اكد المعارض السوري ياسين الحاج
صالح ان مؤتمر المعارضة في انطاليا
والرامي على ما يبدو «الى توفير إطار
سياسي داعم للانتفاضة في الداخل» هو مسعى
محمود من حيث المبدأ «لكنه يعاني ثغراً
خطيرة تقلل من أثره المحتمل، أهمها أن أياً
من الداعين للمؤتمر والمشاركين فيه لا
يحظى بقدر كافٍ من الاعتراف به والإجماع
حوله، حتى ان بعضهم إشكاليون جداً، وكانت
مساهمتهم في إثارة الشقاقات داخل الطيف
المعارض التقليدي أكبر من دورهم في الحدّ
منها»، معلناً «في تقديري أن الخطوة ككل
مرتجلة ومن المحتمل أن تكون مناسبة لمزيد
من الشقاق والتمزق».
واذ شدد صالح في حديث الى «الراي» على ان
اثارة النظام السوري للهاجس السلفي، عبارة
عن «اختلاق محض»، اعلن انه شعر «بالغضب
والإهانة» جراء موقف الامين العام لـ «حزب
الله» السيد حسن نصر الله من الاحداث في
سورية، معتبراً «ان ما لا يُغتفر أن يقف
نصر الله إلى جانب النظام ويدعو السوريين
إلى الحفاظ عليه بعد تعامل وحشي معهم
وسقوط 1100 شهيد»، ولافتاً الى «ان دعوة
نصر الله المقتولين إلى الحفاظ على النظام
الذي يقتلهم أمر يدعو إلى الاحتقار».
• عشية اجتماع المعارضة السورية في تركيا
ما قراءتك لهذه الخطوة؟ وهل لديكم معلومات
عن جدول أعمال المؤتمر؟ والى أي حد يدعم
بنية المعارضة على مستوى الاطار الجامع؟
- معارضون سوريون، وليس المعارضة السورية،
هم مَن يعتزمون عقد المؤتمر المشار إليه
في السؤال، والغرض فيما يظهر هو توفير
إطار سياسي داعم للانتفاضة في الداخل.
وهذا مسعى محمود من حيث المبدأ، لكنه
يعاني من ثغر خطيرة تقلل من أثره المحتمل.
أهمها أن أياً من الداعين للمؤتمر
والمشاركين فيه لا يحظى بقدر كافٍ من
الاعتراف به والإجماع حوله. والواقع أن
بعضهم إشكاليون جداً، كأشخاص وكدور وكخطاب.
وكانت مساهمتهم في إثارة الشقاقات داخل
الطيف المعارض التقليدي أكبر من دورهم في
الحدّ منها. ومَن ليسوا إشكاليين بينهم لا
يتمتعون برصيد سياسي وأدبي مهمّ في الداخل.
وتقديري أن الخطوة ككل مرتجلة وغير مدروسة،
وأن من المحتمل للمؤتمر الذي لا علم لي
بجدول أعماله أن يكون مناسبة لمزيد من
الشقاق والتمزق. ومن المستبعد، تالياً، أن
يسجل إضافة إلى فاعلية المعارضة.
لكن هذا لا يعني أنه سيكون سلبي الأثر
بالضرورة على الانتفاضة. فللانتفاضة
دينامية اجتماعية وسياسية وأخلاقية مختلفة،
مستقلة عن منازعات وانقسامات المعارضة
التقليدية، وتأثير هذه الإيجابي أو السلبي
عليه محدود.
• ماذا عن السياق التنظيمي للمعارضة؟ وهل
هناك توّجه لتأسيس مجلس انتقالي يسد أي
فراغ سياسي محتمل؟
- ليس هناك متن جاذب للمعارضة السورية في
الأعوام الأخيرة. كان ائتلاف «إعلان دمشق»
الذي تَشكل في خريف 2005 أقرب شيء إلى هذا
المتن، وقد ضم يساريين وليبراليين من
المعارضة الداخلية، وعدداً من التنظيمات
الكردية، وانضمّ إليه حينها الإخوان
المسلمون أيضاً، وشخصيات مستقلة معروفة.
لكن تطورات متنوعة أضعفته، وأفقدته دوره
كمتن جامع. هذا أدى إلى تفلُّت أو تخلخل
الطيف المعارض، وظهور أفراد غير مجرّبين
وغير موثوقين أحياناً، بعضهم «زعران»،
وكذلك مجموعات لا تقاليد لها، ولا تنضبط
بمبادئ فكرية وسياسية واضحة.
في التداول كلام غامض عن مجلس انتقالي،
لكن لا شيء ملموس بحدود ما أعرف، وربما لا
يملك أحد من الشرعية ما يكفي للإقدام على
خطوة كهذه. وهي ليست ضرورية أو لازمة الآن
على كل حال. الأولوية للانتفاضة
واستمرارها واتساع نطاقها، ثم لتوفير إطار
سياسي داعم لها في الداخل. وهذا ما يستحق
أن تُبذل الجهود من أجله في رأيي.
• الحركة الاحتجاجية في سورية تبدو الى حد
ما عفوية. هل هناك دور للمعارضة في تنظيم
حراك الشارع؟
- ليست عفوية. لها تنظيم ذاتي أنتجته هي
تدريجاً، يتمثل في «لجان التنسيق المحلية»،
لكنها دون إطار سياسي جامع، ودون وحدة
إيديولوجية. هذه سمة الثورات العربية
عموماً. المعارضة الداخلية، «إعلان دمشق»
بخاصة، مساند للانتفاضة، التي لم يعترض
عليها أي تنظيم معارض. وناشطو الإعلان
داعمون لها بصيغ متنوعة، أو مشاركون فيها.
لكن ليس هناك تيار سياسي محدد يقود
الانتفاضة. وهذا، بالمناسبة، يمنحها
انتشاراً أفقياً أوسع، ويحدّ من تأثير
نقاط ضعف المعارضة التقليدية عليها.
• ما هو تفسيرك لتأكيد الرئيس بشار الأسد
على تظهير الحركة الاحتجاجية على أنها ذات
خلفية سلفية؟
- يجب أن أقول بداية ان إرجاع الانتفاضة
السورية إلى السلفية أو الأصولية اختلاق
محض، لا أساس له. فمَن هم هؤلاء السلفيون
الذين لا يُصدرون بياناً يقولون فيه ماذا
يريدون، أو يطلقون تصريحاً يعبّر عنهم، أو
ينشئون موقع إنترنت يُعرِّف بهم؟ كان
تنظيم «القاعدة» ناشطاً في مجال الإعلام
بقدرٍ لا يقلّ عن نشاطه «الجهادي». وكان
للإخوان المسلمين السوريين مجلة أيام
مواجهتهم للنظام بين أواخر سبعينات القرن
العشرين ومطلع ثمانيناته، حين كانت مسائل
الإعلام والاتصال أشد صعوبة بكثير مما هي
اليوم. وكانوا لا يكفون عن إصدار البيانات
المعبّرة عن مواقفهم والمعلنة عن أنشطتهم
العسكرية والسياسية. اليوم لدينا تيار
سلفي مزعوم، يقيم إمارات سلفية متعدّدة في
درعا وحمص وبانياس، لكنه لا يُصدر تصريحاً
واحداً، ولا يقول ماذا يريد! لماذا هو
أبكم إلى هذا الحد؟ لأنه، بكل بساطة، غير
موجود!
فلماذا، إذن، يصر النظام على اختلاقه؟
لثلاثة أسباب. أولاً لتسويغ سحق الانتفاضة
بالقوة، الأمر الذي لا يمكن تبريره طبعاً
لو أقر النظام بأنه يواجه احتجاجات شعبية
سلمية. ثانياً لبيع القمع المنفلت في
البلاد للأميركيين بوصفه مواجهة لإرهاب
إسلامي، ومحاولة صنع وحدة حال مع الغرب.
ثالثاً لإثارة التوترات والمخاوف الطائفية
بهدف تصليب القاعدة الاجتماعية للنظام في
مواجهة الوحش السلفي الذي «سيذبحكم» إذا
خرجنا «نحن» من السلطة. إنها سياسة
التخويف والتفريق من أجل السيطرة.
• كيف قاربتم العقوبات التي فرضها الاتحاد
الاوروبي على الرئيس الأسد وقيادات النظام؟
وهل تتوقعون انتقال الملف السوري الى مجلس
الأمن؟
- أقدّر أنها مزدوجة الأهمية. من جهة،
تقيّد حرية الحركة الاقتصادية والسياسية
والشخصية للنظام ورجاله في أوروبا، علماً
أن فؤادهم هناك، وليس في طهران أو في
الضاحية الجنوبية أو غزة، أو في أي مكان
آخر. لكن الأهم أنها تعزل النظام عن «الخارج»،
الذي يفضل (النظام) أن يلفت انتباهه وينال
اعترافه، ويقيس قيمته ووزنه بكثافة
اتصالاته معه. النظام السوري مثال
لـ»الدولة الخارجية» التي يُثير تدهور
علاقاتها مع الخارج اكتئاباً عميقاً فيها.
وخصوصاً حين يتعلق الأمر بالمركز الغربي،
ومركز المركز الأميركي. لذلك، بلى،
العقوبات مؤثرة، ومن شأن استمرارها أن
يدفع النظام فعلاً إلى تغيير سلوكه، وهو
ما تطلبه القوى الغربية حتى الآن.
وحتى الآن يبدو أن الموقف الروسي هو ما
يحول دون تحويل الملف السوري إلى مجلس
الأمن، رغم إعلان الأوروبيين عزمهم القيام
بذلك. اما هل سيغير الروس موقفهم على نحو
ما فعلوا بخصوص ليبيا؟ فهذا ليس ظاهراً
بعد، لكنه لن يكون مفاجئاً.
• برز أنموذجان في تعاطي المجتمع الدولي
مع الحركات الاحتجاجية في العالم العربي،
واحد يُقوم على الضغوط من بُعد وآخر عبر
التدخل العسكري. في أي اتجاه يسير الوضع
السوري؟
- لا أظنه يسير باتجاه التدخل العسكري حتى
لو دان مجلس الأمن النظام السوري. فلا أحد
في سورية أو في العالم العربي يرغب في
تدخل عسكري، ولا دافع لدى القوى الكبرى
لفعل ذلك. ومن شأن احتمال كهذا أن يكون
نكسة لتطلع الانتفاضة السورية الكبرى إلى
سورية جديدة قائمة على الحرية والاستقلال،
لا مكسباً لها. الضغوط السياسية
والديبلوماسية والاقتصادية على رجال
النظام مفيدة، وأقدّر أنها يمكن أن تكون
مثمرة في الحالة السورية أكثر مما في حالة
العراق أيام صدام وفي حالة ليبيا القذافية.
• ما مقاربتك لموقف الأمين العام لحزب
الله السيد حسن نصر الله من الأحداث في
سورية الذي أدلى به في خطابه الأخير؟
- شخصياً، شعرت بالغضب والإهانة. أستطيع
أن أفهم ألا يؤيد «حزب الله» الانتفاضة
السورية، ولا أنتظر منه أن يقف إلى جانبها،
لكن ما لا يُغتفر في نظري أن يقف نصر الله
إلى جانب النظام وأن يدعو السوريين إلى
الحفاظ عليه، بعد شهرين ونصف من الانتفاضة،
وبعد سقوط 1100 شهيد، وبعد تعامل وحشي مع
السوريين لا يعقل ألا يكون نصر الله رأى
أمثلة وفيرة عليه. أن يدعو «السيد»
المقتولين إلى الحفاظ على النظام الذي
يقتلهم أمر يدعو إلى الاحتقار. وقد جاء
الرد سريعاً، اذ بعد يومين أحرق متظاهرون
سوريون في البوكمال صور نصر الله، وامتلأت
صفحات الفايسبوك بتعليقات مزدرية له
ولحزبه، من أناس كانوا أقرب إلى تأييد
الرجل وتفهم مواقف الحزب من قبل.
• صحيفة «الوطن» السورية أشارت الى تقاطع
العقوبات على سورية مع اجراءات اخرى يمكن
ان تصدر عن هيئات دولية مثل الوكالة
الدولية للطاقة الذرية والمحكمة الخاصة
بلبنان. ما هو تفسيركم لذلك؟ وهل يمكن أن
تتجه سورية باتجاه كوريا الشمالية كما
أشارت الصحيفة ايضاً؟
- نعم، هناك إشارات على احتمال ضغوط أكبر
تستهدف النظام من جهة الملف النووي أو
المحكمة الخاصة بلبنان. وفي هذا توظيف
انتهازي غير مستغرب من القوى الغربية
لملفات أخرى كانت مركونة على الرف، أو
متروكة مؤقتاً، بغرض مزيد من عزل النظام
والضغط عليه. لكن لن أهدر ذرة من الانفعال
على هذا التوظيف الانتهازي للقانون الدولي
ولا سيما أن الضغوط الدولية تصاعدت على
النظام بمبادرة من منظمات حقوقية وهيئات
مدنية ووسائل إعلام، ولأسباب تتصل بتعامل
النظام الهمجي مع محكوميه. لدينا نظام ليس
انتهازياً فقط، وليس بلا مبدأ فقط، بل هو
دموي أيضاً. ولا نستطيع الاستناد إلى نظام
يقتلنا لنقد منطق دولي غير مستقيم. هذا
مركب الممانعة، ونحن السوريين أعرف الناس
بأنه مركب الفاسدين القامعين الكاذبين.
يتجه النظام إلى كوريا الشمالية؟ أنعم
وأكرم! أظن أن في قول جريدة رامي مخلوف
كلاماً هاذياً كهذا يدلّ على إمعان النظام
في الانفصال عن الواقع، وعلى استعداده
لفعل كل شيء كي يحتفظ بالسلطة. كوريا
الشمالية بلد لا يطيق مسؤول سوري زيارته
أو العيش فيه، أو طبعاً توزيع أرصدته على
بنوكه. لكن ربما حالة العزلة والنبذ تثير
شعوراً بوحدة الحال مع ذلك النظام التعيس.
فالطيور على أشكالها تقع. |