في وثيقة سرية من السفارة الأميركية في
دمشق تحمل الرقم (06Damascus 224 )، أفادت
مصادر أنّ الأشخاص المرجّح ذكر أسمائهم في
تقرير لجنة التحقيق الدولية في 15 كانون
الأول 2006 قد قاموا بحماية أصولهم
استباقا للعقوبات المنتظرة.
وقد وضع مسؤولون داخل النظام السوري
ممتلكاتهم داخل البلاد وخارجها، تحت أسماء
أفراد من عائلاتهم، وتجنّبوا تحويل
الأموال عبر المصارف، وعمدوا في المقابل
إلى تهريبها نقدا عبر الحدود، من خلال
استخدام مكاتب الصيرفة في سوريا.
ويتمتع المسؤولون داخل النظام السوري
بالثروات والرفاهية بفضل حفنة من رجال
الأعمال تقوم بدور المموّل للنظام.وتشير
المصادر إلى أن معظم السوريين سيؤيدون فرض
عقوبات اقتصادية على هؤلاء الممولين وعلى
الأشخاص المتورطين أيضا في عملية اغتيال
الرئيس رفيق الحريري، باعتبار أن العقوبات
ستربط "أسماءهم بالعار" وتجعل الأمر أكثر
صعوبة عليهم للحفاظ على نفوذهم وقبضتهم
على السلطة.
وبحسب وثيقة "ويكيليكس" والتي نشرتها
صحيفة "الجمهورية"، فقد إتّخذ معظم
الأشخاص الذين قد ترد أسماؤهم في التقرير
الذي سيقدمه رئيس لجنة التحقيق الدولية
ديتليف ميليس إلى مجلس الأمن، والمتعلّق
بعملية اغتيال رفيق الحريري، إجراءات
لحماية ممتلكاتهم وأصولهم. وكدليل إلى ذلك،
شهدت مختلف أعمال الشخصيات السورية الـ18،
التي سبق ذكرها بموجب أمر تنفيذي أميركي
أو قرار مجلس الأمن، تراجعا وجمودا.
وعلى سبيل المثال، قام وزير الداخلية
السابق غازي كنعان، الذي انتحر في 13
تشرين الأول، بإغلاق حسابات له في مصارف
أميركية وإخفاء أصوله في حسابات تحت أسماء
أفراد عائلته، ذلك قبل سنوات من إدراج
اسمه ضمن الأمر التنفيذي 13338 ولائحة
وزارة الخزانة التي تُجَمّد بموجبهما
ممتلكات الأشخاص وأصولهم.
وتم تسليط الضوء على استهزاء كنعان
بالعقوبات في الصحافة المحلية، إذ نقلت
عنه "إذا وجدوا هناك شيئا، فليجمّدوه".
وبما أنّ نقل الملكيات والأصول إلى أسماء
أفراد العائلة هي ممارسة شائعة بين
السوريين بهدف حمايتها من كل تدقيق داخلي
ودولي، يقوم المسؤولون داخل النظام بوضع
ممتلكاتهم بأسماء أولادهم الذين تزيد
أعمارهم عن 18 عاما وليس بأسماء زوجاتهم.
وأشار أحد المصادر إلى وجود صك قانوني
يدعى "ورقة ضد" تتيح للمالك وضع ممتلكاته
باسم شخص آخر ومن ثم استعادتها في وقت
لاحق.
وأفادت المصادر أنّ مسؤولين داخل النظام
قاموا بنقل أصولهم إلى حسابات أجنبية في
أوروبا والخليج، من بينها قبرص، تركيا
ودبي، وبالتالي لن يحتاجوا إلى إجراء
تحويلات قد يتم حظرها من قبل المؤسسات
المالية.
وفيما كان لبنان السوق المالية المفضلة
للسوريين نظرا إلى قوانين السرية المصرفية
الصارمة، هناك أدلّة إلى أن بعض السوريين
نقل أصوله من المصارف اللبنانية خوفا من
انعدام الأمن.
وأفاد نبيل حشيمي المدير العام لبنك "بيمو"
السعودي الفرنسي وأحد المصارف الخاصة
الأربعة في سوريا، أنّ المصرف يتلقّى عددا
كبيرا من الحسابات النقدية الجديدة وحوالى
40 إلى 50 تحويلا إلكترونيا يوميا من
سوريين كانوا أودعوا أموالهم في لبنان،
ذلك بعد أن رفعت الحكومة اللبنانية السرية
المصرفية في آب عن حسابات أشخاص يشتبه في
تورّطهم في عملية اغتيال الحريري.
وتشير المصادر إلى أنّ المسؤولين السوريين
سيواصلون تهريب أموالهم بالعملة السورية
عبر طرق تهريب نقدية عبر الحدود اللبنانية
والأردنية من أجل الحصول على العملة
الصعبة، ومن ثم نقلها إلى حسابات مصرفية
في دبي التي وصفها أحد المصادر بـ"أداة
فعّالة لغسل أموال الأنظمة".
ويشير رئيس "وسترن يونيون" لتحويل الأموال
في سوريا وصرّاف سابق، إلى أن هذه الطريقة
لتهريب الأموال وغيرها من الطرق راسخة جدا
وتخدم سوقا كبيرة للعملة السورية في لبنان،
الأردن ودول الخليج، حيث يوجد مغتربون
سوريون يتقاضون أجورا بالعملة الصعبة
ويريدون تحويلها إلى العملة السورية.
ويشير إلى أنّ المسؤولين يقومون بتحويل
أموالهم إلى الدولار ونقلها إلى الخارج
عبر وكلاء محليين على صلة جيدة بالنظام.
وأحد هؤلاء الصيارفة هو "سهلول عكا أبو
شفيق".
وفق طبّاع، برهن "سهلول" أخيرا عن فعالية
وجدارة، من خلال تزويد الحكومة السورية
أسماء منافسيه في السوق السوداء الذين
قُبض عليهم ضمن آخر محاولة من الحكومة
لدعم الليرة السورية وإغلاق السوق السوداء.
لكنّ عمليات "سهلول" لم تتأثر، وبقي يعمل
كإحدى المؤسسات العالمية مع شركاء وفروع
في العراق ودبي ودول الخليج. وأفاد باسل
الحافي وهو فرد من عائلة سنّية تتمتع
بنفوذ وأحد الأصدقاء المقربين لسهلول، أنّ
رامي مخلوف أحد أفراد عائلة الأسد، يستعمل
مدراء شركاته الشرعية، منهم نادر قلعي
المدير العام لـ"سيرياتل" لنقل حوالى
مليار إلى مليارين دولار يوميا عبر مؤسسة
"سهلول" للصيرفة إلى حسابات مصرفية في دبي.
وعلى رغم أنّ المسؤولين السوريين تمكّنوا
من نقل أموالهم متجنّبين القنوات المالية
الشرعية، فإنّهم يستمرون مدينين بثرواتهم
إلى أعمال عصابة صغيرة من رجال الأعمال
تعمل كممول للنظام. وهو واقع شائع ومقبول
عموما في دمشق، إذ إنّ جميع الصفقات
التجارية الكبرى يجب أن تمر عبر هذه
العصابة التابعة للنظام، والتي تضم رامي
مخلوف ومحمد حامشو. وعلى رغم أنّ مخلوف
أعلن عن تحويل قاعدة عملياته إلى دبي،
ولمّح إلى انفصاله عن النظام، فإنّ
السوريين يعتقدون أنّ مخلوف ما زال يؤدي
دور المموّل الأول.
ويشار إلى أنّ مخلوف يدير أمبراطورية
مالية تضم شركتي الهاتف المحمول "سيرياتل"
و"أريبا"، وسلسلة متاجر "راماك" في
المناطق الحرّة السورية، ومحطات لتوليد
الطاقة وحصة كبيرة في بنك "بيبلوس" أحد
المصارف الخاصة الأربعة في سوريا.
ويزعم كبار رجال الأعمال في دمشق المنتمون
إلى عائلات سنية كبيرة أنّ "حامشو" لا
يملك أي خبرة في عالم الأعمال، لكنّه
استمد ثروته ونفوذه من علاقاته بالنظام
السوري. وحسب طبّاع، لقد قدّم "حامشو"
معظم الدعم المالي للاحتجاجات اليومية
خارج مبنى السفارة الأميركية.
فرد آخر من "العصابة" هو "شاليش" إبن عم
الرئيس السوري ورئيس الأمن الرئاسي، يملك
شركة "أس إي أس" الدولية المتخصصة
باستيراد وتصدير السيارات والبناء. |