في الأول من نيسان يحتفل
الآشوريون(سريان/ كلدان)، في سوريا ومختلف
أنحاء العالم ببداية عام آشوري جديد (6761
آ ) وفق تقويمهم القومي الخاص والمعروف
بعيد "الأكيتو" الذي يعتبر أحد أبرز
أعيادهم وهو تقليد توارثوه عن الأكاديين
والبابليين سكان سورية وبلاد ما بين
النهرين الأوائل، وتقام بهذه المناسبة
كرنفالات فلكلورية وتراثية ومهرجانات
شعبية مترافقة مع شعائر دينية...
هذا العام يستقبل الآشوريون السوريون عيد
الأكيتو والبلاد تشهد احتجاجات وتظاهرات
شعبية في العديد من المدن والمناطق وقع
فيها قتلى وجرحى برصاص قوات الأمن .. لا
شك أن قتل متظاهرين مسالمين يطالبون
بحرياتهم وبتحسين أوضاعهم المعيشية
وبمكافحة الفساد هو عمل مدان ومستنكر من
قبلنا ومن قبل مختلف القوى والفعاليات
الآشورية ..
كان ينتظر الآشوريون السوريون من الرئيس
بشار الأسد، في خطابه أمام مجلس الشعب
السوري بالأمس، لفتة كريمة ووطنيه منه
ويهنئهم في عيد الأكيتو باعتباره عيداً
وطنياً سوريا أصيلا في ابعاده وجذوره
التاريخية والحضارية .. كانوا ينتظرون منه
مثل هذه أللفتة لأهميتها في تعزيز اللحمة
الوطنية التي أشار اليها الرئيس في خطابه
وقال بأن ثمة قرارات تتعلق بتقوية وتمتين
الوحدة الوطنية.. اعتقد بأنه كان من
المناسب لا بل من الواجب الوطني أن يهنئ
رئيس البلاد الآشوريين بعيد الأكيتو ليس
فقط لأنه عيد وطني قديم لسوريا وشعبها
فحسب وانما ليؤكد سيادته على أن الحكم في
سوريا سينفتح على مختلف مكونات المجتمع
السوري ومن ضمنهم الآشوريين الذي يشكلون
جزءاًُ مهماً وأصيلاً من النسيج الوطني
لسوريا التي عنهم أخذت اسمها... لكن للأسف
تجاهل الرئيس احتفال الآشوريين السوريين
بعيد الأكيتو كما تجاهل وجودهم وقضيتهم
وحقوقهم الديمقراطية المشروعة في وطنهم .مثلما
أصيب الآشوريون بخيبة أمل كبيرة لجهة
حقوقهم القومية كذلك أصيبوا بخيبة أمل
لجهة حقوق السوريين فيما يتعلق بالحريات و
الاصلاحات السياسية التي يتطلعون
اليها..مثل رفع حالة الطوارئ... الغاء
المادة الثالثة من الدستور (دين رئيس
الدولة) وكذلك المادة الثامنة(حزب البعث
قائد الدولة والمجتمع) للتأكيد على أن
سوريا وطن لجميع ابنائها بدون تمييز أو
تفضيل و لضمان التداول السلمي والديمقراطي
للسلطة بشكل في البلاد .. لكن خطاب الرئيس
جاء خلافاً لتوقعات الكثيرين من أنه سيكون
خطاباً مفصلياً في التاريخ السياسي لسوريا
.. كما أعتقد بأنه خيب آمال التيار
الاصلاح السياسي ليس في المعارضة فحسب
وانما داخل حزب البعث نفسه.. اذ لم يؤكد
السيد الرئيس في خطابه على اتخاذ وتنفيذ
مثل هذه الاصلاحات الأساسية والملحة في
فترة قريبة.. الأمر الذي يعني بأن كل ما
قيل عن خطط وبرامج اصلاحية ستبقى مجرد
مسودات للنقاش العام لزمن غير محدد ومفتوح
وفي ذمة اللجان المكلفة بدارستها .. فلا
من قرارات أو مبادرات مهمة من شأنها أن
تحقق آمالهم في التحول و التغيير
الديمقراطي وممارسة حرياتهم السياسية
والاعلامية والفكرية التي يتوقون اليها
وحرموا منها .
لا أعتقد بأنه من الوطنية والعدالة
والديمقراطية أن يبقى الآشوريون في سوريا
يحتفلون في أعيادهم القومية والشعبية
الخاصة في ظل دستور يتنكر لوجودهم ويطمس
هويتهم وفي ظل قوانين وقرارات سياسية
وضغوطات أمنية،تقلقهم و تحذر عليهم ممارسة
أبسط حقوقهم القومية والديمقراطية.
في اطار سياسة القمع ومصادرة الحريات في
الأشهر والأسابيع القليلة الماضية اعتقلت
السلطات السورية العديد من الشبان
الآشوريين على خلفية طبعهم وتوزيعهم
لملصقات ورموز حضارية آشورية، حيث اتهمتهم
بإثارة النعرات الطائفية والعرقية في
البلاد.
بسبب القوانين الاستثنائية التي تحرم
التجمعات، وفي ظل القرارات السياسية التي
تحذر على الأحزاب والحركات الآشورية
ممارسة نشاطاتهم القومية والسياسية، مازال
الكثير من الآشوريين يتخوفون من المشاركة
في الاحتفالات الخاصة بعيد (الأكيتو)
والمناسبات الآشورية الأخرى، وذلك تحاشياً
للاستدعاءات أو المضايقات الأمنية..أن
سياسة غض النظر التي تنتهجها السلطات
السورية تجاه بعض النشاطات والفعاليات
الثقافية والاجتماعية للآشوريين في
مناسباتهم الخاصة، لا يمكن عدها حقوقاً
قومية أو ديمقراطية لهم، فالحقوق والحريات
يجب أن يضمنها الدستور وتصونها القوانين
والتشريعات وليس مزاج الأجهزة الأمنية،
كما لا يمكن لسياسات غض النظر أن تنشر
الطمأنينة والاستقرار في نفوس
المواطنين..وبسبب انغلاق الدولة السورية
على نفسها ونتيجة سياسات التمييز القومي
التي تنتهجها بحق القوميات الغير عربية
مثل الآشوريين والأكراد والأرمن وغيرهم
تحولت ظاهرة التنوع الإثني واللغوي
والثقافي التي يتصف بها المجتمع السوري من
ظاهرة حضارية إلى عقدة وطنية، والحكومة
السورية هي المسؤولة عن الحساسيات
والاحتقانات القومية والتوترات الاجتماعية
التي تحصل في المجتمع السوري من حين لآخر...
ألم تعي السلطات السورية بعد أهمية وضرورة
التعاطي مع الأعياد والمناسبات الخاصة
للآشوريين والأكراد وغيرهم من منظور وطني
ديمقراطي حضاري، بعيداً عن الحساسيات
القومية والسياسية والعرقية..اذ لا يمكن
بناء وحدة وطنية سليمة وصحيحة عبر اساليب
القهر والزجر والاكراه.. وانما بالانفتاح
والحرية ونشر ثقافة التسامح وباحقاق
العدالة والمساواة بين جميع السوريين دون
تمييز على اساس قومي أو ديني أو سياسي...
سليمان يوسف... سوريا.. القامشلي |