أثارت الانباء عن خطف الاستونيين
السبعة في منطقة البقاع قبل بضعة ايام ثم
تفجير عبوة ناسفة في مدينة زحلة تساؤلات
جدية لدى اوساط سياسية عدة حول صلة هذه
المستجدات الامنية الطارئة على المشهد
اللبناني، الذي شهد فترة هدوء لا بأس بها
على هذه الجبهة، بما يحصل في سوريا من
تطورات احتجاجية ميدانية. اذ رغم عدم
اكتمال الصورة كليا من اجل توضيح الصلة
والرسائل المتوخاة من هذه الحوادث الجديدة،
فان التوقعات او المخاوف من تحرك ما على
الساحة اللبنانية يمكن ان يواكب في شكل او
في اخر التطورات الميدانية الخطيرة في
سوريا هي الاقرب الى التكهن والتصديق في
غياب كل اسباب اخرى تبرر هذه الحوادث.
وتبدو اوساط سياسية في لبنان اقرب الى
تبني وجهة النظر هذه في الاعتبار في
موازاة اي وجهة نظر اخرى خصوصا ان ما حصل
في الايام الاخيرة لبنانيا كان سبقه تصعيد
في الاراضي الفلسطينية المحتلة على خلفية
تبادل العمليات العسكرية بين اسرائيل
والفلسطينيين، بما اعاد الى الاذهان نظرية
امكان حصول مواجهات تخلط الاوراق في
المنطقة وتفرض ايقاعا مختلفا للتطورات
الجارية في اكثر من دولة عربية، خصوصا ان
خطف مواطنين استونيين لا يدخل من حيث
المبدأ في سياق الفائدة التي يمكن ان
يحصدها خطف مواطني دولة مؤثرة. واذا كانت
فرصة حصول مواجهة فلسطينية اسرائيلية
تراجعت لاعتبارات مختلفة لدى الجانبين
علما ان اسبابها تستمر قائمة داخليا ومن
دون اي صلة بما يحصل في المنطقة، فان
الحوادث الامنية في لبنان على غرار ما حصل
في الايام الاخيرة نادرا ما اتسمت بطابع
محلي فقط بل كانت لها امتدادات خارجية في
شكل او في اخر.
وتقول مصادر ديبلوماسية ان ما جرى حتى
الان لا يكتسب طابعا خطيرا جدا لكنه يوحي
بانه يمكن ان يصير كذلك خصوصا ان القلق من
تصاعد الوضع في سوريا وامكان وصول الامور
الى نقطة اللاعودة كما حصل في بعض الدول
العربية الاخرى يتصل في شكل اساسي بطريقة
انعكاسه على لبنان وعلى فلسطين ايضا التي
تمسك سوريا بورقة "حماس" فيها واستتباعا
على اسرائيل. ولذلك سادت البلبلة مواقف
الدول الغربية من موضوع الاحتجاجات
المتنامية في سوريا شأنها شأن مواقفها
الاولى في تحركات مصر وتونس والبحرين
وصولا الى ليبيا على رغم ان هذه الدول
وبعد التطورات التي اندلعت في تونس ولاحقا
في مصر يفترض انها باتت تدرك سبيلها الى
التعامل مع الانظمة القائمة وكذلك مع
الاعتراض عليها. الا انها ليست كذلك في
الواقع وقد تنازعت بعض الدول المؤثرة
مواقف مختلفة خصوصا في ظل عوامل متداخلة
عدة وفق ما تقول هذه المصادر. بعض من هذه
العوامل يتصل بطبيعة العلاقات التي يقيمها
النظام السوري مع دول اقليمية مؤثرة
كتركيا وقطر اللتين وعلى ذمة هذه المصادر
جهدتا من اجل عدم صدور مواقف غربية قاسية
من النظام السوري بما قد يشجع معارضيه على
الافادة من الفرصة من اجل تصعيد معارضتهم،
بل ان الموقف التركي المتكرر الداعي الى
الاصلاح سريعا كان بالنسبة الى هذه
المصادر سقفا لفرصة لا يجب تفويتها من
جانب النظام السوري ولا من جانب الغرب في
مواقفه حيال ما يجري. ولذلك فان رد الفعل
الغربي وعلى رغم اتسامه بالقوة بدا موقفاً
مبدئياً من حيث تناوله خصوصا قمع النظام
السوري المعترضين بقوة السلاح واطلاق
النار او الاعتقال لكن مع توجيه الدعوة
الى الحوار والتجاوب مع مطالب المعترضين،
وردود الفعل هذه معتدلة نسبيا اذا ما قيست
بتلك التي رافقت انهيار نظام الرئيس حسني
مبارك او نظام الرئيس زين العابدين بن علي.
وهذا الامر ترفضه مصادر ديبلوماسية فتقول
ان رد الفعل لم يكن متهاونا مع النظام
السوري لكنها لا تنكر ان عوامل يتم اخذها
في الاعتبار من بينها احتمال عدم صدور
مواقف مشجعة للمعترضين مع التشجيع على
تلبية مطالبهم السياسية في شكل خاص
وانفتاح النظام على الديموقراطية والحرية
بحيث يمكن ان يستفاد من النظام السوري
القائم مع تعديلات جذرية يمكن ان يدخلها
في ما خص ما كانت تطلق عليه الولايات
المتحدة في ايام الرئيس السابق جورج بوش
تغيير السلوك وليس تغيير النظام. ولا تخفي
المصادر انه بمقدار ما يبدو القرار متخذا
لدى الدول الغربية بالتعامل موضوعيا مع
شرق اوسط تتغير صورته كليا بدفع من شعوبه
ووطأة ما عانته هذه الشعوب وليس باي عامل
خارجي، فان ثمة افكارا لا تزال تضغط في
اتجاه تقليل فرص عدم الاستقرار خصوصا على
الحدود القريبة او المتاخمة لاسرائيل نظرا
الى عوامل القلق الذي يثيره ذلك بالنسبة
الى هذه الاخيرة كما بالنسبة الى الدول
الحريصة على امن اسرائيل في الدرجة الاولى،
الى جانب عوامل تتلمسها الدول المؤثرة في
عجز الدول التي جددت نفسها عن الانطلاق
سريعا في مسارها الجديد. واضطراب سوريا
الى حد كبير يمكن ان يترجم ايضا اضطرابا
في لبنان بحيث يتوسع المجال المهدد لامن
اسرائيل خصوصا اذا كانت للاضطرابات
الناشئة في الاردن فرصة للنجاح ايضا. فهل
يجب ان يخشى لبنان مسارا متجددا من
الحوادث الامنية المتفرقة؟ |