كلما دخل
الاسرائيليون على الخط من باب المحكمة
الدولية او تهديد الحكومة اللبنانية بضرب
المؤسسات العامة "اذا اطلق حزب الله"
صاروخا على مدينة اسرائيلية" فإنهم يؤكدون
مرة جديدة ومن خلال صب الزيت على النار
انهم رأس مشروع الفتنة في لبنان تاريخيا.
والحملات الاسرائيلية الاخيرة بدت واضحة
ومتتالية بدءا بتصريحات رئيس الاركان
الاسرائيلي غابي اشكينازي الذي "بشَّرنا"
بتوترات آتية على لبنان في شهر ايلول،
وانتهاء بتصريحات وزير الدفاع الاسرائيلي
ايهود باراك في واشنطن وفي حديث الى صحيفة
"واشنطن بوست" اذ هدد وتوعد بضرب "اي هدف
للدولة اللبنانية اذا اطلق "حزب الله"
صاروخا على تل ابيب"، وما بينهما حملة
شنتها الصحف الاسرائيلية وآخرها "هآرتس"
على رئيس الحكومة سعد الحريري والتي
اتهمته بأنه "اختار بقاء حكومته على دم
والده وكرامته عندما ميّز بين عناصر غير
منضبطة وحزب الله كمنظمة" في تحريض
اسرائيلي واضح وتسويق لمشروع فتنة بات
مكشوفاً.
وهذه التهديدات الاسرائيلية للحكومة
اللبنانية والهجوم على رئيسها شخصيا ومنذ
ما قبل تأليف الحكومة بإبداء "غيرة" زائفة
والدعوة الى استبعاد "حزب الله" عن
المشاركة فيها، تشكل من حيث لا يدري
الاسرائيليون شهادة للحريري، شأنه شأن كل
من يتعرض لهجوم من مسؤول اسرائيلي او
صحيفة اسرائيلية. ومن باب تأكيد المؤكد،
ان ليس في لبنان، من هو في حاجة الى شهادة
من الاسرائيليين.
هذه "الاستهلالية" تبدو في نظر مرجع سياسي
ضرورية لتذكير كثيرين في لبنان، سياسيين
واعلاميين ببعض الهدوء والتواضع، ولا سيما
منهم من يذهبون بعيدا في المزايدة على هذا
الطرف او ذاك، ولان اية كلمة تصب الزيت
على النار، ومن حيث لا يدري اصحابها، تخدم
المشروع الاسرائيلي، مشروع الفتنة
الداخلية الطائفية والمذهبية. ويلفت الى
ان بين هؤلاء من سمعناه في الايام الاخيرة
يعتمد عبارات تحريضية غير مألوفة في قاموس
التخاطب السياسي حتى في اصعب الظروف.
ويدعو المرجع الى بعض التعقل، على الاقل
انطلاقا من الخطاب الاخير للامين العام
لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله والذي كان
"الاكثر وضوحاً اذ عرض المشكلة واقترح
آلية الحل الذي يراه مناسباً للخروج من
الازمة ولتصويب عمل المحكمة الدولية" وقد
استهل خطابه بتكرار الحرص على احقاق الحق
والعدالة في قضية الرئيس الشهيد رفيق
الحريري، و"هي قضية وطن وشعب" وفق ما ورد
في الخطاب.
كان الرئيس سليم الحص يصارع نوبات من
الألم الشديد في ساقه وهو يكتب اقتراحه
للخروج من المأزق. وبدا مرتاحا اذ استمع
الى الامين العام لـ"حزب الله" بعد ساعات
يلتقط "المبادرة" ويعلن تأييده لها،
موافقا على دعوة مجلس الوزراء او هيئة
الحوار الى جلسة طارئة لمناقشة السبل
الكفيلة باعادة الامور الى نصابها والخروج
من حال التشنج السياسي الذي عم البلاد في
الايام الاخيرة.
وفي اليوم التالي كان الرئيس سعد الحريري
يزور الحص في المستشفى، وكانت للزيارة
دلالاتها وإن لم يكن الجو خلالها مؤاتياً
للدخول في تفاصيل الوضع السياسي والازمة
الاخيرة. فالطرفان الرئيسيان اللذان ساوى
بينهما في تحمل مسؤولية التوتر السياسي
الاخير "التقيا" عنده، تأييدا لـ"مبادرته"
من جهة، وزيارة اطمئنان لم تخل من كلام
سياسي وإن في العموميات، من جهة اخرى.
وكان همّ الحص، وهو صاحب نظرية "اختراع
الآمال" احداث كوة في جدار ازمة مفاجئة
تنذر بشر مستطير، وهو يدري ان الشق الاخير
من مبادرته ربما يكون صعب المنال، اذ
يقترح ان تودع المحكمة الدولية مجلس
الوزراء اللبناني (بناء على طلب منه) نسخة
عن قرارها الظني قبل شهر على الاقل من
اعلانه. لم يناقش الحص "مبادرته" مع
الحريري، ولكنه في الوقت نفسه نوّه بدعوته
الى الهدوء منذ البداية، وحضّ الجميع على
التزامه.
في هذا الوقت لقيت دعوة الامين العام
لـ"حزب الله" الى استدعاء شهود الزور
والتحقيق معهم، صدى معقولا في اوساط
كثيرة. فهل ستؤخذ في الاعتبار؟ وكيف كان
صداها عند "الفريق الآخر"؟
يقول مصدر قريب من قيادات بارزة في "تحالف
قوى 14 آذار" ان هذا الامر يعود الى
المحكمة الدولية، وفق قانون انشائها
والاتفاق المعقود معها. هذا من جهة، ومن
جهة اخرى، فان احد ابرز شهود الزور
الاربعة (هسام هسام) موجود في سوريا ويقال
ان شاهدا آخر (جرجورة) موجود ايضا في
سوريا، وثمة آخر (اكرم شكيب مراد) موجود
في سجن رومية بتهمة تتعلق بالمخدرات وقد
طلب القضاء السوري تسلمه، والثلاثة، الى
الشاهد الابرز محمد زهير الصديق (لم يتطرق
المصدر المذكور الى مكان وجوده)، هم ويا
للمصادفة سوريون، ومن استطاع منهم عاد الى
بلاده. وهذه الاشارة ليست من باب
"التذاكي" او الغمز من قناة سوريا" وفق
المصدر نفسه. فسوريا اعلنت تكرارا انها
ستحاكم اي مواطن سوري يثبت تورطه بتهمة
الخيانة العظمى.
وفي حجة اخرى يقول المصدر المذكور ان
المدير العام السابق للامن العام اللواء
جميل السيد توجه برفقة محاميه الى مقر
المحكمة الدولية في لاهاي لمناقشة قضية
شهود الزور. ويضيف: "اذا سلمنا جدلاً ان
للقضاء اللبناني ان يحقق مع شهود الزور،
فعن اي قضاء يتحدثون وهم الذين هشموا
بالقضاء وامعنوا ولم يتركوا شيئا لم
يقولوه فيه وآخرهم رئيس "تكتل التغيير
والاصلاح" النائب ميشال عون الذي شن ابشع
حملة عليه، دفاعا عن محطته التلفزيونية؟
أوليس هو القضاء نفسه الذي ابتدع له
التسوية المادية الشهيرة مع الدولة؟ واما
عن الضغوط التي يمكن ان يتعرض لها القضاء
في هذه الحال، فحدث ولا حرج، وثمة امثلة
صارخة لا مجال للخوض فيها الآن".
هكذا يبدو اقتراح التحقيق مع شهود الزور
من وجهة نظر "الفريق الآخر"، وهو ما يرى
فيه "مستقلون" حجة ربما "ولكنها لا تبرر
عدم ايجاد صيغة ما، يمكن من خلالها
التحقيق مع شهود الزور، نظرا الى اهمية
الخطوة وهي اساسية على طريق معرفة
الحقيقة". وسط هذه الاجواء، هل يمكن
اجتراح صيغة توفق بين قانون المحكمة
والاستفادة من تحقيقات تجرى مع شهود
الزور؟ |