في البحث حول الطريقة التي يتعامل فيها
المسؤول التنفيذي مع المواطن، ومن خلال
الخبرات الشخصية وآراء المواطنين، يمكن
التأكيد بسهولة، أن هذا الموضوع لا يقبل
القيل والقال والتكهنات للوصول إلى نتائج
ناجحة.. فمن يلتقي معظم سكان سورية
ويسألهم عن علاقتهم بالمسؤولين عموماً،
وبالمسؤولين التنفيذيين خصوصاً، سيجد أن
الإجابات تصب في خانة واحدة وكلمات محدودة..
تتلخص بكلمة: سيئة.. أو سيئة للغاية.. أو
(بتهوّي).. ولن نزيد!!..
من عاش في سورية وزار أية دائرة حكومية
بقصد إكمال معاملة أو توقيع أو ختم، لن
يخرج دون رشاوى، أو مواجهة حالة فساد
علنية.. هذه هي الصورة الطاغية.. وحديث
مواطن سوري واحد في هذا الخصوص يمثّل دون
ريب بقية الناس، باعتبار أن ما يجري في
محافظة ما أو منطقة ما أو دائرة ما أو
مخفر ما.. هو صورة طبق الأصل عما يجري في
مواقع ومناطق أخرى.. علاقة المواطن
بالمسؤول هي علاقة مطموع به مع طامع..
ولأن الأمثلة كثيرة ومتشابهة ويعرفها
الجميع، أخذت على عاتقي تناول هذا الموضوع
من زاوية أكثر الناس تعباً وانسحاقاً..
وهي كيفية علاقة المسؤول الحكومي مع من
يسمون بأجانب الإحصاء الاستثنائي، هذه
الشريحة الواسعة من مواطني الجمهورية
العربية السورية، الذين يعانون الأمرين،
بصفتهم سوريين ضمن هذه المعمعة أولاً،
وأجانب في وطنهم الأم ثانياً، أي حالة
استثنائية كما هي تسميتهم بالضبط.
المغترب في وطنه
أصبح من البدهيات أن يواجه هؤلاء عند
مراجعتهم لأية دائرة حكومية الاندهاش وعدم
التصديق، وخاصة من العاملين الذين لم
يسمعوا حتى اللحظة أن هناك مواطناً يعيش
في وطنه غريباً، لا يملك الجنسية السورية
التي يفتخر بها أي مواطن، لتبدأ معاناتهم
مع لحظة طلب الموظف: «الهوية الشخصية لو
سمحت». تليها عشرات الأسئلة التي لا تنتهي..
وتكون في معظم الأحيان جوابها واحد: «نحن
سوريون أباً عن جد».. ومع ذلك لا يتوقف
الموظف عن الاستفسار: من أنتم؟ ومن أية
دولة أتيتم؟ وهذه البطاقة الحمراء لم أسمع
بها في حياتي، ولأول مرة أعرف أن هناك
مواطناً سورياً يعيش في هذا الوطن ولا
يحمل الهوية السورية... والأهم من كل هذا:
ماذا يعني أجانب الإحصاء الاستثنائي؟، ولم
يرد للمذكور قيد في سجلات العرب السوريين
بمحافظة الحسكة نتيجة إحصاء عام 1962،
وبناء على طلبه أعطيناه بيان القيد الفردي
المدون أعلاه في سجلات أجانب المحافظة؟
ولماذا مُدوَّن في أعلى الورقة غير صالحة
لوثائق السفر وخارج القطر؟ وكيف تسافرون
خارج البلد إذاً؟ جملة من الأسئلة يتمنى
المراجع «السوري الأجنبي» لو أنه لم يدخل
تلك الدائرة ولم يقع في هذا الإحراج.
محرومون من الكهرباء والمياه
وهذا الموقف المحرج يختلف في المحافظات
الشرقية التي تأقلمت مع الحالة عن
المحافظات الأخرى، والموقف الأكثر إحراجاً
في دمشق العاصمة، رغم أن هؤلاء، ونتيجة
للأحوال الاقتصادية السيئة لمحافظة الحسكة
جراء السياسات الاقتصادية العجيبة بحق
المحافظة تارة وبسبب الجفاف الذي أصاب
البلد بشكل عام تارة أخرى، يتواجدون
بعشرات الآلاف في العاصمة والعشوائيات
الفقيرة من حولها، بعد هجرتهم بسبب تلك
السياسات، وتضاعفت المعاناة عند أي إجراء
قانوني يتطلب موافقة الجهات المعنية، ففي
موضوع الآلاف من الشباب والفتيات الذين
لجؤوا لمعامل وشركات القطاع الخاص، والعام
على ندرته، رُفِضت طلباتهم نهائياً، فلا
وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أعطتهم
الموافقة على بطاقة العمل، ولا مؤسسة
التأمين سجلتهم في سجلاتها نتيجة رفض
الوزيرة، الأمر الذي أفاد أرباب العمل
الذين يتهربون من التأمينات لاستغلال
حاجتهم وتشغيلهم بأبخس الأجور، أما من
ناحية استحواذهم على أبسط الأمور الحياتية
كالاشتراك في مؤسسة المياه والكهرباء
والهاتف، فقد أفاد المسؤولون في هذه
القضايا أن تعليمات وصلتهم من بعض الجهات
المعنية تمنعهم من منحهم أية وثيقة تثبت
وجودهم وسكنهم في هذه المناطق، وعند
التأكيد على الإطلاع على تلك التعليمات
تحجج البعض منهم بأنها ليست على شكل
تعليمات مكتوبة، ولكنها توجيهات شفهية،
فطلب بعضهم تحديد اسم المسؤول عن تلك
الجهات التي وجهت بذلك، وتم التهرب من
الموضوع ليكون الجواب الأخير: ليس لنا دخل،
راجعوا الجهات المعنية التنفيذية لتأمين
الموافقة، وسنعطيكم الموافقة على كل شيء،
والسؤال مَن يعرف مِن هؤلاء الدراويش
الذين لم يروا بحياتهم سوى مدن المحافظة،
هذه الجهات؟ وألا يعني هذا لعب الدور
المشجع على سرقة وجر خطوط الكهرباء
والهاتف والمياه بطرق غير شرعية، إن صح
التعبير؟ ، والأسوأ من هذا أن اللجان
التفتيشية التي مهمتها التقاط المخالفين
يكتبون ضبوطاً بهم دون أن يكون لهم عدادات،
فعلى من تقع المسؤولية، عليهم أم على
الجهات التي امتنعت عن أعطائهم ذلك؟
على باب الله..
المحروم من الجنسية الذي يدفع عربة خضار
أو يبيع على بسطة (بشكل غير مشروع) من أجل
تأمين لقمة عياله، تأخذ منه دوريات
الشوارع ثلاثة أضعاف ما تأخذه من غيره..
فهو (غير سوري) أو (أجنبي)..
سائق سيارة الأجرة المحروم من الجنسية،
الويل له إذا وقع بين براثن راكب دراجة ذي
خوذة.. فلن يكتفي صاحب الخوذة بـ(حلوان)
ضخم، بل سيسجّل رقم السيارة ويعممه على
زملائه، لكي يصيدوه ويأخذوا منه (حلواناتهم)
كلما لمحوا السيارة تعبر الشوارع..
فصاحبها (دفّيع)..
يمكن أن يُعامَل المحروم من الجنسية
معاملة (خاصة جداً) في أي مخفر يدخله..
سواء أكان ظالماً أو مظلوماً.. والويل له
إذا فكّر بالشكوى للرتب الأعلى فعندها
سيكون عقابه مضاعفاً: (ما بيكفي إنو
متحملينك رغم إنك أجنبي)!!
الطالب المحروم من الجنسية، سيحاول ألا
يشارك في أي نشاط احتجاجي طلابي مهما كان
مظلوماً، وعليه أن يقبل بأية علامة يجود
عليه بها الدكتور أو الأستاذ أو المحاضر
أو المعيد.. وإلا فمصيره أن يعيد تقديم
المادة عشرين مرة.. وإذا ما تذمر فالجهات
التنفيذية التي تحرس الجامعة ستتكفّل به..
وهكذا.. |