أخبار الوطناتصل بنا الرئيسية

31/07/2010

 

عن تعايش الأكراد وجوارهم

فايز سارة

 

يشكل الأكراد واحدة من أكبر الجماعات القومية في شرق المتوسط، وهو امر ينطبق على سورية وتركيا والعراق وايران، وفي كل هذه البلدان كان ثمة مشكلة تتعلق بوجود الأكراد وعيشهم في اطار التكوين السياسي الاقتصادي والاجتماعي الثقافي القائم. وهو امر يعود بالأساس إلى التبلورات القومية التي شهدتها بلدان المنطقة وبخاصة بعد الحرب العالمية الاولى، والتي تمخض عنها ظهور البلدان الاربعة بالصورة الحالية، متزامناً مع غياب أي وجود لدولة كردية في اطار هذا التكوين الاقليمي.

لقد نظرت الدول الاربع الى غياب الدولة الكردية عن خريطة المنطقة من دون اكتراث، او انها لم تهتم بالامر اصلاً، وزادت على ذلك، بأن اعتبرت الأكراد المقيمين داخل حدودها من التكوين القومي العام والسائد ذاته، وهو امر كان ملموساً في الدول الاربع وان بتفاوتات بسيطة.

غير أن نخبـــة الأكراد فــي هذه الدول، كان لهم رأي مختلف، يقوم على تمايزهم القومي والثقافي، وحقهم في اقامة دولة – أو دول - تخصهم، وهو ما تبنته غالبية الجماعات السياسية الكردية الحديثة، وان لوحظ بعض الاختلاف في حدود خرائط «الدولة الكردية» التي وزعتها باعتبارها خريطة دولة المستقبل الكردي.

وأمعن بعض مكونات النخبة الكردية في مطالبها السياسية باللجوء الى العمل المسلح، وتشكيل جماعات مسلحة على طريق تحقيق اهدافها في إقامة كيانات كردية على نحو ما سعى اليه الزعيم الكردي العراقي الملا مصطفى برزاني، ولاحقاً ما جسده حزب العمال الكردستاني بقيادة عبدالله اوجلان في تركيا، والذي تبنى العمل المسلح منذ اطلاقته بداية ثمانينات القرن الماضي.

وبطبيعــة الحال، فإن توجهات النخبة الكردية، تركت أثرها في موضوع تعايش الأكراد مع جيرانهم في البلدان الاربعة، وان يكن بسويات متفاوتة، اثرت فيهـــا الى جانب جهود وتوجهات النخبة الكردية مجمـــل السياسيات القومية والاجتماعية والثقافية، التي تابعتها حكومات تلك البلدان حيال السكان من الاصـــول الكردية، والتي غالباً ما كانت سياسات متشددة، وشوفينية في كثير من الاحيان. فولدت تشدداً وشوفينية في الجهة المقابلة. كما جرى استغلال الاوضاع الكردية من جانب قوى اقليمية ودولية، في عمليات الصراع السياسي والتدخلات المصلحية الموقتة، سواء داخل الدول الاربع او في الاطار الاقليمي لأهداف لا تتعلق بالموضوع الكردي، بل بموضوعات ومصالح اخرى.

غير أن التطورات السياسية، التي شهدتها منطقة شرق المتوسط في العقود الثلاثة الماضية، والتي كان في عدادها قيام الجمهورية الاسلامية في ايران، ثم حرب العراق وايران، والتحولات العميقة في بنية تركيا السياسية وفي مجمل سياساتها، وسقوط نظام صدام حسين في العراق بعد حربين دوليتين عليه، وتبلور الكيان الكردي شمال العراق برعاية دولة، وزيادة حضور وتأثير القوى الدولية والاقليمية في الشأن الكردي وفي شؤون المنطقة عامة، ساهمت جميعها في التأثير في واقع تعايش الأكراد مع جوارهم، وهو ما يمكن ملاحظته في اتجاهين:

الاتجـــاه الاول والذي تمثله النزعة الانفصالية الحادة، والذي غالباً ما تترافق مع احاسيس العداء نحو الجوار او الحذر والشك في ادنى المستويات، ويظهر المنتمين الى هذا الاتجاه بصورة خاصة في شمال العراق، ولهم حضور واضح في البنية القيادية لإقليم كردستان.

الاتجاه الثاني السائر نحو التعايش مع الجوار والتفاهم وفق شروط معينة، ويمثل اصحاب هذا الاتجاه القسم الكبير من أكراد سورية وقسم من أكراد تركيا الذين احبطوا من النزعة العسكرية التي مثلها حزب العمال الكردستاني، وهو خيار اوساط من أكراد ايران وبعض أكراد العراق الذين ما زالت لهم رغبة البقاء في اطار عراق موحد.

لقد جرب الأكراد خيار العمل العسكري طريقاً نحو اهدافهم وطموحاتهم، لكن النتائج كانت سلبية على نحو عام، وحتى في الحالة التي مثلها الإقليم الكردي في شمال العراق، فإن النتائج ليست مرضية لقطاعات كبيرة من الأكراد، الامر الذي يجعل قسماً كبيراً منهم يفكر بأساليب سياسية جديدة

تضعهم على طريق طموحاتهم واهدافهم سواء كانت في اتجاه دولة او كيان كردي، او عيشاً في اطار كيان مشترك يجمعهم في كيانات وطنية مع غيرهم من عرب او اتراك او ايرانيين تحفظ وترعى حقوقهم القومية والثقافية.

لقد عانى الأكراد كثيراً من سياسات متناقضة، وخضعـــوا لسياسات تجاهل وتهميش، ومورست ضــــدهــــم سياسات شوفينية - عنصرية، ودفعهم البعض الى حمامــــات دم، ما زال بعض مساربها حاضر، وقد آن الاوان لنهاية ذلك كله، لأن الأكراد كما جوارهم من عــــرب واتراك وفرس، يستحقون العيش بسلام مجتمعين او منفصلين، ويستحقون ان يشاركوا الآخرين من ابناء المنطقة رسم مستقبلها ومستقبل أجيالها القادمة خالياً من العنصرية والشوفينية وحمامات الدم.

* كاتب سوري

المصدر:صحيفة الحياة السعودية  - أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري