لا شكّ أنّ اتخاذ قرارٍ بتنمية المنطقة
الشرقية يؤكد أنّ هذه المنطقة كانت مهملة
ومهمشة طيلة السنوات السابقة وتحديداً منذ
ثلاثة عقودٍ على الأقل.. حيث أنشئت في
بداية السبعينيات بعض المعامل، وكان لها
دور ايجابي في تخفيف البطالة وتكوين طبقة
عاملة وحتى انعكاسات اجتماعية رغم الفساد
الكبير الذي واكبها منذ البداية وإلى الآن
. فمعمل الورق مثلاً كانت كلفته التقديرية
400 مليون ووصلت إلى مليار وربع تقريباً
ويضاف لذلك فشل معامل كوبلان لتصنيع
العجينة الورقية الذي هو تقنية قديمة
آنذاك ومع ذلك جرى التعاقد على إنشائه،
ناهيك عن أنّ الأرض التي أقيم عليها غير
مناسبة وجرى شراؤها لأنها تخص أحد
المسؤولين حينها،وبقي المعمل يعتمد
بالدرجة الأولى على خلايا التحليل
الكيماوي !؟ وحالياً ما زالت تجربة
الديفيزيون تفشل للمرة الثالثة في معمل
سكر دير الزور وكلفت الدولة على الأقل 400
مليون وقد قبضت الشركة 90% من قيمة العقد
وغادرت..!؟
لا شكّ أيضاً أن ما تطرحه الحكومة من
مشاريع وخطط وقوانين وتقوم به وتنفذه
حالياً وخاصةً طاقمها الاقتصادي ليس أفضل
من السابق، وإنما أسوأ بكثير وهو عبارة عن
زرع أوهام، وهذا ما أثبتته الخطة الخمسية
العاشرة من استثمار وهمي وتنميةٍ وهمية
وغيرها.. ومنها تنمية المنطقة الشرقية!
فبالرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات على
عقد مؤتمر الاستثمار للمنطقة الشرقية بدير
الزور فإن ما أنجز عبارة عن زرع لهذه
الأوهام وحصدٌ للريح... بل أنّ ما جرى هو
تدمير للبنى الاقتصادية والاجتماعية
وأهمها الزراعة عبر رفع الدعم عن
المحروقات وتحرير الأسعار..و ..
مع ذلك ما زال يطل علينا كل فترةٍ مسؤول
من الكبار أو الصغار ويردد على مسامع
المواطنين الفقراء هذه الاسطوانة المشروخة،
ويصورنا أننا نعيش في ثباتٍ ونبات ونخلف
صبيان وبنات كما يقول المثل الشعبي.. بل
وصل الأمر إلى حدّ تهديد من يكشفون
المستور ويعرون الفساد حتى لا يُسألوا
يوماً ما عن دورهم وما فعلوا ...
في لقاء لمحافظ دير الزور مع الشقيقة
النور في العدد 447 تاريخ 11 آب، تطرق إلى
مواطن القوة في مدينة دير الزور وهي وجود
نهر الفرات والمحاصيل الإستراتيجية
والثروة الحيوانية والباطنية والأوابد
التاريخية، وأسباب الضعف هو التزايد
السكاني الذي يضغط على البنى التحتية
والموارد الاقتصادية، وضعف التركيبة
التعليمية وانتشار الأمية والبطالة
والظروف المناخية ( الجفاف ) وتلوث نهر
الفرات بالصرف الصحي والزراعي مع ارتفاع
تكاليف الإنتاج الزراعي وضعف الإنتاجية،
وأشار إلى تضاعف الموازنة الاستثمارية
للمحافظة أربعة أضعاف، وإنشاء جامعة
الفرات وأنه وضع الأساس للعديد من
المشاريع كالمدينة الرياضية والعقد
الطرقية..
إنّ ما أشار إليه المحافظ من مواطن القوة
هو واقع لا يمكن لأحد إنكاره، لكن السؤال
المهم الذي لم يطرح ولم يتم التطرق إليه
هو: لماذا لم توظف مواطن القوة في مصلحة
المواطن والوطن ككل ومن المسؤول عن مكامن
الضعف؟ أليست الحكومة مسؤولة عن لحظ
التزايد السكاني وتطوير البنى الاقتصادية
والتحتية أو على الأقل المحافظة على
الموجود منها وليس تدميرها كما حدث مع
الزراعة وحل مزارع الدولة واستباحة أملاك
الدولة من الفاسدين والمستثمرين الوهميين
وغيرها.!؟أليست الحكومة مسؤولة عن تطوير
التركيبة التعليمية، وحتى إحداث جامعة
الفرات كخطوة ايجابية جاءت متأخرة ومتأخرة
جداً.. وإذا سلمنا أنّ الظروف المناخية
الطبيعية (الجفاف) لعبت دوراً فمن سرع في
تخريب البادية: أليس الاستثمار الجائر لها
وللثروة المائية الجوفية مما أدى إلى جفاف
نهر الخابور في سنوات بينما مرت عليه آلاف
السنين لم يتوقف وقامت عليه حضارات لا
تزال أوابدها شاهدة عليها..وما رافق ذلك
من هجرة أهالي المنطقة وتحولوا إلى شبه
غجر!؟ من المسؤول عن تلوث نهر الفرات
بالصرف الصحي والزراعي.. أليس سوء التخطيط
والتنفيذ والنهب والفساد.. فمثلاً: تقشط
وتكسى أسوار بعض المدارس بالحجر الحلبي
وهي تفتقر إلى أبسط أدوات التعليم، ويُقدم
كشف قشط بلاط أرضية مدرسة من بلاط
الطرطوار ومساحتها لا تتجاوز 500 متر
بمبلغ يتجاوز 500 ألف، أي أن كلفة المتر
الواحد أكثر من ألف ليرة، علماً أن ثمن
البلاط وقيمة مواده وأجرة تركيبه لا
تتجاوز 200 ليرة، وخط سكة حديد البوكمال
متأخر عن موعد انجازه خمس سنوات وما زال،
ولماذا لا يدرج خط سكة حديد دير الزور
دمشق في الخطة، علماً أنه يحتاج إلى مدّ
من الدير إلى تدمر!؟ لماذا لم ينعكس
استخراج الثروات الباطنية كالنفط على
المنطقة فلو خصص من قيمة كل برميل نصف
دولار لها ووظف بشكل صحيح لأصبحت جنة!!
وهنا لابد أن نشير إلى مأساة سكان البادية
وأولها العطش لمياه الشرب والتي صنفت
كمنطقة منكوبة، ووقعت الحكومة مع برنامج
الغذاء العالمي خطة مساعدات غذائية عبارة
عن أربع دفعات من سلة غذائية لا تُسمن ولا
تغني من جوع، وكلفت عملية توزيعها أكثر من
قيمتها وما ننوه إليه أنّ هيمنة
الامبريالية الصهيونية على المؤسسات
الدولية يثير الشكوك دائماً وما يولد ذلك
أنّ المساعدات قدمت لنصف السكان المصنفين
وعددهم مائة وعشرة آلاف، أي 55 ألفاً فقط
وبالتالي استثنيت مناطق كاملة كمنطقتي
كباجب والفيضة وهي لا تختلف عن المناطق
الأخرى، وبعضاً من المواد مكتوب عليها (هدية
من الشعب الأمريكي.) جرى مسحها، ونتساءل
هنا: ما هو ذنب النصف الآخر ولماذا لم تقم
الحكومة بتغطيته وتوفير مياه الشرب على
الأقل. فسكان منطقة العوض الزايد في منطقة
الصور مثلاً يشترون كل يومين أو ثلاثة
صهريج الماء بـ 500 ليرة والجميع عطشى
وحتى لا تثار بؤرة توتر داخلية ربما كانت
هي الهدف وهذا ما حدث وأدى إلى احتجاجاتٍ
فيها..
أيها السادة: نحن بحاجةٍ إلى تنمية حقيقية
وليس زراعة أوهام، وهذه التنمية لا يمكن
أن تتحقق في ظلّ هذه السياسة الاقتصادية
الاجتماعية التي يتبعها الطاقم الاقتصادي
والحكومة من ورائه، والمطلوب هو ترحيل هذه
السياسة وطاقمها ووضع سياسة اقتصادية
اجتماعية تعيد للدولة دورها الحقيقي في
التنمية والاستثمار بإشراك جميع الشرفاء
ومحاربة الفساد والفاسدين وهذا ما يساعد
على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية
وتحصين الوطن من أجل تحقيق كرامة مواطنيه.. |