|
أسامة سليمان دخل بريطانيا في 10
حزيران العام 2000، يوم وفاة الرئيس
السوري حافظ الأسد وهجر كنيته وبانياس في
الساحل السوري إلى كوفنتري البريطانية،
ولم يعد إليهما لزمن طويل.
عاد أسامة مرغما بعد 20 عاما من نزوله
رامي عبد الرحمن معلنا إياه اسمه الحقيقي.
ولم يكن ليعود لو لم يتحول المرصد السوري
لحقوق الإنسان الى مرجعية يعتد بها في
ترقيم الحدث السوري من ضحايا وجرحى
واشتباكات ووقائع أمكن على ضوئها مواكبة
منحنيات النزاع وتعرجاته.
غير أن الشبكة، في ظل العتمة الصفيقة التي
فرضها النظام على الحراك مغلقا الباب أمام
الصحافة العالمية، كادت تقع ضحية نجاحها،
وأضحت ثمينة إلى حد رجوع الوكالات والصحف
إليها وانفرادها بتقديم تفاصيل وإحصاءات
عن النزاع السوري، جعلتاإدعاءات بملكيتها،
من قبل النظام أحيانا، وأحيانا أخرى من
قبل أطراف في المعارضة. وخرجت مواقع أخرى
تحمل الاسم نفسه استغلالا لشهرة المرجعية.
ودفعت برامي عبد الرحمن إلى إنزال أسامة
سليمان عن رف في كوفنتري البريطانية التي
يدير منها شبكة واسعة من 200 حقوقي في
الداخل السوري، عيون المرصد وآذانه، بعد
أن أصبح الاسم الحركي حجة عليه من قبل من
اتهموه بتعدد الشخصيات للنيل من المرصد،
من دون أن يتخلى عن رامي رفيق العمر
والأسرة «حتى ابنتي الوحيدة تنادينني رامي،
والمرصد ابني» قال أسامة.
وقال «عملت أساسا في مجال حقوق الإنسان،
سرا ومستقلا في سوريا. دخلت المجال عندما
عاد صديقي فاتح جاموس من أوروبا من سفر
إلى سوريا واعتقل ولم يجد من يدافع عنه
وكان قد أمضى 18 عاما في السجن قبل عام
2000. فقررت تأسيس المرصد للدفاع عن حقوق
الإنسان، رصدا وتوثيقا ونشرا».
هل تنتمي إلى اليسار كما يقال عنك، يقول «إلى
اليسار الديموقراطي، كنت صديقا لليسار
الديموقراطي، وأتحدر من عائلة بانياسية
متواضعة، عايشت الاضطهاد منذ الصغر وبحثت
عن طريقي حتى وصلت إلى المرصد.
أما إمكانيات المرصد فمتواضعة: هواتف
وجهاز كمبيوتر في منزل في مدينة كوفنتري
البريطانية بالقرب من لندن. «لا يتلقى
مساعدات من أي طرف» لكنه يستند إلى فريق
من الشجعان على الأرض، من محامين وحقوقيين
بشكل خاص، يشكلون أضخم شبكة متخصصة لرصد
كل ما يجري من أحداث في سوريا ويعتمدون
العمل السري. ويقول «لا يعرف أعضاء الشبكة
بعضهم بعضا، وقد يتجاور اثنان في مدينة
واحدة من دون أن يعرف أحدهما الآخر. وبعد
اندلاع الثورة تحول المرصد إلى واجهة
إعلامية حملت الكثير من المخاطر. سقط لنا
ستة شهداء، لم نذكر أسماءهم ولم ننعهم
حفاظا على حياة أقربائهم. العشرات دخلوا
السجون وخرجوا منها من دون أن ينكشفوا.
ونعتمد على الاتصالات بالانترنت والسكايب
لتداول المعلومات والإحصاءات».
وردا على سؤال حول لماذا النزاع على ملكية
المرصد ومن يحاول انتزاع الاسم، قال عبد
الرحمن لـ«السفير»، «تلقيت تهديدات من
النظام وبعض أدعياء المعارضة لإسكاتي. وفي
بعض الفضائيات يعمل سوري يتولى الملف
السوري فيها على إسكاتي، وآخر في فضائية
أخرى معروفة يقوم بالتعتيم على أخبارنا..
المعارضة لا تريدني أن أتحدث عن المعارك
بين المنشقين والجيش السوري وخسائره. وبعض
المعارضين طلبوا مني التسويق للتدخل
الخارجي العسكري والمطالبة بضربة عسكرية
كأني زعيم الناتو. وبعضهم اعتقد اني أطمح
من وراء المرصد إلى تصيد منصب وزاري ما».
الحرب على المرصد لم تتوقف. اتهامات كثيرة
سيقت ضد رامي عبد الرحمن «عميل للنظام
وموجود في سوريا أو شخصية وهمية اخترعها
النظام. خرجت إلى وسائل الإعلام والشاشات
كي أرد على الاتهامات وأنا مسؤول عما أقول،
أمام المحاكم وأمام أي جهة للتحقيق في صحة
معلوماتنا، التي لم يستطع الإعلام الرسمي
السوري تكذيبها الحقائق وحدها تخدم قضية
الشعب السوري، وتضخيمها لا يخدم سوى
أعدائه. الاشتباكات المسلحة في كل بلدة
ومدينة، البعض يريد إنكارها، يريد فقط
التركيز على الجانب السلمي من الحراك.
عندما نرى المنشقين المسلحين في كل فيديو
هل يمكن التغاضي عن هذا الجانب من الصراع،
الاشتباكات في درعا وريفها وريف دمشق وحمص
وريفها وفي إدلب وريفها ودير الزور وريفها
وأكثر من منطقة سورية. هل المطلوب أن نقول
إنه لا توجد أي اشتباكات. عندما أتحدث عن
الهجوم على حافلة عسكرية يزعج ذلك
المعارضة والنظام».
و«الراصد» عبد الرحمن يرى خريطة الحراك
الشعبي وتحولاتها من سلمية كاملة في آذار
إلى انزلاق نحو العسكرة. ويقول «الحراك
كان سلميا لكنه أصبح محاطا بمجموعات منشقة
مسلحة تقوم بعمليات ضد الجيش السوري
واشتباكات تقع على الطرق لا علاقة لها
بالتظاهرات في ريف حماه وادلب ودرعا».
يعتقد النظام انه قادر على الانتصار مع
الخيار الأمني وبدأ عملية عسكرية واسعة في
ريف دمشق «إنه ضرب من الخيال ولو كان
الخيار الأمني حلا، لكان تحقق ذلك في
نيسان الماضي قبل أن تتسلح الثورة،
العملية متأخرة جدا. إن انهياره هي مسألة
وقت لا أكثر. كان من الأفضل له لو دافع عن
تراب الوطن وليس قتل أبناء شعبه».
وهل بوسع الجيش السوري أن يواجه عملية
عسكرية خارجية، في وضعه الحالي، يرد عبد
الرحمن «من الصعب القول إنه قادر على
مواجهة حرب خارجية لأنه في حال استنزاف
مستمر منذ 10 أشهر».
وحول لماذا لم ينشق الجيش السوري بالاتساع
المتوقع بعد استخدامه لمواجهة الحراك
الشعبي في جميع مراحله، يقول «لأنه جيش
حافظ الأسد، ولأن الضباط موالون بطبيعتهم
للنظام السوري، الذي كان حريصا على
انتقائهم، بعكس الرتباء والمجندين الأقرب
إلى الشعب، لذا لم تظهر عمليات انشقاق
واسعة».
وعن من هم المنشقون ومن هو «الجيش الحر»
وهل نجحوا في تأسيس بؤرة مسلحة، تجتذب
وحدات بأكملها من الجيش السوري وتعجل
بانهيار النظام، قال عبد الرحمن «لا يوجد
أي منطقة آمنة لا يستطيع الجيش السوري
دخولها. والرهان على انشقاق وحدات أو
ألوية من الجيش السوري ليس واقعيا حتى
اللحظة. لم ينشق حسب معلوماتي أي ضابط
برتبة كبيرة مع عناصره. كما لم تنشق أي
وحدة عسكرية بكاملها. هناك حالات فردية
بين الضباط، ومجندون بأعداد متفاوتة
انشقوا، لكن الجيش لا يزال بشكل عام وفيا
للنظام».
أما لماذا انزلاق الحراك الشعبي نحو فتنة
طائفية في حمص تحديدا، فلأن «الأجهزة
الأمنية السورية هي التي دبرت الفتنة
الطائفية، وقامت من بين ما قامت به بتسريب
أشرطة التعذيب للمعتقلين، تظهر لهجة
الجلادين العلوية في مدينة يسكنها 25 في
المئة من العلويين. وفي بانياس لم يكن
هناك تمييز بين الطوائف، لكن النظام قام
بالترويج لوجود مجموعات سلفية في الأحياء
السنية الجنوبية لبانياس. الإعلام
اللبناني والسوري شارك في ذلك. ومهد ذلك
لعملية اقتحام تلك الأحياء في السابع من
أيار. اعتقل الآلاف ونقلوا إلى الملعب
البلدي، وقام الجيش والأمن الشبيحة
بتعذيبهم. ونقلوا بعدها إلى طرطوس في
حافلات استعرضتهم في القرى العلوية
المجاورة باعتبارهم سلفيين وأهينوا علنا
في الشوارع. إذاً، من يعمل على تكريس
الفتنة الطائفية؟».
وحول انه إذا لم يتم الوصول إلى حل سياسي
يفتح الباب أمام مرحلة انتقالية فإلى اين
تذهب سوريا، يقول عبد الرحمن «لولا تضخيم
الإعلام الرسمي السوري لما حدث ومبالغات
مؤيدي النظام من الإعلاميين اللبنانيين
والسياسيين الذين نشروا أكاذيب حول حقيقة
الثورة السورية وسيناريوهات خيالية، لكنا
شاهدنا، ربما، حلا ديموقراطيا في بداية
الثورة. لكن من دون حل سياسي، نسير اليوم
نحو حرب أهلية». |