إنها تشتهر بالممانعة والصمود والتصدي وقمع الإنسان وإطفاء سراج عقله، وسن القوانين الاستثنائية والمحاكم العسكرية وحيتان المال وتماسيح الفساد وقانون الطوارئ والحزب القائد الموجه للدولة والمجتمع وإقصاء وإبعاد وملاحقة الرأي الآخر حتى ولو كان في بلاد الواق واق!!
قال : كل هذه عندكم؟
قلت: وأكثر!!
قال: ماذا لديكم أيضاً؟
قلت: نحضر لدخول كتاب غنيس بقوة هذا العام..
قال: كيف؟
قلت: 47 عام طوارئ، 17 ألف سجين مفقود منذ العام 1979، قانون رقم (49/1980)، المادة الثامنة من الدستور السوري التي تجعل الحزب الحاكم هو القائد والموجه للدولة والمجتمع، محاكمات بالجملة لنشطاء حقوق الإنسان والمجتمع المدني على مدار الساعة.
قال: لماذا أنت هنا.. وفي بلدك ألف مونديال ومونديال!!

المصدر:محمد فاروق الامام   - أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري