هناك
العشرات من جرائم الشرف ترتكب في سورية كل
عام، وهو ما يعني أولاً استمرار وقوع ظلم
واضح وصريح ومستمر على الأنثى في بلدنا..
وبقاء شرائح واسعة من السوريين رازحين تحت
وطأة أعراف أكل الدهر عليها وشرب ثانياً،
وعدم قدرة الدولة بأجهزتها وقوانينها
وخططها التنموية ومؤسساتها المعنية على
تطوير المجتمع أو السير به إلى الأمام..
فعندما يقف القضاء مكتوف الأيدي يتفرج على
قيام شاب بقتل أخته، أو أب بقتل ابنته،
بحجة غسل العار والحفاظ على العادات
والتقاليد، أو معاقبته عقوبة خفيفة، فهذا
يعني أن الدولة بأسرها متواطئة ضد الضحية،
وأن القانون نفسه الذي يتيح عبر مواد
ونصوص قانونية للرجال الفرصة لقتل الإناث
بإيجاد أحكام مخففة، أصبح بحاجة إلى تغيير
تقدمي حاسم.
يكفي أن يزعم أي رجل أنه شاهد أمه أو أخته
أو قريبته بمنظر مخل للشرف والأخلاق لتحدث
جريمة الشرف، وعلى الرغم من أن القاضي
يعرف يقيناً أن القاتل نادراً ما يفاجئ
ضحيته بوضعية كهذه، أو يثبت أنها قامت
أصلاً بما يخل بالأدب، إلا أنه يقوم
بإصدار حكم مخفف على الجاني لمراعاة
العادات الاجتماعية المتخلفة التي ما تزال
حاضرة في كثير من المناطق السورية، إن لم
يكن معظمها.. والنتيجة أن الذكر «الشريف»
يفتخر بعد «غسل العار» و«الانتقام لشرفه
المهدور» بما فعل، فيختال كالطاووس في
المجتمع دون أن يقول له أحد صراحة: «أنت
قاتل»!!
لقد بات الوضع فظيعاً، إذ لا يكاد يمر وقت
قصير دون تسجيل جريمة جديدة يقطع فيها
السيّاف عنق وردة أو يزهق فيها مجرم روح
أنثى، لم تفعل في معظم الأحيان إلا ما هو
حق لها أصلاً!! ولكن تخلف محيطها وتعجرفه
المسكوت عنه حكومياً، وضعها موضع الشك
فدفعت الثمن حياتها!.
هناك سؤال هام يطرح نفسه بقوة:
لماذا يعاقب القانون والمجتمع الإناث
المشكوك بقيامهن بعلاقات مخلة بالآداب
العامة، في حين أن القانون نفسه لا يعاقب
الذكور الذين يتصرفون التصرف نفسه ويكررون
ذلك كلما رغبوا بالقيام بهذا الفعل؟
تغيب الإحصائيات حول هذا الموضوع بشكل شبه
تام، لكن المشاهدات والوقائع تبين أن
أعداد جرائم الشرف في تزايد مستمر، وقد
سجلت محافظة الحسكة منذ بداية العام /6/
حالات، ولعل النسبة تزداد وتكبر كلما كبر
عدد سكان المحافظة.
لاشك أن هناك أسباباً كثيرة لاستمرار
انتشار هذا النوع من الجرائم، يأتي في
مقدمتها، النكسات الاقتصادية – الاجتماعية
التي مازالت تنهك بلدنا، وتخلف القوانين،
وضعف دور الدولة من النواحي كافة، وسيطرة
الأفكار الذكورية، وعودة الأفكار الرجعية
للانتعاش والمتجلية في صحوة النزعات
العشائرية والطائفية والمذهبية... وتراجع
التعليم..
إن الحد من هذه الظاهر يتطلب أن تقوم
المؤسسات الرعائية المختصة بدورها كاملاً
في التوعية، وأن تتطور التشريعات بحيث
تنزل أشد العقوبات بقتلة الإناث، وأن توضع
خطة متكاملة اقتصادية – اجتماعية- ثقافية
- تشريعية للنهوض بالمجتمع وتحريره من
ربقة الأفكار العدمية التي لا تنتج إلاَّ
الخراب.. |