أخبار الوطن الرئيسية

05/03/2011

 

تهامة : سأعيد لك الرواية فلا تتأخري !

خولة غازي

 

تهامة: سأعيد لك الرواية التي أعرتني إياها في عيادتك قبل سنوات والتي أغواني بطلها الحسن بن محمد الوزان أو ليون الإفريقي في رحلة البحث عن الثروة الحقيقية عن المعرفة للوصل إلى الوطن الحقيقي.

ها أنا في أفريقيا أبحث عما فقدته في وطني ، يومها قلتِ لي ونحن نشرب القهوة : الشخصيات التي نصادفها لها دور كبير في تحديد مسار حياتنا .

كان كلامك دقيقاً ، فعندما يتعين علي أن أجيب عن سؤال من هنَ أكثر النساء اللواتي أثّرن في سأقول : تهامة معروف و ملاك السيد محمود

إن ارتباط هاتين السيديتين مع بعضهما البعض لا اعرف مرده ، سوى أنهما أزالتا الغشاوة عن عينيّ في أنّ وراء الصورة الجميلة التي يرسمها النظام عبر إعلامه ومناهجه ، توجد صورة قاتمة، وتعسف ، لم أكن قد عاينته عن كثب ، وبتعبير أدق: لم أعرف قبل سيدات يواجهن الخطر بهذا التحدي.

عندما علمت العام الفائت أن تهامة قد أعيد اعتقالها ، أحسست بغصة ، وبسكين تقطع ذكريات سقطت أمامي جريحة، كيف لنا أن ندير ظهرنا لمن يتربص بنا في ظلامه ،يطعننا من حيث لا ندري، وددت أن لا أصدق وكنت قاسية أكثر تحاشيت أن أرى صورها، وصور أولادها ، لإحساسي بالعجز وبالخيبة ، لإني خرجت من غرناطتي كما ولدتني أمي ،عيون تبكي وصرخة عزلاء في عالم جديد.

لا أدري لماذا تذكرت ملاك سيد محمود حين سمعت خبر اعتقال تهامة ، فملاك بالنسبة لي امرأة استثنائية وقادمة من عالم سحري ، كنتُ أتلمسه في روايات وأحاديث يتداولها بعض الأصدقاء همساً ، لم أكن أعرف شكلها ،لم أكن أعرف عنها إلا معلومة واحدة انها متوارية عن الأنظار خشية وقوعها في يد رجال الأمن وتركت إبنها " حسام "عند أهلها ،شدتني سيرتها ونسجت لها في خيالي صوراً وأشكالاً متغيرة، إلى أن رأيتها صدفة بعد سنتين على وجه التقريب ، أتت متخفية ، إلى منزل أصدقاء مشتركين ، قابلتني بإبتسامة لن انساها وأتمنى أن لا تفارقها أبداً ، وصوت هادئ واثق ، وعيون تبحث عن الأمان ، هذا الأمان الذي كان أيضاً ما تبحث عنه عيون تهامة التي إلتقيتها مع ملك بعد سنوات، كانت بعذوبة صوتها ودقتها في اختيار كلماتها تتقن الدخول بسهولة إلى عمق من يقف أمامها ، دقتها وحبها للوصول إلى تمام النتائج ككل الباحثين عن كرامة النقاء ، لم يأت كما تحب ، فقد ظلت تهامة لسنوات تتنشق رائحة غير مستحبة ، إلى أن اكتشفت صدفة وبعد ذهابها إلى أكثر من طبيب أنها تسكن مع خطأ طبي ، فقد نسي أحد الأطباء قطعة قماش طبي في أنفها حين إجرائها عملية للجيوب الأنفية .

ما حصل مع تهامة كخطأ طبي ، حدث كخطأ قانوني، من خلال قانون الطوارئ ، الذي لا يعرف من طارئه إلا حماية النظام من خصمه الأعزل : المواطن ، الذي تفاخرت به حامياً وحارساً مؤخراً زوجة الرئيس السوري في مقابلة صحفية ، حين سألها النجم براد بيت أثناء زيارته لسوريا عن أفراد الأمن الذي يتولون حماية السيارة التي تقلهم و يقودها الرئيس السوري ، فأجبته:" أن السيدة العجوز التي تعبر الطريق وأن الرجل المتواجد عند الزاوية هم الذين يحمونا". وزادت بالقول :"طالما الإنسان محاط بالناس فهو دائما في أمان".

هل تدري وهي تتفاخر بأمنها وأمانها، أن هناك من يدفع الثمن غالياً حتى يجعلها تنام بأمان هي وعائلتها ، وأن تلك السيدة العجوز التي تحميها قد تكون أم تهامة ، أو أم أي واحد منا، وهنا يبرز السؤال المكتوم : إذا كان المواطن من يحميكم ، فمن يحميه ؟

هل تدري وهي تتفاخر أن تهامة قد آمنت بصدق الوعود و تقدمت لها بطلب لمساعدتها كي تعود لحياتها المدنية ، بعد أن حرمت منها إثر حكم من أمن الدولة .فما يدفعه المواطن لهم ثمنه غالي ، وما يقدمونه له لا سوق له .

منذ أكثر من اسبوع دخلت تهامة في إضراب عن الطعام ، لآ اعرف مدى جدوى هذه الإضرابات في بلد وطن شعار ساسته: المواطن لا يموت من الجوع ، إننا فعلا جوعى المعرفة وإكتشاف فضاء أخر لحياة تليق بنا، فكم عمر سندفعه للوصل إليه؟.

تهامة: اخترت لك بعد بحث مقطع من ليون الأفريقي ، أتمنى أن يعجبك :

(أينما كنت فسيرغب بعضهم في التنقيب في جلدك وصلواتك.فاحذر أن تدغدغ غريزتهم يا بني، وحاذر أن ترضخ لوطأة الجمهور! فمسلماً كنت أو يهودياً أو نصرانياً عليهم أن يرتضوك كما أنت أو أن يفقدوك. وعندما يلوح لك ضيق عقول الناس فقل لنفسك أرض الله واسعة ورحبة هي يداه وقلبه. ولا تتردد قط في الابتعاد إلى ما وراء جميع البحار، إلى ما وراء جميع التخوم والأوطان والمعتقدات).

لن أقول لك كما نردد دائماً : الحرية لك ، لأنك الحرية و مثلك من تستحق أن نفتخر بها ونرفع رأسنا.. على أمل أن أراك قريباً بين سيزار وديانا وبكر .

تهامة : تواعدنا أنا و حسام إبن ملاك على اللقاء في حلب القديمة مع جميع الأصدقاء ، لذا سوف أواعدك أنت وملاك من الآن ، ولن انسى رواية ليون الأفريقي .. سوف أعيدها لك .. فلا تتأخري .

ستسمع قريباً شوارع حلب القديمة صوت كعب حذائك العالي ، و ضحكات أولادك وزوجك وأنت تغمريهم بالحنين والحب.

هوامش تحت وطأة قانون الطوارئ :

ملاك سيد محمود: ما تزال في حلب، وما تزال تعيد الأحداث ترتيب نفس النتائج : ابنها وولده يكبران بعيدين عنها والسبب قانون الطوارئ : كبر إبنها حسام ، وتزوج و سافر إلى هولندا ومؤخراً رزق بولد ، لا هي قادرة على رؤيته بسبب منعها من السفر ، ولا هو بقادر على الذهاب إليها للسبب نفسه .

تهامة معروف : طبيبة اسنان متزوجة منذ عام 2002من المعتقل السياسي السابق والكاتب بكر صدقي ولديها طفلان : سيزار في السادسة من عمره ، ديانا في الرابعة من عمرها .

اعتقلت السيدة تهامة معروف في العام 1992، بتهمة الانتماء إلى حزب العمل الشيوعي ضمن الموجة الأخيرة من الاعتقالات التي أدت إلى تفكيك بنية الحزب التنظيمية وإنهائه و تم تحويلها – مع آخرين – إلى محكمة أمن الدولة بدمشق ( وكانت أثناء ذلك طالبة في كلية الأسنان في جامعة حلب) وتم توجيه الاتهام إليها في الدعوى رقم الأساس 49، بالانتماء إلى منظمة سرية (المادة 306 من قانون العقوبات) والمقصود “حزب العمل الشيوعي” الذي انتهى عملياً منذ العام 1992.

بعد مرور عام على اعتقالها تقدمت بطلب إخلاء سبيل ، فوافقت لها المحكمة على ذلك على أن تستمر محاكمتها طليقة.

حضرت تهامة معروف جميع جلسات المحاكمة وهي تواصل دراستها في كلية طب الأسنان، لكنها غابت عن جلسة النطق بالحكم ، حيث أصدرت المحكمة في هذه الجلسة الأخيرة قرارها رقم 46 بتاريخ 5\11\1995، “بمثابة الوجاهي” بالسجن المؤقت 6 سنوات مع الأشغال الشاقة.

في غضون ذلك سعت تهامة معروف مراراً إلى تسوية وضعها، فوكّلت محامين تقدموا من النيابة العامة لمحكمة أمن الدولة بطلب شمولها بحكم التقادم، ورفضت النيابة ذلك، وتقدمت شخصياً بطلب لمقابلة وزير الداخلية لشرح مشكلتها، فلم تتلق جواباً. وكتبت إلى السيد رئيس الجمهورية والسيدة أسماء الأسد طلباً لمساعدتهما، ولم تعرف ما إذا كانت رسائلها وصلت أم لا.

في السادس من شهر شباط 2010 قامت دورية من الأمن الجنائي في حلب بإلقاء القبض عليها لإكمال الحكم الصادر بحقها منذ أكثر من 15عاما ، مع العلم أن الحكم تقادم بالفعل بحكم القانون السوري ، لكن ربما الأهم هو التقادم الموضوعي إذا جاز التعبير، فالمنظمة التي اتهمت بالانتماء إليها لم تعد موجودة منذ العام 1992، وجميع الأفراد الذين اعتقلوا أو حوكموا بتهمة الانتماء إليها خرجوا من المعتقلات والسجون وعادوا إلى حياتهم الطبيعية، إما بانتهاء الأحكام الصادرة بحقهم أو بموجب مراسيم عفو صدرت عن رئاسة الجمهورية ، وهي لم تعد إلى ممارسة أي نشاط سياسي بعد خروجها من المعتقل في العام 1993.

أكثر من 20 مليون سوري : مواطنتهم مؤجلة بسبب قانون الطوارئ ، حيث لا صوت يعلو فوق صوته منذ أكثر من 40 عاماً .

المصدر :موقع جدار  - أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري