أخبار الوطناتصل بنا الرئيسية

03/06/2010

 

الحوار، بدلاً من القمع:طريق آمن نحو مستقبل أفضل

افتتاحية جريدة الوحدة 

 

يفترض أن يطلق سراح معتقلي إعلان دمشق على التوالي إعتباراً من أواسط حزيران الجاري وحتى نهاية تموز القادم، وذلك حسب تواريخ إعتقالهم ومدة محكومياتهم التي قضوها بموجب أحكام جائرة لم تثن عزيمة ضحاياها، لكنها بالمقابل أحدثت جرحاً عميقاً في تعامل السلطة مع معارضتها، وعبّرت عن معاني سلبية للغاية، لأن القاموس السياسي يزخر بتجارب غنية أثبتت أن غياب المعارضة أصلاً في بلد ما يعد مسألة خطيرة، لأن ذلك يعني باختصار غياب الديمقراطية. كما أن أي بلد تحكمه سلطة لا تعترف بالمعارضة، وتتعامل مع أنصارها بالقمع والمنع، فإن هذا البلد يفتقر للوحدة الوطنية، التي لن تتحقق إلا بمشاركة الجميع في الشأن السياسي، داخل السلطة وخارجها، مما يتطلب إعادة تفسير مفهوم السياسة على أنها شأن عام، وبناءً عليه ليس من حق أحد أن يقصي الآخرين، مثلما يتطلب تصحيح مفهوم المعارضة التي لا تنحصر مهامها بالضرورة في استلام السلطة أو المشاركة فيها، بل تتعدى ذلك إلى القيام بمهام رقابية تزداد الحاجة لها لكشف مواضع الخطأ، وتنشيط دعوات الإصلاح والتغيير. وهذا ما أراد إعلان دمشق القيام به انطلاقاً من احتياجات وطنية بعيداً عن الأجندات الخارجية، خاصة بعد أن تراجعت الآمال بقدرة النظام على المباشرة بمهمة التغيير الديمقراطي، ولو بشكل جزئي. أي أن غياب البرامج العملية للإصلاح،وتعطيل الحياة السياسية بذريعة أولويات الإصلاح

الإداري والاقتصادي أحياناً، ورفع شعار الأمن أولاً، دفع أيضاً أنصار الديمقراطية ونشطاء حقوق الإنسان والكوادر السياسية للتلاقي معاً لبناء ائتلاف إعلان دمشق، الذي شاركت فيه مكونات وفعاليات متنوعة قومياً ودينياً وسياسياً، كان من الممكن لها أن تصقل وتغني هذه التجربة الرائدة، لو تمكنت السلطة من التعامل معها بحكمة. لكنها، ومن خلال قرارات التصفية والإنهاء التي مارستها خلال أكثر من عامين، خدمت ما يمكن تسميتها بمعارضة الخارج المتميزة بنزعة الهروب إلى الأمام، ولجمت معارضة الداخل التي لم تتمكن في ظل التشدد الأمني من ربط مسالة الديمقراطية بمسائل الحياة اليومية للناس الذين لا يفهمون التغيير الديمقراطي إلا من خلال تحسين شروط حياتهم، ولا يعني لهم ذلك سوى تأمين الحد الأدنى من شروط معيشتهم المادية وكرامتهم المعنوية، مما يمنحهم الاستعداد الكافي للتضحية والانخراط في النضال الديمقراطي العام، وهذا لا يعني لهم التخلّي عن القضايا الأساسية العامة، وفي مقدمتها التغيير الديمقراطي الذي يتطلب تجزئته إلى أهداف ممكنة التحقيق وقابلة للدفاع عنها، والذي يجب التعامل معه كمشروع (وطن وشعب ومواطنين..) أي تحويله من حالة وطنية تم التوافق عليها في المجلس الوطني لإعلان دمشق إلى حالة عامة ينخرط فيها الجميع لبناء وطن أجمل وأكثر أماناً وعدالة، يتسع للجميع ويحتاج كل جهد وطني..
وإذا كانت تلك الفرصة قد ضاعت مع تلك الاعتقالات، ومع تطبيقات التشدّد الأمني، الذي وصل مؤخّراً إلى حدود غير مسبوقة، فإن المرحلة القادمة تتطلب من السلطة والمعارضة معاً مراجعة مسؤولة خاصة بعد أن تعدّلت الظروف وتغيّرت الأجواء بين زمن ولادة الإعلان، وما أحاطت بها من أوضاع إقليمية ودولية خاصة، وبين المرحلة الحالية التي استجدت بفعل التعديلات التي طرأت على الخارطة السياسية. فالسلطة فقدت الآن مبررات الحاجة لأولويات الأمن، بعد أن تحررت نسبياً من العزلة والضغوطات الدولية، كما أن المعارضة أيضاً تخلّصت بعض أطرافها من أوهام العامل الخارجي، في حين يئست أطراف أخرى من وعود السلطة. وهذا يؤسس لحوار هادئ ومسؤول وواع بين أطراف المعارضة، لتكون اشمل وذات قاعدة أوسع، وبينها وبين السلطة، لبلورة خطاب وطني ديمقراطي موحّد، يصلح كبرنامج سياسي موضوعي يمكن اعتماده في مؤتمر وطني سوري عام يدعى له الجميع في المعارضة الوطنية وأهل النظام.
لكن ذلك لن يتحقق بسهولة لأن المهام الجسيمة المرتبطة بمصلحة الوطن ومستقبله تتطلب بالتأكيد جهوداً كبيرة ومضنية وتعاوناً عاماً وفهماً مشتركاً لطبيعة هذه المرحلة وخطورتها .. ونعتقد أن الإنطلاق من أن إعلان دمشق هو مشروع وطني ديمقراطي وسلمي يمكن تطويره وتفعيله وتوسيعه، يصلح كعنوان ونموذج لمعارضة وطنية أثبتت حضورها رغم الضربات الموجعة التي وجّهت له، وحافظ على ثوابته الوطنية، وأصرّ على اعتماد الطاقات الوطنية بعيداً عن الإستقواء بالخارج الدولي، وتجنّب الوقوع في الأخطاء، إلا بحدود ما فرضتها سياسة القمع التي ضيّقت مساحة الشفافية، وأعاقت كثيراً تفاعل الآراء وأخّرت طويلاً انعقاد الدورة الثانية للمجلس الوطني، وما ترتّب على ذلك من ركود ملحوظ، وحرمت الإعلان من عدد لا يستهان به من كوادره الفعالة، التي اعتقلت وحوكمت بهدف إرهاب الناس ومنع أي حراك ديمقراطي ،من أجل زعزعة ثقة الجماهير بدور الإعلان وأهميته، إضافة لمحاولة إحاطة الإعلان بإشاعات مشبوهة لإلحاق الضرر بمصداقيته الوطنية، وقطع الطريق أمام الجهود الرامية لإندفاعة جديدة قادمة على خلفية إطلاق سراح معتقليه الذين يفترض أن ينضموا إلى رفاقهم خارج السجون قريباً، حاملين معهم رسالة سياسية مفادها أن الإعتقالات لم تكن الطريقة المجدية الصحيحة في التعامل مع أصحاب الرأي الآخر الذي يتطلب محاورته بدلاً من قمعه ... خاصة في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المنطقة ككل، والتي تستدعي تفهًماً عميقاً لمجريات الصراع، وإدارة واعية لإنجاح عملية السلام القائم على العدل، واستعادة الجولان السوري المحتل..تلك العملية، التي تتحسّن شروطها وإمكانيات التقدم على مسارها في إطار اقتناع العديد من الأوساط الدولية، بما فيها الأمريكية، بأنها باتت مصلحة دولية، تحتاج لسحب الذرائع من تحت أقدام المتشدّدين وتحجيم اليمين الاسرائيلي المتطرف، وتخفيف حدّة العداء للغرب... مما يعني أن المفاوضات باتت أمراً ممكناً، تنتظر الوسيط المقبول والوقت المناسب. وبهذه الحالة يبقى تحسين الموقع الوطني السوري مرتبط بقدرة النظام على تحسين الوضع الداخلي والانفتاح على المعارضة الوطنية وفتح حوار وطني جاد وشامل يضم كل القوى المسؤولة وطنياً، وفق برنامج واضح وأهداف صريحة، ويحتضن كل الإمكانات ويراعي التنوع القومي والسياسي السوري, ويلبي الحقوق المشروعة لكل مكوّنات هذا المجتمع، بما في ذلك المكوّن الكردي الذي أرهقه الاضطهاد وحرّمه التمييز، لتفتح به طريقاً آمناً نحو مستقبل أفضل، يسود فيه العدل والقانون بلدنا سوريا، وتحكمها صناديق الانتخابات، ويتم فيها تداول السلطة، ويحتكم شعبها لدستور عصري ينظّم العلاقة بين الحكومة والمعارضة وبين الحقوق والواجبات، وينتهي فيها الظلم بكل أشكاله وتواصل مسيرتها الحضارية، وتتعزّز مكانتها ويكبر دورها في المنطقة والعالم. ويكون بذلك وطناً حراً وآمناً لكل السوريين على اختلاف مشاربهم.

..............................................................................................
*- افتتاحية جريدة الوحدة (yekiti) العدد-202

المصدر:حزب الوحدة الديقراطي  الكردي  في سورية - أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري